صحيح أن انجاز المشروع الانتخابي في لبنان، وفق النسبية في 15 دائرة، جرى بالشراكة بين الجميع، ترجمة للتوازنات الداخلية المرهفة التي تحتم التوافق، لكن الصحيح أيضاً أن نائب رئيس حزب القوات اللبنانية جورج عدوان ساهم، عبر استراتيجيته التفاوضية وتحركاته المكوكية، في ضخ جرعات من الدينامية في عروق المساعي التوفيقية، التي أنتجت قانون ربع الساعة الأخير، إلى حد أن الكثيرين باتوا يطلقون على المشروع المعتمد تسمية «قانون عدوان».
وقال النائب عدوان لـ«صدى الوطن» إن التفاهم على مبدأ النسبية وفق 15 دائرة سيطلق حيوية داخلية، لافتاً الانتباه إلى أن الانجاز الذي تحقق ليس انتخابيا فقط، بل هو قبل ذلك انقاذي بالمعنى الوطني، لأن عدم التوافق على قانون للانتخاب كان سيقودنا إلى نفق مظلم ومفتوح على كل الاحتمالات، في ظل ظروف إقليمية صعبة وانشغال الجميع عنا.
وشدد على أن أهمية اقرار القانون لا تنحصر فقط في إعادة الانتظام المطلوب إلى اللعبة الديمقراطية والمؤسسات الدستورية، وإنما أيضاً في تحصين لبنان وحمايته من تطورات المنطقة.
وأكد أن قانون الانتخاب صنع هذه المرة في لبنان، تماماً كما كان انتخاب رئيس الجمهورية ميشال عون صناعة وطنية، مشيراً إلى أن وضع قانون الانتخاب سيفضي إلى اكتمال صمام الأمان وسيدخل لبنان في مرحلة من الانفراج الحقيقي، وبالتالي سيتأكد أن بإمكان اللبنانيين، لوحدهم، بناء مؤسساتهم وتحديد مصيرهم من دون الاتكال على أحد في الخارج.
واعتبر أن إنجاز القانون سيقود إلى تثبيت الاستقرار، «أما لو لم نتمكن من التوافق عليه، فإن البديل كان سيتمثل في عصفورية سياسية من شأنها أن تطلق العنان للفوضى الهدامة».
وأشار إلى أن نقطة التحول التي دفعت نحو اكتمال التسوية الانتخابية تكمن في قناعة الجميع بأن العودة إلى قانون «الستين»، بحجة تعذر التوافق على قانون جديد، كانت ستفضي إلى تداعيات من النوع الذي يفوق قدرة النظام السياسي على احتماله، موضحاً أن «القوات» اختارت هذا التوقيت للتدخل وإحياء مشروع النسبية في 15 دائرة، باعتباره يمكن أن يشكل مساحة مشتركة.
ولفت عدوان الانتباه إلى أنه بدأ تحركه، عندما لاحظ مرونة من الثنائي الشيعي في مقاربة عدد الدوائر واعطائه اكثر من اشارة إلى تخليه عن التمسك باعتماد النسبية على أساس لبنان دائرة واحدة أو ست دوائر، «وهي مرونة قابلتها «القوات» بالمثل حين ابدت تجاوبا مع مبدأ النسبية الكاملة بعدما كانت ترفضها في السابق».
وأشار عدوان إلى أن المبادرة التوفيقية لـ«القوات اللبنانية» سمحت لها بخوض نقاشات معمقة مع قوى سياسية كانت علاقتها بها باردة أو مقطوعة، ما أفسح المجال أمام مد جسور من التواصل والحوار مع تلك القوى، مشيداَ في هذا السياق بتجاوب رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط مع مبدأ النسبية بعدما كان يرفضه، وموضحاً أنه أكد لجنبلاط أن مصالحة الجبل هي خط أحمر وخيار نهائي بالنسبة إلى «القوات» التي ترفض التضحية بتلك المصالحة لحساب اي اعتبار آخر، «ما شجع جنبلاط على تدوير زوايا موقفه من قانون الانتخاب».
كما أبدى عدوان ارتياحه إلى نمط تعاطي «حزب الله» مع مبادرته الانتخابية، والجهد الذي بذله للوصول إلى اتفاق، من دون أن يعني ذلك أننا نقبل بخياراته الاقليمية والسياسات التي يعتمدها في خارج لبنان.
وكشف عدوان عن أن الحريري أدى دوراً حيوياً في ايجاد الظروف المناسبة لانتاج قانون الانتخاب، موضحاً أن تأكيد الحريري بأنه لن يترشح ولن يشارك في الانتخابات، على قاعدة «الستين»، انهى رهانات البعض المضمرة على العودة اليه وأعطى زخماً قوياً لمساعي التسوية.
وأشاد كذلك بجهد الرئيس نبيه بري الذي «كانت نقاشاتي معه تستمر احيانا حتى طلوع الفجر».
واعتبر انه لو جرى إجهاض قانون الانتخاب في هذا التوقيت الحساس والمصيري، بحجة تفصيل هنا أو هناك، لكان ذلك بمثابة انتحار ذاتي، مؤكداً أن الجميع وصل إلى لحظة الحقيقة في نهاية المطاف وأدرك أنه لا مفر من التسوية لتفادي الوقوع في أزمة وطنية من العيار الثقيل.
ويشدد عدوان على أنه لم يكن مسموحاً أخذ لبنان إلى الفراغ، مشيراً إلى أن الدولة هي الضمانة الاخيرة للمسيحيين تحديداً، في هذا الشرق، وبالتالي ليس مقبولاً ضرب الدولة في لبنان وتفكيك مؤسساتها نتيجة خلاف حول تفاصيل غير أساسية في قانون الانتخاب، لافتاً الانتباه إلى أن المطلوب هو «تحصين نظامنا السياسي في وقت تتفكك الأنظمة من حولنا».
واعتبر أن الضرر الأكبر كان سيلحق بالمسيحيين لو حصل التدحرج نحو الفراغ بعد 20 حزيران، «وهذا ما يفسر الجهد الكبير الذي بذلته «القوات» في كل الاتجاهات للحؤول دون الوقوع في المحظور».
وشدد على أن عهد الرئيس ميشال عون هو من بين الرابحين الاساسيين من انجاز قانون النسبية على أساس 15 دائرة، لافتا الانتباه إلى أن أياً من الخيارات البديلة كان سيؤدي إلى انعكاسات سلبية على العهد، سواء التمديد أو الستين أو الفراغ.
Leave a Reply