ربما كانت ردود الفعل إزاء الجولة الأولى من مؤتمر «جنيف2»، التي لم تخرج بنتيجة تذكر، طاغية على المشهد الدبلوماسي، حيث لم يتزحزح الوفدان الحكومي و«الائتلافي»، عن مواقفهما المعلنة، فالأول يرفض الحديث عن بند «الهيئة الحاكمة الانتقالية» قبل الخوض في «جنيف 1» بنداً بنداً، وأولها وقف العنف ومكافحة الإرهاب، فيما الثاني يريد القفز مباشرة إلى البند الثامن الذي يدعو لتأليف الهيئة الانتقالية.
الأسد في القصر الرئاسي صباح الإثنين الماضي. |
وبينما أعلن «الائتلاف» أن «تسليح» المقاتلين سيستمر ويتزايد في سوريا ما لم يوافق النظام على تشكيل «هيئة الحكم الانتقالي»، شكك الوفد السوري بتمثيل المعارضة في جنيف، معتبراً أنها تلاحق «أوهاماً» لناحية تسلم السلطة، موضحاً أن المفاوضات لم تحقق «نتائج ملموسة، بسبب عدم نضج وجدية الطرف الآخر وتهديده بنسف الاجتماع أكثر من مرة، والجو المشحون والمتوتر الذي أرادت الولايات المتحدة أن تغلّف به اجتماع جنيف، جراء تسليحها للمعارضة.
في الخلفية الدولية، احتدم الجدل بين واشنطن وأوروبا من جهة، وموسكو من جهة أخرى، في مؤتمر ميونيخ الأمني، وذلك على خلفية الأزمة الأوكرانية، التي غطت -إعلامياً على الأقل- على الحديث عن مكافحة الإرهاب في سوريا، والذي استبقته المملكة السعودية بقوانين جديدة للتبرؤ من «الجهاديين»، فيما لا تزال الحكومة التركية تتخبط بتداعيات الأزمة السورية، رغم زيارة رجب أردوغان الى طهران.
أكد وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف «أن التوصل إلى حل في سوريا من دون الرئيس بشار الأسد وهم يجب أن ينسى».
وأكد ظريف على هامش مؤتمر برلين أنه «لا يحق لأحد تقرير مصير الآخرين أو تحديد الشخص الذي سيحكم سوريا» محذراً من أن خطر ازدياد التطرف في سوريا لا يهدد المنطقة فحسب وإنما من الممكن أن ينتقل الى «شوارع أوروبا».
وفيما انشغل وزير الخارجية الروسي باستقبال رئيس «الإئتلاف»، أحمد الجربا بموسكو وإقناعه بتوسيع تمثيل المعارضة، كان وزير الخارجية الأميركي جون كيري يعترف بأن الحكومة السورية تسجل نقاطاً في النزاع، مدافعاً في الوقت نفسه عن الاستراتيجية التي تتبعها واشنطن لحل النزاع هناك.
وفي مقابلة مع شبكة «سي أن أن» الأميركية، قال كيري إن «الاسد حَسّن موقعه بعض الشيء، ولكنه لا يربح دوما، هذا مأزق». وأوضح كيري أن الملف السوري صعب للغاية، وأنه لا يريد بأي طريقة من الطرق ايجاد اعذار، وقال: «لكننا نريد لهذا الأمر أن يتقدم بسرعة أكبر، وان نقوم به بشكل أفضل».
وأوردت تقارير إعلامية غربية أن السفير الأميركي لدى سوريا روبرت فورد سيتقاعد من منصبه في نهاية الشهر، علماً بأن فورد اعتبر سفيراً غير مرغوب به من قبل دمشق بعد مشاركته في تظاهرة للمعارضة في حماه في العام ٢٠١١.
وأبلغ مدير المخابرات الوطنية الأميركية جيمس كلابر الكونغرس، الثلاثاء، أن الاتفاق الذي أبرم للتخلص من الأسلحة الكيميائية السورية جعل الأسد في وضع أقوى ولا فرصة تذكر فيما يبدو لأن تتمكن المعارضة قريبا من حمله على ترك السلطة. وقال كلابر «الاحتمالات في الوقت الحالي تشير إلى أن الأسد أصبح الآن في وضع أقوى فعليا عما كان عليه عندما ناقشنا الموضوع العام الماضي بفضل موافقته على التخلص من الأسلحة الكيميائية مع بطء هذه العملية».
وفي السياق، أعلنت منظمة حظر الأسلحة الكيميائية أنها لا ترى إلى حد الآن ضرورة لاتخاذ إجراءات حيال سوريا بسبب تأخير إخراج الأسلحة الكيميائية من هذا البلد.
