الناظر إلى الصورة الفلسطينية من بعيد، يحسب أن المقاومة قاب قوسين أو أدنى من الإنهيار، بفعل الضربات العسكرية التي يوجهها الجيش الإسرائيلي لأماكن تواجد المقاومين وقواعدهم وورش تصنيع الصواريخ، ومقرات القيادة، ناهيك عن عمليات إغتيال ضد قادة ميدانيين يشارك فيها عناصر من الموساد، مع ما يصاحب ذلك من إختراقات أمنية في صفوف المنظمات المقاتلة.
يأتي قبل ذلك وبعده حصار عسكري وإقتصادي ومالي موجع، تفرضه إسرائيل على 1,5 مليون فلسطيني في غزة، تدعمها في ذلك الولايات المتحدة والعالم الغربي والأنظمة العربية، ممنوع على الغزيين من خلال هذا الحصار التنقل خارج قطاعهم، إلى مصر أو الضفة الغربية، وممنوع عليهم التجارة والإستيراد والتصدير، وكلّما غضبت إسرائيل منهم تقطع عنهم التيار الكهربائي والمياه والوقود، ومعدل البطالة في الأراضي الفلسطينية الاعلى في العالم، وأموال المساعدة الإنسانية المكدسة للفلطسينيين في البنوك المصرية والأردنية غير مسموح بنقلها إلى المحتاجين. أساليب الضغط الملموسة هذه لا تشفي غليل الإسرائيليين، أحيانا يعمدوا إلى تصعيدها، كما جرى في عملية «الشتاء الدافىء» حين أمطروا المدنيين في غزة بالقذائف والصواريخ وزخات الرصاص، فقتلوا منهم 130 بينهم أطفال وشيوخ ونساء، فوجهة نظرهم أنه كلما قتلت عربيا كلما اقتربت من تحقيق السلام.
أما الأساليب غير المحسوسة فتشمل حربا سياسية وإعلامية يشنها أعداء المقاومة وخصومها في الداخل والخارج، الهدف منها تحجيم ما يعتبرونه كيانا متشددا نشأ في غزة ويمكن له أن ينمو وتتمدد جذوره لتقتلع أنظمة واهنة في الجوار، وما ينسحب على المقاومة ومحيطها الجماهيري في غزة ينسحب بالضرورة على الضفة الغربية، اللهم إلا أن هذه الأخيرة محاصرة بجدار أسمنتي سميك، وفيها 150 مستوطنة، وتقطع أوصالها بضع مئات من نقاط التفتيش الإحتلالية، ومعابرها مع الأردن يسيطر على الأمن الإسرائيلي، وقدسها ممنوع على الفلسطينيين الصلاة فيها.
فهي إذن مقاومة لم يشهد التاريخ لها مثيلا، فالمقاومة اللبنانية الباسلة حين قاتلت إسرائيل وطردتها من الجنوب، وحين جلبت لشعبها وللعرب أكاليل النصر بصمودها وتصديها لرابع أقوى جيش في العالم في حرب تموز 2006، كانت تستند إلى قوة إقليمية تمدها بكم هائل من الأسلحة والأموال، وخلفها شعب مغوار ودولة ذات سيادة، والمقاومة العراقية هذه التي مرغّت سطوة الولايات المتحدة وجبروتها العسكري والإقتصادي في أهوار بلاد الرافدين، بيدها أسلحة وذخائر وجند العهد السابق، ومسرح عملياتها مفتوح ينفذ إليه المقاتلون من جهات أربعة لا يمكن لأي جيش إقفالها.
وعليه فالسؤال الذي يطرح نفسه هو كيف استطاعت المقاومة الفلسطينية أن تستمر ويصلب عودها، في ظل ظروف كهذه التي تعيشها وتحيط بها، خاصة وقد شهدناها – المقاومة – في الآونة الأخيرة تفرض شروطها لإبرام هدنة مع إسرائيل: وقف الإعتداءات على الشعب الفلسطيني ووقف الإغتيالات، وفك الحصار عن غزة، وغياب الإسرائيليين عن المعابر، والإفراج عن عدد كبير من الأسرى تحدد هي أسماءهم.
شروط كهذه مجرد طرحها يعني أن المقاومة تنعم بالقوة سياسية وعسكرية، أما السياسية فمصدرها الإلتفاف الجماهيري حولها من واقع تاريخ مشرّف سطرته بدماء إستشهاديين زلزلوا الكيان الغاصب، وقادة قدموا أرواحهم وأرواح أبنائهم من أجل القضية، فيما عرف عنهم الصفاء والنقاء ونظافة اليد، وآخرون لم تستهوهم المناصب ورغد العيش وهم يقضون حياتهم في سجون الإحتلال.
وأما قوتها العسكرية فتتمثل بوجود عشرات الآلاف من المقاتلين الأشداء المدربين جيدا ومسلحين بأسلحة ينقلونها عبر الأنفاق وأخرى عبر شبكات تجارة إسرائيلية، إضافة إلى تصنيع الصواريخ المحلية، ويكفي التدليل على قوة المقاومة دحرها لقوات الاحتلال من غزة، وإكتساحها لقوات السلطة هناك في بضعة أيام، وهي قوات عمرها عشرات السنين تتمتع بدعم مالي وعسكري من أنحاء الدنيا. الأهم من ذلك أن المقاومة على حق وخصومها على باطل وأعداؤها هم الباطل نفسه، والحق في تراثنا يعلوا ولا يُعلى عليه.
Leave a Reply