القدس المحتلة، غزة
على خلفية إخلاء أسر فلسطينية من حي الشيخ جرّاح في القدس واعتداء شرطة الاحتلال على المصلين في المسجد الأقصى، اندلعت مطلع الأسبوع الماضي، مواجهة عسكرية غير مسبوقة منذ العام 2014 بين الجيش الإسرائيلي من جهة، وفصائل المقاومة في غزة من جهة أخرى، على وقع اشتعال مدن إسرائيلية بمواجهات هي الأولى من نوعها بين السكان اليهود والعرب، لاسيما في مدينة اللد التي أثارت مخاوف الإسرائيليين من اندلاع «حرب أهلية» تشكل خطراً وجودياً على دولتهم.
ومنذ إعلان حركة «حماس» عن إطلاق عملية «سيف القدس» لنصرة أهالي المدينة المقدسة تواصل قوات الاحتلال الإسرائيلي قصفاً جوياً وبحرياً وبرياً على قطاع غزة المحاصر، موقعة عشرات الشهداء ومئات الجرحى، فيما تضاربت الأنباء حول عزم قوات الاحتلال على بدء عملية توغل بري في القطاع لدرء خطر الصواريخ التي تطلق يومياً بالعشرات على مدن ومستوطنات إسرائيل.
وبحلول الخميس الماضي، كشفت وزارة الصحة الفلسطينية في غزة أن عدد الشهداء ارتفع إلى 115 بينهم 27 طفلا و11 امرأة، فيما أصيب أكثر من 600 آخرين بجراح مختلفة. ويعيش القطاع المحاصر في ظلام بعد انقطاع التيار الكهربائي عن مناطق واسعة من مدينة غزة عقب غارات إسرائيلية.
وبعد تداول أنباء حول عملية برية تستهدف غزة، أكّد جيش الاحتلال الإسرائيلي فجر الجمعة أنّه لم يدخل القطاع بعد، خلافاً لما كان أعلنه في وقت سابق.
و أصدر جيش الاحتلال «توضيحاً» يُفيد بأنّه «لا يوجد جنود» في غزّة. ورداً على سؤال لوكالة الصحافة الفرنسية قال المتحدّث باسم الجيش إنّ «مشكلة تواصل داخليّة» قد حصلت.
وتحدثت أنباء عن بدء إسرائيل حشد قواتها حول غزة استعدادا لعملية برية محتملة فيها، وتوعدت فصائل المقاومة الفلسطينية، قوات الاحتلال في حال أقدمت على توغل بري.
وقال أبو عبيدة المتحدث باسم «كتائب عز الدين القسام»، الجناح العسكري لحركة «حماس» إن «العدو ينفذ غارات استعراضية للتدمير ولن تؤثر في قدراتنا»، في إشارة إلى القصف الإسرائيلي الكثيف على قطاع غزة.
وأشارت تقارير إعلامية إلى أن جيش الاحتلال يجري عملية تمشيط نارية في مناطق شمال غزة بعد حشد أرتاله على حدود القطاع. غير أن بعض المراقبين يستبعد أن تقدم إسرائيل على هذه الخطوة مع اشتداد الضغوط الدولية الداعية إلى التهدئة.
وقررت إسرائيل استدعاء 16 ألف جندي احتياط، بينهم 7 آلاف جندي لدعم منظومة القبة الحديدية التي تستخدم لاعتراض صواريخ المقاومة الفلسطينية، وذلك عقب اجتماع ضم وزير الدفاع الإسرائيلي بيني غانتس وقائد الأركان أفيف كوخافي، وأُقر خلاله أيضاً إلغاء إجازات العسكريين.
وفي مواجهة التهديد الإسرائيلي بعملية برية، قال أبو عبيدة، إن المقاومة جاهزة لتلقين إسرائيل درساً قاسياً. وأضاف «أي توغل بري في أي منطقة بقطاع غزة سيكون فرصة لزيادة غلتنا من قتلى وأسرى العدو».
من جهته، حذر أبو حمزة، المتحدث باسم «سرايا القدس»، الذراع العسكرية لحركة «الجهاد الإسلامي»، من أنه في حال فكرت إسرائيل في المعركة البرية، فسيكون ذلك أقصر طريق للمقاومة كي تنتصر.
وردا على القصف الإسرائيلي المكثف، أطلقت الفصائل الفلسطينية عدة صواريخ باتجاه الأراضي المحتلة، مستهدفة القدس وتل أبيب وعسقلان وأسدود وبئر السبع وسديروت ومدناً أخرى. وقالت وسائل الإعلام الإسرائيلية إن 80 بالمئة من الإسرائيليين باتوا في الملاجئ.
وعلّقت شركات طيران عدّة خدماتها إلى إسرائيل، خوفاً على أمن ركّابها. كما دعت الولايات المتحدة رعاياها إلى تجنب السفر إلى إسرائيل بسبب أعمال العنف. وأوصت رعاياها بعدم الذهاب إلى قطاع غزّة والضفّة الغربيّة حيث رفعت مستوى التحذير إلى أقصى درجة.
وقال الجيش الإسرائيلي، صباح الجمعة، إن 7 إسرائيليين قتلوا وأصيب 523 أخرين في القصف الصاروخي من قطاع غزة.
من جانبه، دعا الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، مساء الخميس، إلى «وقف التصعيد والأعمال العدائية فوراً في غزة وإسرائيل».
