خليل إسماعيل رمَّال
صدر أوَّل عدد لمجلة «شارلي أيبدو» الفرنسية السافرة (وليس الساخرة لأنها معدومة الشرف والحياء) بعد الهجوم الإرهابي التكفـيري الموسادي عليها. ولكي نسجِّل موقفاً منذ البداية نقول «أنا ضد الإرهاب التكفـيري حتى ينقطع النفس، ولكني حتماً «لست شارلي» ولا أقف مع فرنسا»!
من حيث المبدأ، الفكر التكفـيري الإرهابي المجرم يبعد مليون سنة ضوئية عن نبي الرحمة الذي كرامته من عند الله لا من عند هذه الوحوش الذبَّاحة الضارية التي تشقُّ الصدور وتأكل الأكباد وتترك الأطفال، الذين لم يبلغوا الحلم بعد، يعدِمون رجالاً بالرصاص. لكن هذا الفكر البربري الشنيع لا يختلف كثيراً عن الفكر المنحط لمجلة متهكِّمة سائبة لا تقيم وزناً للمقامات والمقدَّسات والعقائد والمشاعر الدينية مهما كانت، إسلامية أو مسيحية أو يهودية أو بوذية، فكيف بالرسول الأعظم الذي جاء ليتمِّم مكارم الأخلاق وأعتبره الباحثون الغربيون الشخصية الأولى فـي تاريخ البشرية؟!
حتى الصحف الرئيسية الكبرى فـي أميركا رفضت ونأَتْ عن موقف «شارلي أيبدو» المسيء للقيم والأعراف.
لكن «أيبدو»، على ما يبدو، أصرَّتْ انغلاقها العقلي من خلال تضمين عددها الجديد رسوماً حديثة للنبي محمَّد (صلى الله عليه وآله) ومواد تسخر من ساسة وأديان أخرى، وكان غلافها عبارة عن رسم كاريكاتوري للنبي والدموع تنهال من عينيه، حاملاً لافتة مكتوب عليها «أنا شارلي»، وفـي أعلى الرسم الساخر من الرسول، دُوَّنت عبارة «الجميع مغفور له».
إنَّ الرسول يتنزَّه عن تأييد هكذا صحيفة مسخرة فـي بلد يملك تاريخاً ظلامياً من الإمبريالية الإستعمارية البغيضة وتحكمه طغمة اشتراكية متصهينة، كما يتبرأ من القَتَلة الذين حاربوا القلم بالرصاص، عكس شيم ومنطق الإسلام الحنيف. فالطرفان متساويان فـي الفكر وحربهما هي حرب الأخوة الأعداء فليكسِّر الفخَّار بعضه، وبئس الطالب والمطلوب لأنَّ مصدرهما واحد!
وعلى ذكر المصدر، كشف رئيس بلدية أنقرة، مليح غوكجيك، فـي تصريح له خلال مؤتمر لحزب «العدالة والتنمية» التركي الحاكم، إلى أن «الاستخبارات الإسرائيلية تقف وراء الهجوم على «شارلي أيبدو». وأشار غوكجيك إلى أن «اتخاذ الحكومة الفرنسية قراراً بدعم ملف الاعتراف بدولة فلسطين المستقلة أدى إلى انزعاج «إسرائيل»، ما دفعها إلى القيام بمثل هذه الحركة داخل العاصمة الفرنسية»، مشيراً إلى أنَّ «إسرائيل لا تريد لملف الاعتراف بدولة فلسطين أن يتطور فـي أوروبا، وأن استخباراتها تقوم بهذه الهجمات لزيادة عداء الأوروبيين للإسلام والمسلمين». أنقرة وحزبها الحاكم القريب من إسرائيل لديه الخبر اليقين! كذلك ردد الموقع الأميركي «إنترناشونال بيزنيس تايمز» نفس كلام المسؤول التركي، قبل أنْ يُحذف نتيجة الهجمات الإعلامية الإسرائيلية.
ورغم ذلك، سمحت فرنسا بتظاهرة مليونية تصدَّرها الإرهابي العالمي المجرم بنيامين نتنياهو الذي لم يسأله فرانسوا هولاند عن تفاصيل دعمه للتكفـيريين فـي سوريا بالمشافـي والسلاح والمعلومات.
فرنسا بلا كرامة مادامت لم تطرد نتنياهو الذي جاء يروِّج لهجرة اليهود إلى فلسطين المغتَصَبَة مستغلّاً مصيبتها، والزعماء العرب الذين ساروا مع نتنياهو فـي تظاهرة باريس هم أشد منه فـي الحمق.
وما كان أسوأ من ذلك، إلاَّ وجود محمود عبَّاس الذي مشى فـي الصف الرابع (تأكيداً على تراتبيته القيادية كزعيم صف رابع) بمحاذاة المغتصِب الإرهابي قاتل شعبه، كما شارك عبدالله ملك الأردن فـي تظاهرة باريس بينما ثلاثة أرباع مملكته ينغل فـيها «الإخوان المسلمون» وأنصار التكفـيريين وهي ممر لهم إلى سوريا، فـي حين أرسلت زوجته، رانيا، مرثية بحق الصحفـيين الفرنسيين أين منها بكائية وتفجُّع الخنساء على أخيها؟!
وطبعاً، بلد صنيعة الجنرال غورو، مستحيل ألَّا يكون له قرص فـي عرس «الأُم الحنون»، فأبى وزير الخارجية جبران باسيل إلاَّ تسجيل مشاركة لبنان فـي التظاهرة مع نتنياهو، بينما فرنسا تحتجز من دون وجه حق مواطناً لبنانياً بعد انتهاء مدة الحكم عليه بسنين (جورج عبدالله). والمعروف عن باسيل أنه وقف موقفاً وطنياً مشرفاً من قبل فـي مؤتمر فـي قبرص حيث امتنع عن الحضور إلاَّ بعد خروج السفـير الإسرائيلي، فما عدا ما بدا؟!
مليون ونصف من البشر بينهم مسؤولون عرب مشوا قرب نتنياهو فـي تظاهرة باريس بسبب المجرمين الإرهابيين الذين صنعهم الغرب. لكن الأبطال فـي سوريا والعراق واليمن ولبنان يتعرضون كل يوم لما يشبه ١١ أيلول فمن يتظاهر لأجلهم؟ هل سمعوا بجبل محسن وقبلها قانا والضاحية الجنوبية ودمشق وبغداد وصنعاء وصبرا وشاتيلا وباقي شهداء المجازر الإسرائيلية والتكفـيرية؟! «كلنا جبل محسن». وليعلم الجميع أنَّ الدماء الفرنسية والإسرائيلية ليست أغلى من الدماء العربية!
نحن الوطن العربي الحضاري من النيل إلى الفرات ونحن الشعب العربي الأبي، وهم شارلي وإسرائيل و«داعش» وتوابعهم من السفاحين!
Leave a Reply