يطلع الدجـال بزيفـو..
يملأ وادي النيـل ضباب
ينزل الجـلاد بسيفو..
يزرع المـوت والخراب
يطول الليل زي كيفو..
الصباح له ألـف بـاب
وإحنا بوصلتنا بإيدينا ..
ما تخافوش من الليل علينا
مهما غبتو عن عينينا ..
انتـو جـوّ بقلب مصر
أحمد فؤاد نجم
أفلا يعقلون؟: يُلدغون من الجحر مرّات ومرّات
لم تتعظ تيارات الإسلام السياسي من التجارب السابقة لبعض الحركات الإسلامية التي حكمت بلدانا عربية وإسلامية مثل تجربة جعفر النميري في السودان الذي ركّز فيها على تطبيق الحدود في مجتمع اللاّ كفاية، مجتمع نخره الفقر والجهل والمرض.وكذلك كان الشأن مع التجربة الباكستانية في عهد ضياء الحق خاصّة ثم ما تلى ذلك من تجارب حكم في أفغانستان وغيرهما . انتهت أغلب تلك التجارب بالفشل لعدة أسباب منها:
أوّلا: لم تمتلك أغلب تيارات الإسلام السياسي مشاريعا وبرامج دقيقة ، تمكّنهم من تلبية حاجات الناس الملحة، وذلك بسبب تركيزهم على العوامل الإيديولوجية وخطابات الوعظ أكثر من تقديمهم لحلول حقيقية للواقع بالغوص فيه ووضع الحلول الملائمة لمشاكل الناس الملحة، مثل البطالة وغلاء المعيشة ومشاكل السكن والتعليم والصحة والنقل وغيرها من المشاكل التي تقضُّ مضاجع أغلب العائلات المصريّة.
ثانيا: إصرارالإخوان على مبدأ التعويل على النقاء الإيديولوجي ممّا يجعلهم يحرصون على تولية «الثقاة من الجماعة» بحجة أنّهم الأقدر على تطبيق مشاريعها وخططها لإيمانهم بها، ممّا يعني تكريس سياسة الإقصاء وتحويل دولة المواطنة إلى مجرد دولة الحزب القائد.
ثالثا: تؤدي سياسة الريبة والخوف من الآخر الذي يرون فيه مشروعا إنقلابيا مُتحفّزا لإفتكاك السلطة منهم،إلى الحرص على «تطهير» المؤسسات من المناوئين للهيمنة على مفاصل الدولة كمجالس النواب والشورى والقضاء اضافة إلى السلطة التنفيذية، ما يعني ضربهم لمبدأ فصل السلطات، الأمر الذي يؤشر لميلاد دولة كُليانية (توتاليتارية)
رابعا: إيمان الجماعة بنقائها وبأنّها «جماعة الثقاة» وبأنّ مرجعيتها «ربانية» رغم أنّها في الواقع إجتهادات بشرية يُمكن أن يأتيها الباطل من خلفها ومن بين يديها. وفي هذا الصدد قال الإمام مالك(ض) «كُلٌّ يُسأل ويردّ عليه إلاّ صاحب هذا القبر» يعني الرسول(ص). ومضمون هذا القولة هو أنّ كل عمل بشري مهما كان اتقانه قد يحدث فيه الخطأ فلا يجوز تحويل إجتهادات بشرية إلى آراء مقدّسة حتى لوكانت من فقهاء صادقين نكنّ لهم كل الإحترام. إنّ إيمان الجماعة بأنّها أهل الثقة والنقاء وصحة المرجعية يجعلها تعتقد بأنّها صاحبة أمانة أي الدولة التي لا يجب التفريط بها مهما كان الأمر، وهذا ما يعتقده كثير من قادة تيارات الإسلام السياسي بمن فيهم جماعة الإخوان.
إنّها ببساطة عقلية الفرقة الناجية، التي كانت وراء كثير من الصراعات والفتن على مدى تاريخ المنطقة العربية والإسلامية والتي تعود الآن وبقوة ضمن مشاريع لتفتيت المنطقة وإعاقة نموّها وهدر ثرواتها ومُقدراتها.
إمّا عَدَلْت وإمّا عُزِلْت: المصريون بين «تمرد» و«تجرد»
عاشت مصر حراكا شعبيا، على مدى فترة حكم مرسي، لكن هذا الحراك تحوّل إلى شكل من العصيان المدني عرف ذروته بداية من الـ 30 يونيو الماضي استجابة إلى دعوة حركة «تمرد» التي أسّسها الصحفي الشاب محمود بدر في شهر إبريل والتي تدعو الى رحيل مرسي وإجراء إنتخابات تشريعية ورئاسية مُبكرة، ويقول مطلقوها أنّ الحملة جمعت أكثر من إثنين وعشرين مليون توقيع. وفي مقابل حركة تمرد عملت حركة «تجرد» المساندة للإخوان ولمرسي على التأكيد على شرعية الرئيس وعلى كونه رئيس منتخب. وتردّ تمرد بأنّ مرسي رجحت كفته وانتخب واكتسب شرعية بفضل أصوات المعارضة وشباب الثورة الذين فضّلوه على شفيق أحد فلول نظام مبارك، لكنّ مرسي خان الأمانة ومبادئ ثورة 25 يناير لذلك هُمْ يسحبون الثقة التي منحوه أيّاه ممّا يعني فقدانه للشرعية التي توجب رحيله على حدّ قولهم.
