القدس المحتلة، واشنطن – أقل من شهر وينتهي سقف المفاوضات الفلسطينية الاسرائيلية التي تجري برعاية أميركية، دون أن تظهر أية بوادر انفراج قريبة، ولكن خلافا للمعهود، وبعكس ما تدعي إسرائيل، اتهم وزير الخارجية الأميركي جون كيري حكومة بنيامين نتنياهو بتفجير المفاوضات مع الفلسطينيين. وأعلن، في شهادة له أمام لجنة الخارجية في مجلس الشيوخ الأميركي أنّ هامش الوقت المتاح له وللرئيس باراك أوباما للانشغال بالتوسط بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية محدود.
فقد عقدت الخميس الماضي جلسة جديدة من المفاوضات بحضور الوسيط الأميركيّ مارتن أنديك رفض خلالها الوفد الفلسطينيّ عرضاً إسرائيلياً بإبعاد أسرى من الدفعة الرابعة، وقد جاء اللقاء في وقت جدد فيه كيري التزام بلاده التام حماية أمن إسرائيل بعد تصريحات له أمام مجلس الشيوخ حملت الجانب الإسرائيلي مسؤولية تعثر المفاوضات قبل أن يتراجع عنها لدى استقباله نظيره الإسرائيلي افيغدور ليبرمان، حيث نفى كيري تحميله إسرائيل المسؤولية عن الأزمة في المفاوضات.
وبالتزامن عادت وزارة الخارجية الأميركية الى لهجتها المتفائلة، ولكنها نفت أنباء من المنطقة عن التوصل لاتفاق. وقالت جين ساكي المتحدثة باسم الوزارة للصحفيين «فريقنا المفاوض ما زال يجري مفاوضات مكثفة مع الطرفين. لقد عقدوا اجتماعاً آخر. الفجوات تضيق ولكن أي تكهنات بشأن التوصل لاتفاق سابقة لأوانها في الوقت الحاضر».
عربياً، حملت جامعة الدول العربية إسرائيل مسؤولية تعثر المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية وذلك بعد رفض تل أبيب الإفراج عن الدفعة الرابعة من الأسرى الفلسطينيين.
وكان الرئيس الفلسطينيّ محمود عباس قد أعلن أنه يتفق مع تمديد المفاوضات وفق ثوابت ومرجعيات تؤدي إلى إقامة دولة فلسطين وعاصمتها القدس الشرقية.
وقال الأمين العام لجامعة الدول العربية نبيل العربي إن «إسرائيل تتحرك على محورين، هما كسب الوقت واستقطاع المزيد من الأراضي عن طريق الاستيطان»، وأضاف في المؤتمر الصحفي الذي أعقب الاجتماع الطارئ لوزراء الخارجية العرب أن «المطلوب من الجانب الأميركي الآن التحرك، وتنفيذ قرارات الشرعية الدولية». وطالب المجتمع الدولي وخاصة الولايات المتحدة بعدم الدخول في مساومات مع حكومة بنيامين نتنياهو وإنما التعجيل بالضغط على إسرائيل للالتزام بالاتفاقات الموقعة بين الجانبين، وذكر العربي أن «تمديد المفاوضات تسعة أشهر أخرى هو قرار فلسطيني وليس للجامعة العربية دور فيه».
وعلى صعيد متصل أكد مجلس الجامعة تأكيده على تفعيل شبكة الأمان، التي أقرتها القمم العربية لتقديم 100 مليون دولار شهرياً للحكومة الفلسطينية حتى تتمكن من الوفاء بالتزاماتها، في ظل تهديد إسرائىل بفرض عقوبات مالية على السلطة.
وكان وزراء الخارجية العرب قد أكدوا في اجتماعهم غير العادي في القاهرة حول فلسطين دعمهم الكامل للسلطة الفلسطينية في مسعاها للانضمام إلى المنظمات الدولية.