من جهتها، قالت رئيسة بعثة الأمم المتحدة ومنظمة حظر الأسلحة الكيميائية المكلفة بالإشراف على تدمير الأسلحة الكيماوية في سوريا يوم الخميس إنها لا تعتقد أن الحكومة تتعمد المماطلة في نقل ترسانتها الكيمياوية الى الخارج لكنها قالت إن التعاون ضروري للإيفاء بمهلة تنتهي في 30 حزيران (يونيو) القادم.
وبدورها استطاعت السلطات السورية، الأسبوع الماضي، إخراج ملف حمص الإنساني من التداول السياسي والمفاوضات، قبل الجولة الثانية من «جنيف 2» المتوقعة الاثنين المقبل. وفي الوقت نفسه، اشعل المسلحون جبهة في حلب، من خلال الهجوم الأكبر، على سجن المدينة المركزي، والذي انتهى على ما يبدو بفشل عسكري مدوّ، حيث برزت اتهامات بين التنظيمات المسلحة بالتخاذل وتسريب خطة العملية العسكرية الى الجيش السوري، ما تسبب بحسب مصدر «جهادي» بـ«محرقة للمقاتلين الشيشان».
ويأتي صد الهجوم على السجن المحاصر منذ أكثر من عام بعد سلسلة هجمات شنها مسلحو المعارضة فور انتهاء الجولة الأولى «من جنيف ٢» يوم الجمعة الماضي، وذلك بهدف تحقيق تقدم ميداني يحسن شروط التفاوض بالنسبة للمعارضة وداعميها الإقليميين والدوليين. ولكن جميع الهجمات التي شنت في حلب وإدلب وحمص ودمشق ودرعا ودير الزور باءت بالفشل مع تصدي الجيش السوري للمسلحين في كافة المناطق.
ويبدو أن الجيش السوري لا يهتم بتحليلات الصحف حول «مؤتمر جنيف»، ولا يتابع تصريحات المفاوضين هناك، بل يمسك قادته بخرائط الميدان بقوة ويقررون التقدم فيفعلون، ويحسمون، هكذا أثبتت الوقائع الميدانية صحة المسار العسكري المتلازم على مختلف الجبهات، من الرقة إلى حلب فريف دمشق وحمص .. والأهم على خط الحدود مع لبنان من القلمون إلى منطقة جوسيه إلى تلكلخ ومحيطها، دقة في التخطيط وفعالية في التنفيذ، والنتائج متتالية.
هدنة حمص.. إنجاز سوري بحت
قال متحدث باسم الأمم المتحدة إن المنظمة الدولية رحبت يوم الخميس الماضي بالأنباء عن التوصل لاتفاق على هدنة إنسانية لمدينة حمص المحاصرة تتيح إجلاء المدنيين وتوصيل المساعدات، ولكن واشنطن شككت في نوايا الحكومة السورية.
وتتوج عملية حمص الإنسانية جهودا بدأت قبل ستة أشهر لإغلاق ملف الأحياء القديمة التي تحولت إلى المعقل الأخير، لخمس مجموعات مسلحة. وقال محافظ حمص طلال البرازي لصحيفة «السفير» اللبنانية إن «الجبهة تخلت عن مطلبها بان يتزامن دخول المساعدات مع خروج المدنيين الراغبين بالخروج من الأحياء القديمة (اليوم)، ووافقت على طلب تسليم لوائح مسبقة بأسماء من هم في سن حمل السلاح ما بين ١٦ و٥٥ عاماً». وأوضحت الأمم المتحدة أنها ليست طرفاً في الاتفاق وأنها جاهزة لتوصيل المساعدات إلا أنها لم تحصل بعد على موافقة على التحرك من قبل الحكومة والمعارضة في الحرب السورية بناء على الاتفاق المذكور. وأكدت دمشق أنها توصلت لاتفاق يسمح للمدنيين الأبرياء بمغادرة المدينة القديمة المحاصرة في حمص والخاضعة لسيطرة المسلحين. ويذكر أن الحصار المفروض على الأحياء القديمة في مدينة حمص مستمر لأكثر من عام ويقول نشطاء إن نحو 2500 شخص محاصرون داخل المنطقة ويعانون من الجوع وسوء التغذية.