لقد استطاعت حركة تمرد القيام بتعبئة كبيرة للشارع المصري الغاضب من السياسة الفاشلة لمرسي بعد سنة من حكمه، والتي اعترف بها بنفسه، وقد إزداد زخم حركة تمرد بإنضمام أقطاب المعارضة إليها ، فغصّت ساحات المدن المصرية بالمتظاهرين الذين رابطوا على مدى الأيام الثلاثة من يوليو تموز ممّا أنذر بتفجر الموقف خاصّة بعد سقوط قتلى في مواجهات بين مُوالين ومعارضين لمرسي. جاءت تحذيرات الجيش في مهلتين طالب فيهما الحكومة بالإستجابة إلى مطالب الشارع.
وكانت كل المؤشرات تقول بأنّ الجيش في طريقه إلى إقالة مرسي، وقد أشرنا إلى ذلك بمقالنا في الأسبوع الماضي. وجاء تبرير الجيش لعملية الإقالة التي تمت يوم الإربعاء الثالث من يوليوز الجاري والتي تعتبر شكلا منافية لآليات العمل الديمقراطي، لكنّ العسكر برّرها بالمسؤولية الوطنية والتاريخية التي تضطلع بها المؤسسة العسكرية التي قامت بـ «.. التشاور مع بعض رموز القوى الوطنية والسياسية والشباب ودون إستبعاد أو إقصاء لأحد حيث إتفق المجتمعون على خارطة مستقبل تتضمن خطوات أوّلية تحقق بناء مجتمع مصرى قوي ومتماسك لا يُقصي أحداً من أبنائه وتياراته وينهي حالة الصراع والإنقسام»
وأهمّ ماجاء في هذه الخارطة:
تعطيل العمل بالدستور بشكل مؤقت، إجراء إنتخابات رئاسية مبكرة على أن يتولى رئيس المحكمة الدستورية العليا المستشار عدلى منصور البلغ من العمر 68 عاما إدارة شؤون البلاد خلال المرحلة الإنتقالية لحين إنتخاب رئيس جديد، لرئيس المحكمة الدستورية العليا سلطة إصدار إعلانات دستورية خلال المرحلة الإنتقالية، تشكيل حكومة كفاءات وطنية قوية وقادرة تتمتع بجميع الصلاحيات لإدارة المرحلة الحالية، تشكيل لجنة تضم كافة الأطياف والخبرات لمراجعة التعديلات الدستورية المقترحة على الدستور الذى تم تعطيله مؤقتاً، مناشدة المحكمة الدستورية العليا لسرعة إقرار مشروع قانون إنتخابات مجلس النواب والبدء فى إجراءات الإعداد للإنتخابات البرلمانية، وضع ميثاق شرف إعلامى يكفل حرية الإعلام ويحقق القواعد المهنية والمصداقية والحياد وإعلاء المصلحة العليا للوطن، إتخاذ الإجراءات التنفيذية لتمكين ودمج الشباب فى مؤسسات الدولة ليكونوا شريكاً فى القرار كمساعدين للوزراء والمحافظين ومواقع السلطة التنفيذية المختلفة و تشكيل لجنة عليا للمصالحة الوطنية من شخصيات تتمتع بمصداقية وقبول لدى جميع النخب الوطنية وتمثل مختلف التوجهات.
تتزاحم عديد الأسئلة عن توقيت هذه الإقالة وأسبابها وخفاياها وحقيقة مُسوّغاتها، وعن أسباب فشل الإخوان في كسب الشارع المصري رغم القدرات التنظيمية التي يتمتعون بها؟ وهل هناك أطراف أخرى إقليمية أو دولية كان لها دور ما في عملية إقالة الرئيس مرسي؟ ويمكن ان نجمل الاسباب في النقاط التالية:
العوامل الذاتية: فشل الإخوان بسبب إستعجالهم تولّي السلطة رغم إنعدام أيّة خبرات لديهم في الحكم وإدارة الدولة، كما أنّهم لم يتعلموا من تجارب مشابهة لهم ، وكان من الممكن توظيف كثير من القوى الشابة في التسيير واعطاء وزارات سيادية ورئاسة المحافظات لخصومهم السياسيين حتى يخففوا من توجسهم من سياسة أخونة أجهزة الدولة التي رفضتها حتى تيارات قريبة من الإخوان إيديولوجيا. وتبرر قيادات من الإخوان فشل سياسة مرسي ومن ورائه الجماعة بأنّ الدولة لم تحظ بالوقت الكافي لتبلور برامج وتنفذها، ويبدو هذا التبرير غير مُقنع للكثير من المعارضة، فالفوز بالإنتخابات معناه تصارع برامج، كما أنّ الشعب ليس حقل تجارب، بل كان على الجماعة التي تتواجد في الساحة المصرية منذ اربعينيات القرن الماضي أن تبلور مناهج وآليات للتطويرالاقتصادي خاصّة، فأين هي برامج الجماعة ما عدا سَعْيُ الدولة المتواصل للتداين من البنوك الغربية والإعتماد على دول الخليج خاصة قطر التي لم تستثمر حتى (صفر فاصل واحد في المئة) من قيمة الأموال التي إستثمرتها وضخّتها في إقتصاديات دول غربية خاصّة في فرنسا. ولم يُحاول مُرسي أن يتفاعل إيجابيا مع مطالب المُعترضين والمتظاهرين حيث حذّر في خطابه من أنّه سيتم التعامل «بكل حسم مع العابثين»، وأضاف أنّ «الواهمين الذين يتصورون أنّ بإمكانهم هدم الإستقرار والشرعية .. هؤلاء الواهمون أنصار النظام السابق وبقايا فلوله سيتم التعامل معهم بكل حسم». وكان لهذه التهديدات وقعا سيئا حيث زادت في توتر الشارع السياسي وفي إزدياد المُطالبين برحيله.