يذكر أنه منذ حصول السلطة الفلسطينية على عضوية دولة مراقب في الأمم المتحدة، فرضت إسرائيل عقوبات اقتصادية عليها. وتقول إن مجموعة العقوبات الجديدة تأتي رداً على توجه الأخيرة إلى الأمم المتحدة، وردعاً لها عن تنفيذ خطوات أخرى مماثلة.
وقد أصدر بنيامين نتنياهو الأسبوع الماضي تعليماته إلى وزارات حكومته بالامتناع عن إجراء لقاءات مع الجانب الفلسطيني، معلناً وقف التعاون الاقتصادي والمدني مع رام الله، علماً أن لقاءات وزيرة القضاء الإسرائيلية تسيبي ليفني مع رئيس الوفد الفلسطيني المفاوض صائب عريقات، غير مشمولة في هذه التعليمات، وفق «يديعوت أحرونوت»،
كما كان واضحاً طوال المفاوضات أن الطرفين اتخذا خطوات غير مجدية بالتوازي مع ذلك، تحاول تل أبيب توجيه رسالة إلى رئيس السلطة محمود عباس، مفادها أنها ستبادر إلى خطوات تصاعدية في حال مواصلة الرجل طريقه نحو الأمم المتحدة، فضلاً عن محاولة تقويض مفعول الورقة التي لجأ إليها. ورغم أن عباس يملك نظرياً أوراقاً كثيرة، فإنه من وجهة النظر الإسرائيلية لن يجرؤ على اللجوء إليها أو حتى بعضها، وضمن ذلك إلغاء التنسيق الأمني الذي استثناه قرار نتنياهو من التعليمات الموجهة إلى الوزارات المعنية.
من الناحية العملية، لا تُجرى اتصالات مباشرة بين الوزراء الفلسطينيين والإسرائيليين إلا بين وزيري المالية لترتيب قضايا ضرائب المقاصة التي تجبيها إسرائيل لمصلحة السلطة الفلسطينية. وقال مسؤول حكومي فلسطيني «من الواضح أن القرار الإسرائيلي هدفه الأساسي رواتب الموظفين، وخاصة أن المغذي الرئيسي لفاتورة الراتب يأتي من الضرائب التي تجبيها إسرائيل لمصلحة السلطة».
وتُقدر الفاتورة الشهرية للسلطة الفلسطينية بنحو 200 مليون دولار، تورد إسرائيل منها لقاء ضرائب المقاصة 120 مليوناً وتجبي السلطة نحو 30 مليوناً، في حين أن الباقي يأتي من الدول المانحة، علماً أن فاتورة رواتب الموظفين العاملين في القطاع الحكومي الشهرية تبلغ نحو 140 مليون دولار. ويسود تخوف في أوساط حكومية فلسطينية من أن تعمل إسرائيل على التصرف بالأموال من دون أي تنسيق مع الفلسطينيين، وخاصة أن هناك طرقاً تمكنها من ذلك.
هذه الخطوات الإسرائيلية جاءت بعد مواقف لافتة من كيري لمّح فيها الثلاثاء الماضي إلى مسؤولية حكومة نتنياهو عن الأزمة التي تواجهها المحادثات الفلسطينية- الإسرائيلية.
وخلقت أقوال كيري أمام لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ الأميركي أصداءً واسعة في الساحة الإسرائيلية، وعكست قدراً كبيراً من الخيبة وتعدداً في قراءة خلفيات حديث الرجل وتوقيته وتداعياته. وكانت إسرائيل قد رفضت إطلاق سراح 30 أسيراً فلسطينياً تعتقلهم قبل عام 1993، وذلك عقب اتفاق بين الجانبين برعاية أميركية أطلقت إسرائيل بموجبه 78 أسيراً، ما أدى في النهاية إلى تعثر المفاوضات.
يذكر أن حكومة نتنياهو سعت إلى تشبيه ما حدث في الأسبوع الأخير بإخفاق مفاوضات كامب ديفيد عام 2000 مع كل انعكاساتها وتداعياتها.
Leave a Reply