منذ 12 عاماً ولبنان من دون موازنة، وهو يصرف على قاعدة الإثني عشرية، لآخر موازنة في العام 2005، مما أفقد مجلس النواب صلاحياته في دراسة الموازنة ومناقشتها، لا بل مراقبة عمليات الصرف وفق الاعتمادات المقررة، وقد خرج عدد من الوزراء عن هذه القاعدة، مما أحدث خللاً ما بين الموارد والنفقات.
ودرست الحكومة الحالية الموازنة التي كان وضعها وزير المال علي حسن خليل في الحكومة السابقة برئاسة تمام سلام، والذي عاد إلى منصبه في حكومة الرئيس سعد الحريري إذ بلغت أرقام الموازنة حوالي 27 ألف مليار ليرة لبنانية أي ما يعادل 18 مليار دولار، والإيرادات فيها 12 مليار دولار، وبعجز 6 مليار دولار، واعتمدت وزارة المال لزيادة الواردات على سلة ضرائبية جديدة حيث رفعت الضرائب والرسوم وفق التالي (مليون دولار يساوي 1.5 مليار ليرة):
1 – رفع معدل الضريبة على فوائد الودائع من 5 إلى 7 بالمئة، والمبلغ المتوقع 410 مليار ليرة.
2 – رفع القيمة المضافة (TVA) من 10 إلى 11 بالمئة والمبلغ المتوقع 300 مليار ليرة.
3 – فرض ضريبة على الأرباح العقارية بنسبة 15 بالمئة والمبلغ المتوقع 150 مليار ليرة.
4 – رفع رسم الطابع المالي على فواتير الهاتف والاتصالات التجارية والمبلغ المتوقع 140 مليار ليرة.
5 – فرض رسم مغادرة على المسافرين برّاً وبحراً وجواً والمبلغ المتوقع 125 مليار ليرة.
6 – رفع الضريبة على أرباح الشركات من 15 إلى 17 بالمئة والمبلغ المتوقع 120 مليار ليرة.
7 – زيادة رسم بمعدل 15 بالمئة على تخمين رخص البناء والمبلغ المتوقع 110 مليار ليرة.
8 – غرامة على أشغال الأملاك البحرية (بعد الإنتهاء من هذا الملف مع إجراء التسويات المطلوبة عليه) والمبلغ المتوقع 75 مليار ليرة.
9 – زيادة الرسوم على المشروبات الروحية المستوردة والمبلغ المتوقع 60 مليار ليرة.
10 – تعديل الضريبة على توزيع الأرباح والمبلغ المتوقع 60 مليار ليرة.
11 – زيادة الرسم على إنتاج الإسمنت والمبلغ المتوقع 50 مليار ليرة.
12 – فرض رسم إضافي على حمولة المستوعبات والمبلغ المتوقع 30 مليار ليرة.
هذه أبرز الرسوم والضرائب التي وردت في الموازنة لرفع الإيرادات بنحو 1630 مليار ليرة، وفي أغلبها تطال الطبقات الفقيرة وذوي الدخل المحدود والمتوسط، وهي تطال أيضاً المصارف والشركات العقارية والتجارية، لكن الرسوم والضرائب متدنية عليها، إذ أن أرباح المصارف السنوية بحسب تقارير ترفع من قبلهم وتنشر في وسائل الإعلام، تبلغ نحو 5 مليار دولار، وأن الضريبة عليها ضئيلة قياساً إلى أرباحها، إذ يطالب خبراء ماليون بأن تكون 30 بالمئة لتجني الخزينة منها مليار ونصف مليار دولار، وكذلك على الأملاك البحرية التي توازي 800 مليون دولار أو 1200 مليار ليرة.
جيب المواطن أولاً
لكن الحكومات المتعاقبة منذ ما بعد الطائف، لا تتطلع إلى مثل هذه الضرائب، بل تذهب إلى الضرائب غير المباشرة التي تصيب الفقير والغني على السواء، مثل الضريبة على القيمة المضافة، وهي أسهل طريقة لتحصيل الأموال، كما من الهاتف الخليوي التي ارتفعت موارده المالية إلى حدود الملياري دولار، وكذلك الرسوم الجمركية.
فالمشكلة في لبنان، هي من التهرّب الضريبي، وهو يحصل في بلدان أخرى، ويقدّر خبير اقتصادي قيمة ما تخسره الخزينة من هذا التهرّب هو بحدود 5 مليارات دولار سنوياً، ولا ينقص عن نصفه، وهذا المبلغ كافٍ ويزيد لدفع سلسلة الرتب والرواتب التي تبلغ 1200 مليار ليرة، بما يعادل 800 مليون دولار، ويمكن للحكومة سد العجز في الموازنة وخفضه إلى حدود دنيا.
ويتحدّث وزير المال علي حسن خليل عن خسارة الخزينة لحوالي 700 مليون دولار في الجمارك، في حين أن التقارير تشير إلى حوالي ملياري دولار من البضائع غير المصرح عنها، إضافة إلى 195 مليون دولار تذهب رشى إلى موظفين في الجمارك لتسهيل مرور البضائع وعدم التصريح عنها، أو تسعيرها بأثمان بخسة، أو تسجيلها بغير ما هي مستوردة.
لذلك كانت المطالبة من قبل النقابات وأحزاب وتيارات سياسية وهيئات في المجتمع المدني، أن تقوم الحكومة بمحاربة الفساد ووقف الهدر، وعندها يمكنها جني مليارات الدولارات، تذهب إلى جيوب تجار وفاسدين من موظفي الإدارات والمؤسسات.
