رايس أبلغت السنيورة تفريغ البيان الوزاري من ذكرها
لم تكن المفاجأة في ان يأخذ البيان الوزاري للحكومة، هذا الوقت من التأخير بسبب فقرة تتعلق بالمقاومة، لان رئيس الحكومة وبعض الوزراء من حلفائه في قوى 14 شباط، كانوا ينتظرون لحظة صياغة هذا البيان، لينتقموا من المقاومة وسلاحها الذي يعتبرون انه جُرّب توظيفه في الداخل، في احداث ايار الماضي، وادى ذلك الى حصول تحول في موازين القوى السياسية، وتمكنت المعارضة من تحقيق شروطها.
هذا الاستغلال من قبل السنيورة للاحداث الاخيرة، التي حصلت كرد ونتيجة على قراري الحكومة ضد المقاومة وسلاح اتصالاتها ،وقد عادت الحكومة السابقة عنهما، ولم يكن التحرك العسكري الذي قامت به المعارضة «دراماتيكياً» اذ ان كل العملية لم تستغرق سوى ثلاث ساعات في بيروت، حيث استسلم مقاتلو «تيار المستقبل» والاشتراكي بسرعة، بعد ان شعروا ان المعركة غير متوازنة، وهذا ما حصل في الجبل ايضاً، حيث تسلم الجيش المراكز الحزبية والعسكرية لقوى الموالاة، وعادت الامور طبيعية دون وقوع خسائر كبيرة.
فسلاح المقاومة موجود ومعترف به شرعياً من خلال اتفاق الطائف الذي تكرس موادا في الدستور، منذ عقود، وتم تكريسه سلاحا للدفاع عن لبنان في «تفاهم نيسان» اثر الحرب الاسرائيلية على لبنان في نيسان 1996، كما لم تسقطه الحكومات المتعاقبة من بياناتها الوزارية حتى بعد تحرير الجنوب في العام 2000، واكدت عليه الحكومة السابقة التي ترأسها فؤاد السنيورة، بأنه حق مشروع في الدفاع عن لبنان.
واثبتت المقاومة انها حاجة ضرورية للبنان، كقوة ردع للعدو الاسرائيلي، في غياب استراتيجية دفاعية دعا الى الاسراع في الحوار حولها الامين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصر الله، وبدأ رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان توجيه الدعوات للشخصيات التي تمثلت في الحوار الذي دعا اليه الرئيس نبيه بري في مجلس النواب قبل اكثر من سنتين، وهي الشخصيات نفسها التي تمت دعوتها الى مؤتمر الحوار في الدوحة وانتجت اتفاقا تم تنفيذ شقين منه هما انتخاب رئيس للجمهورية وتشكيل حكومة وحدة وطنية تأخرت في انجاز البيان الوزاري، بسبب رفض السنيورة ذكر المقاومة في البيان لجهة حاجة لبنان اليها لتحرير ما تبقى من ارض محتلة في مزارع شبعا وتلال كفرشوبا، فهو يعتبر ان هذه مهمة الدولة وقواتها العسكرية وعمل دبلوماسيتها وتطبيق القرار 1701 الذي ينص على تحرير مزارع شبعا، ولا يجوز ان يبقى سلاح غير سلاح الشرعية.
هنا وقع الخلاف داخل لجنة صياغة البيان حيث طلب احد ممثلي المعارضة ادراج الفقرة التي وردت في البيان الوزاري للحكومة السابقة، وهو ما رفضه السنيورة ومعه وزراء «تيار المستقبل» و«القوات اللبنانية» و«الكتائب» و«قرنة شهوان»، بذريعة انه بعد صدور القرار 1701 بفعل العدوان الاسرائيلي في تموز 2006، تغيرت اشياء كثيرة، وبات الجيش في الجنوب عند الخط الازرق تسانده القوات الدولية، ولم يعد مسموحاً وجود اسلحة ومسلحين او منظمات مسلحة.