ومن المقرر أن يعقد مجلس الأمن الدولي اجتماعاً افتراضيّاً علنيّاً حول النزاع الإسرائيلي الفلسطيني الأحد المقبل، حسب ما أفاد دبلوماسيّون. وكان الاجتماع مقرّراً الجمعة، لكنّ الولايات المتحدة فضلت إرجاءه.
هبّة الداخل
بالترافق مع التطورات العسكرية في غزة، تواجه إسرائيل خطراً وجودياً يفوق بكثير، التهديد الذي تمثله الصواريخ القادمة من القطاع المحاصر، بحسب الرئيس المكلف تشكيل الحكومة الإسرائيلية يائير لابيد، وذلك في ظل استمرار المواجهات بين فلسطيني الـ48 من جهة، والمستوطنين والشرطة الإسرائيلية من جهة ثانية، لاسيما في مدينة اللد التي تحولت إلى ما يشبه حرب الشوارع.
الأحداث بدأت تتدحرج مع الأيام الأولى لشهر رمضان المبارك إثر محاولة الشرطة الإسرائيلية إخلاء أسر فلسطينية من حي الشيخ جرّاح ومنح منازلهم للمستوطنين في إطار خطط تهويد مدينة القدس، الأمر الذي واجهه سكان الحي برفض عارم أدى إلى وقوع صدامات عنيفة خاضها الأهالي بصدورهم العارية مع المستوطنين المتطرفين المدجّجين بالأسلحة وبحماية الشرطة الإسرائيلية. لكن المصلّين في المسجد الأقصى تدخلوا لمناصرة أهالي الحي ومنعوا المستوطنين من دخول المسجد الأقصى وتدنيسه في مواجهات أثارت اهتماماً دولياً.
بالتزامن مع هذه التطورات العسكرية، اعتدت قوات الاحتلال فجر الجمعة، على مشاركين في مسيرات ليلية خرجت بشكل عفوي في عدد من مدن الضفة الغربية؛ تضامناً مع المسجد الأقصى وقطاع غزة الذي يتعرض لقصف إسرائيلي عنيف منذ الاثنين الماضي. وخرجت المسيرات في مدن نابلس وطولكرم وجنين شمالي الضفة، ورام الله (وسط) والخليل وبيت لحم (جنوب).
وقالت جمعية الهلال الأحمر الفلسطينية إنها تعاملت الخميس الماضي، مع 139 إصابة خلال مواجهات بين المتظاهرين والقوات الإسرائيلية في القدس وعدة مدن بالضفة الغربية.
وتعليقاً على ما يجري، قالت حركة «الجهاد الإسلامي»، في بيان لها الخميس الماضي، إن مواجهات الداخل المحتل تُثبت أن «فلسطين واحدة لا تتجزَّأ وأن «فلسطين هي من البحر إلى النهر، ومن رفح جنوباً إلى رأس الناقورة شمالا».
وأضافت الحركة أن «ليلة جديدة من المواجهات داخل المدن الفلسطينية المحتلة عام 48، تُثبت تعاظم الإرادة الوطنية لأهلنا وجماهير شعبنا هناك، والذين يواصلون انتفاضتهم ويقلبون الطاولة في وجه مخابرات العدو».
وبحسب نشطاء، تحولت شوارع المدن في الداخل المحتلّ إلى مصائد إعدام ميداني، وظهور مجموعات من المستوطنين تقطع الشوارع لاصطياد الفلسطينيين. أمّا التطوّر الثاني، فتمثّل بارتفاع منسوب الخشية الإسرائيلية من الانجرار إلى حرب أهليّة مع فلسطينيي الـ 48، وهو ما أجبر مسؤولين إسرائيليين على إطلاق تحذيرات ودعوات إلى «وقف الجنون في الشوارع» قبل الانفجار الكبير.
ونقلت وسائل إعلام إسرائيلية عن وزير الدفاع تأكيده تمديد حالة الطوارئ في مدينة اللد المحتلة، 48 ساعة، بناءً على طلب الشرطة الإسرائيلية، وبعد التشاور مع وزير الأمن الداخلي أمير أوحانا، و«بسبب الأحداث العنيفة التي تقع في المدينة».
وشهدت مدن اللد وعكا وحيفا ويافا وبيت يام وطبريا وأم الفحم، مواجهات عنيفة بين الفلسطينيين والمستوطنين، بالإضافة إلى مواجهات بين فلسطينيي الـ48 من جهة، والشرطة والمستوطنين من جهة ثانية. كما وقعت اشتباكات بين المستوطنين والفلسطينيين في بئر السبع.
وطلبت لجان المقاومة من الفلسطينيين في الضفة الغربية، والقدس المحتلة، وأراضي الـ48 «تصعيد كل أشكال المقاومة في وجه المحتل الغاصب، والاستمرار في الالتحام في معركة سيف القدس».
في هذا الوقت، قالت صحيفة «هآرتس» إن رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو يقود إسرائيل إلى «حربٍ أهلية» بين المستوطنين والفلسطينيين، من خلال «الأوهام الكاذبة، والتحريض، والإعلام المرتهَن، والسياسة البربرية، والقوانين التمييزية».
وطالب نتنياهو الحكومة بـ«المصادقة على إدخال الجيش لهذه المدن التي تشهد إحراق سيارات ومؤسسات، وتنكيلاً». أما بشأن وقف الصواريخ القادمة من غزة، فقال نتنياهو خلال تفقّد موقع بطّارية لمنظومة «القبة الحديدية» إن «الأمر سيستغرق وقتاً، لكنّنا سنُعيد الاطمئنان إلى إسرائيل».
Leave a Reply