اعتراف
ولقد اعترف رئيس الحكومة سعد الحريري أمام المتظاهرين في ساحة رياض الصلح وعلى مقربة أمتار من السراي الحكومي، بوجود الفساد والهدر، وهو سيعمل لمكافحتهما، وهو شيء إيجابي، لكن لم يعد المواطنون يثقون بالوعود، ولا بالمسؤولين، وقد رفع الحريري شعاراً لحكومته استعادة الثقة، وهو لم يحصل عليها بعد من الشعب الذي إنتفض ضد فرض رسوم وضرائب التي تحمل الفقراء وذوي الدخل المحدود والمتوسط أعباءً إضافيةً، دون أن ينالوا مقابل ما يدفعونه، إذ أن الموازنة تدفع خدمة الدين العام حوالي 5 مليارات دولار سنوياً، دون أن يتراجع هذا الدين الذي بلغ حدود 80 مليار دولار، ما يزيد من الأعباء على الخزينة التي باتت رواتب الموظفين والمتقاعدين تمتص حوالي 40 بالمئة من الموازنة. إذ ارتفعت الرواتب والأجور في القطاع العام من 3970 ملياراً عام 2008، إلى 7080 ملياراً عام 2015، وسترتفع مع سلسلة الرتب والرواتب، التي حاولت الحكومة فصلها عن الموازنة، لأنها مقررة في اللجان النيابية المشتركة، وحولتها إلى مجلس النواب للتصديق عليها، بعد أن تأمّنت مواردها من رسوم وضرائب من خارج الموازنة، وهو ما أدّى إلى تضارب حولها، إذ ثمة كتل نيابية، تتهرّب من إقرار السلسلة، لأنها ستكلّف الخزينة التي ستثقل المواطن بضرائب ورسوم.
ومع سلسلة الرتب والرواتب، التي جرت محاولات لإصلاح فيها من خلال توحيد الرواتب في الأسلاك والوظائف، بما يؤمن المساواة، وعمل وزير التنمية الإدارية أنور الخليل في العام 1997، لإحداث إصلاح ونجح، لكن قامت معارضة ضده من قبل موظفين في القضاء والإدارة والسلك العسكري، فتعطّلت عملية الإصلاح، وبدأ إعطاء حقوق بالمفرق أو بالقطعة، وكان أول الغيث مع الجسم القضائي، فاعترض أساتذة الجامعة اللبنانية، فحصلوا على مطالبهم، لتتحرّك باقي القطاعات في الدولة، من الأساتذة الثانويين والتعليم الأساسي والأسلاك العسكرية والأمنية وإدارات الدولة، وهم الذين يطالبون بالسلسلة منذ نحو خمس سنوات، ولم يحصلوا عليها، بالرغم من التحرك في الشارع.
تفاصيل السلسلة
وفي السلسلة، التي تتكوّن من 41 مادة نصفها (20 مادة) للتقديمات والزيادات وتوزيع الرتب على أصحاب الحقوق، فإن نصفها الآخر مخصص للإصلاحات التي يجب أن تطبّق لتحسين الأداء وزيادة الإنتاج، إذ أشارت المادة 21 إلى وقف التوظيف في مختلف الإدارات العامة، حيث تشكو الدولة من فائض في الموظفين بسبب التوظيف السياسي الذي يتم من خارج مجلس الخدمة المدنية، وعبر التعاقد أو المياومة أو الفاتورة، وهي أساليب خارج القانون والمؤسسات، وهذا ما يرهق الخزينة، وقد جرت محاولات لوقف التوظيف وتوزيع الفائض من الموظفين، لكنها كلها باءت بالفشل، بسبب المحاصصة السياسية والطائفية.
وفي الإصلاحات زيادة عدد ساعات العمل من 32 إلى 35 أسبوعية، وحتى الخامسة بعد الظهر، مع تعطيل يوم السبت، وأن تكون العطلة القضائية شهراً وليس شهرين.
وهذه البنود الإصلاحية للدوام والعطلة السنوية لاقت إعتراضاً من الموظفين كما من القضاة، إضافة إلى تحقيق إصلاح في توحيد التقديمات الإجتماعية من منح التعليم والزواج والوفاة والولادة، إلى صناديق التعاضد.
ففي رفع الضريبة 1 بالمئة على القيمة المضافة، وقبل أن تُقرّ في مجلس النواب، باتت عند التجار 5 بالمئة، برفع الأسعار، وأن 4 بالمئة رسم على استيراد المازوت سترفع أسعار سلع أخرى قد تصل إلى الخبز.
ومشكلة الضرائب في لبنان، هي أن نظامها غير عادل، وموجّه ضد الطبقات الفقيرة والمتوسطة بالدرجة الأولى، ويحمي الشركات الكبرى والمصارف والأغنياء، حيث أن مفهوم الضريبة هي لإعادة توزيع الثروة، فتكون الأعلى على أصحاب المداخيل العالية والثروات، وهو ما يسمى بالضريبة المباشرة، التي قد تكون تصاعدية، في حين أن في لبنان، تعتمد الضرائب غير المباشرة، وهي تطال 80 بالمئة من المواطنين، لتصبح غير عادلة، وهو ما حركهم للمطالبة بإعادة النظر في الرسوم والضرائب، في وقت أقر مجلس النواب في 6 شباط (فبراير) الماضي القانون رقم 74/251 الذي زاد رواتب ومخصصات الرؤساء والنواب الحاليين والسابقين وعائلاتهم بما يحمّل الخزينة نحو 58 مليار ليرة.
Leave a Reply