على هذه الآراء ترد المقاومة، بانها قوة للبنان لا يمكن التفريط بها، وهذا ما اكد عليه الرئيس بري، واعلن عنه بوضوح العماد ميشال عون، حيث اجمعت مواقف المعارضة على رفض التفريط بالمقاومة، او الاستسلام لشروط الادارة الاميركية التي لم تكن مرتاحة أبداً لفوز المعارضة بالثلث الضامن داخل الحكومة ولاطلاق سراح سمير القنطار الذي نددت به السفيرة الاميركية المعينة في لبنان ميشال سيسون، التي اغاظها تحرير الاسرى من سجون العدو، وقد ارتبك حلفاؤها في لبنان الذين اضطروا الى التسليم بانتصار المقاومة وانجازاتها، فطلبت الدبلوماسية الاميركية منهم التشدد من موضوع المقاومة في البيان الوزاري وعدم اعطاء شرعية لها، فهي بالتصنيف الاميركي منظمة ارهابية، وهذا ما حصل، وجاء التأخير في البيان الوزاري حول حق المقاومة في الدفاع عن لبنان، وقد تدخل الرئيس بري لتدوير الزوايا واتفق مع النائب وليد جنبلاط ان يتم ادراج فقرة البيان الوزاري السابق مع مضمون القرار 1701 ، وترضي هذه التسوية الطرفان، لتنطلق الحكومة الى العمل في ظل ازمات اقتصادية واجتماعية خانقة وتقديم حلول لها، حيث جرى نقاش مستفيض في لجنة صياغة البيان الوزاري حول الخصخصة ومؤتمر باريس-3، والتوجه الاقتصادي والاجتماعي للحكومة، اضافة الى ملف المهجرين وضرورة إقفاله، وتفعيل مؤسسات الدولة.
وتبين من تقارير دبلوماسية، ان المماطلة التي يبديها الفريق الحاكم بشأن سلاح المقاومة، مرتبطة باشارات اميركية، ان الامم المتحدة تتجه نحو وضع مزارع شبعا تحت وصايتها ولا تعود هناك حاجة للمقاومة وسلاحها وقد ابلغت رايس الرئيس السنيورة بهذا التوجه، وطلبت منه الاصرار على ان يتضمن البيان الوزاري القرار 1701 فقط، وهو ما طالب به ايضاً سعد الحريري الذي تلقى توجيهات من السعودية، ان لا يتساهل بموضوع المقاومة وسلاحها، بعد ان سيطرت على بيروت وباتت تملك القرار داخل الحكومة، فتشدد في موقفه بعد ان كان مرناً في اعتماد صيغة البيان الوزاري السابق، وهدد عبر نواب من كتلته بعدم اعطاء الحكومة الثقة، كما شن نواب من 14 شباط حملة تطالب بنزع سلاح المقاومة قبل الانتخابات النيابية التي لا يمكن حصولها مع وجوده، وقد فسر بعض المراقبين هذا الطلب بانه محاولة لتعطيلها لان النتائج لن تكون لمصلحة الاغلبية النيابية الحالية التي ستفقد السلطة، في حين ان الانتخابات السابقة حصلت عبر اربع دورات متتتالية منذ العام 1992 وبوجود سلاح المقاومة، الذي كانت في ظله تقوم ورشة الاعمار ايضاً وتحرك الاقتصاد.
فسلاح المقاومة هو قوة للبنان في السياسة والاقتصاد والامن وردع اسرائيل، وسيكون دافعاً للحكومة على انها تمثل الوحدة الوطنية ليس شكلا بجمع ممثلي الاحزاب والقوى السياسية والطائفية، بل بمضمون ما تحمله من توجه سياسي، ومناخ وفاقي، ورؤية اقتصادية، وبرنامج اجتماعي وانمائي، ودليل اصلاحي يعبر عنها بيان وزاري تكون ترجمته على الارض بمشاريع وانجازات.
Leave a Reply