تقدم فـي ريف دمشق
وخلال الأسابيع الماضية توالت التسويات في طوق العاصمة السورية بشكل خاص لتفكيكه واستكمال استعادة السيطرة على الغوطة. ونجحت اتفاقات بوقف العمليات العسكرية في معضمية الشام بعد عام ونصف العام من المعارك الدامية. ووصلت التسويات الأسبوع الماضي إلى برزة بشكل خاص وستتبعها القابون، فيما تجري مفاوضات لتسوية مماثلة في حي جوبر وهو مدخل المدينة الإستراتيجي الذي دارت حوله معارك دامية وفشلت المعارضة في الانطلاق منه مرارا لاقتحام دمشق. وجرت أربع محاولات للتوصل إلى تسوية مشابهة في داريا. وتزحف التسويات، بشكل خاص، عبر حرستا نحو دوما لمحاصرتها، وهي معقل «جيش الإسلام» الذي يقوده زهران علوش.
من جهة ثانية، أعلنت «جبهة النصرة» وكتيبة «ابن تيمية» الموافقة على الانسحاب من مخيم اليرموك بشكل كامل والقبول بالمبادرة المطروحة من قبل لجان المصالحة والفصائل الفلسطينية.
صمود سجن حلب
وشمالاً حيث تستمر المواجهات بين تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش) والميليشيات الإسلامية المعارضة له، حقق الجيش السوري انتصارات ميدانية لافتة لعل أبرزها صد هجوم سجن حلب المركزي الذي بات لصموده رمزية كبيرة إضافة الى موقعه الإستراتيجي الهام.
في خطوة يبدو أنها تأتي استكمالا للمشهد الذي رسمته الحكومة السورية بافتتاح مطار حلب الدولي مع انطلاق مؤتمر «جنيف 2»، فقد أعلن عن زيارة وزير الدفاع العماد فهد جاسم الفريج إلى المدينة مع اختتام المؤتمر الجمعة الماضي، حيث تفقد نقاطا عدة للجيش داخل المدينة، معلنا «اقتراب النصر على الإرهاب ومن يدعمه»، فاتحاً النار على السعودية التي وصفها بأنها «مملكة صهيونية».
وفيما وسع الجيش عملياته في حلب، أعلن مسلحون تابعون لـ«الجبهة الإسلامية» و«جبهة النصرة» أعلنوا بدء معركة لـ«تحرير السجن» أطلقوا عليها اسم «فك العاني»، وذلك بعد إعلان «الجبهة الإسلامية» و«النصرة» إطلاق معركة «واقترب الوعد الحق» في جميع المناطق داخل حلب.
وأكد مصدر ميداني من داخل السجن، أن الهجوم الذي تعرض له السجن هو الأعنف حتى الآن، إلا أنه لم يسقط، وذلك على خلاف ما روجت له وسائل إعلام عديدة. وكشفت المصادر أن خطة الهجوم على السجن المركزي تسربت بطريقة ما إلى الجيش السوري قبل أيام من بدء الهجوم، ما مكّن الجيش من وضع خطة لإفشاله ومنع المسلحين من اقتحامه، وهو ما حدث بالفعل. وأشارت المصادر إلى أن الإعداد لهذه الخطة استغرق، من قبل القيادات في الفصائل المشاركة، أكثر من خمسة أسابيع متواصلة.
والدليل على تسريب الخطة هو سرعة التفاف قوات الجيش على مجموعة الاقتحام (غالبية عناصرها من الشيشان) التي كان يقودها سيف الله الشيشاني، والتي كان يفترض أن تكون رأس حربة الهجوم، كما تعرضت هذه المجموعة لقصف دقيق لا يمكن أن يحدث إلا إذا كان من يقصف على اطلاع مسبق بتحرك المجموعة ومسارها.
وقد ارتفع إلى 2300 قتيل عدد المقاتلين والمدنيين الذين لقوا مصرعهم خلال شهر من الاشتباكات المستمرة في شمال وشرق سوريا بين تنظيم «داعش» من جهة وكتائب «الجبهة الإسلامية» و«الجيش الحر» من جهة أخرى.
وقال المرصد السوري لحقوق الإنسان، القريب من المعارضة، إنه «تمكن من توثيق 1747 قتيل منذ فجر الجمعة الثالث من كانون الثاني (يناير)، في المعارك الدائرة بين الطرفين في محافظات حلب وإدلب والرقة وحماه ودير الزور وحمص، بالإضافة إلى ما يزيد عن 600 قتيل لم يتمكن المرصد من توثيقهم، بسبب ما أسماه «التكتم الشديد من جانب الكتائب المقاتلة في بعض الأماكن على العدد الحقيقي لقتلاها». كما ذكر المرصد تفاصيل بعض حالات القتل والإعدام، وأكد أن المئات من الرهائن والمعتقلين لدى الطرفين لا يزال مصيرهم غامضاً.
Leave a Reply