وفي ظلّ تدهور إقتصادي وتوتّر سياسي كان على الدولة المصرية أن تركّز على شؤونها الداخلية وعلى إستقلال مواقفها لكنّها دخلت ولأسباب دينية ومذهبية مُصطنعة وبدفع إقليمي ودولي في أحلاف وصراعات كانت في غنى عنها، حيث أعلن الرئيس المصري قطع العلاقات مع سوريا وإغلاق السفارة السورية في القاهرة وسحب القائم بالأعمال المصري من دمشق، وكرّر في خطابه الأخير أكثر من مرة عبارة «لبيك يا سوريا» كما قال أنّ مصر «شعبا وحكومة وجيشا» يقفون إلى جانب السوريين. ممّا حدا بالجيش إلى الردّ عليه بأن مهمته هي حماية حدود مصر. كما فتح الباب لـ«رابطة علماء المسلمين» التي تضم علماء من السنة والتي نظمت مؤتمرا في القاهرة لتعلن «وجوب الجهاد» في سوريا كما دعوا إلى مقاطعة روسيا والصين وإيران. كما تراجع الدعم المصري لغزة واشتد حصارها من الجانب المصري.
أمّا اقليميا ودوليا فقد باتت القاهرة معزولة بعد تراجع الدور القطري وتسليمه إلى السعودية التي لم تكن تنظر بعين الرضاء لسقوط مبارك ووصول الإخوان. كما أنّ العلاقات المصرية الإماراتية تشنجت بسبب ما قيل أنّه محاولة اخوانية لقلب نظام الحكم فيها. أما تركيا التي هي من عَرّابي ما يجري في المنطقة فقد أدارت ظهرها إلى المنطقة وانشغلت بالأحداث التي تصاعدت وكادت أن تطيح بحزب العدالة والتنمية الحاكم.دول الغرب حافظت على براغماتيتها حيث تميل مع رياح مصالحها. فلمّا رؤوا أيام مرسي مُدبِرة وتنامي الرفض له داخل الشارع بدأوا يعدلون الأوتار وأبدوا «قلقا» ظلّ محتشما ولم يرق إلى مستوى التنديد بالإقالة في انتظار رُبّان سفينة مصر الجديد.
في الأخير تبقى بعض الأسئلة الحائرة والتي قد تجد لها أجوبة في قابل الأيام وهي كيف استطاعت حركة تمرد التي يقودها شاب أن تمول حملة قيل أنّها جمعت إثنين وعشرين مليون توقيع؟ هل أُستُدرج الإخوان من قبل إطراف إقليمية ودولية ليحكموا خاصة بعد المواقف الخليجية المرحبة بالإقالة والتي كانت من قبل تدعم الإخوان. هل غُدر بالإخوان ليتم حرقهم كورقة سياسية ودفعهم لرد الفعل بالعنف خاصة بعد توقيف كثير من قياداتهم ممّا قد يكون سببا في تحرّك القواعد وإنفلات أمرها بإتّجاه التصعيد في غياب قياداتهم. وقد يكون هذا هو الهدف من إستدراجهم وهو إدخال مصر أكبر دول المنطقة في دوامة العنف والفوضى؟ أم أنّ هذه الأطراف راهنت فعلا على الإخوان ليكونوا حلفاءها وساندتهم أملا في قيام نموذج عربي لإسلام معتدل في المنطقة مشابه لحزب العدالة التركي لكنهم فشلوا في الإمتحان؟ هل تعِ جماعة الإخوان أنّ السياسة هي تنافس بين مشاريع من صنع بشر، وأنّ لابدّ للعملية السياسية من قواعد تحكمها وهي الإيمان الفعلي بمبدأ التداول على السلطة وإحترام حقوق الإنسان الكونية. هل يدرك الجميع أنّ الدولة ليست غنيمة وأنّ السلطة لودامت لغيرهم لما آلت إليهم؟
Leave a Reply