خلال عطلة عيد الشكر في تشرين الثاني (نوفمبر) المنصرم، قام وفد من الكونغرس الأميركي بجولة إلى الشرق الأوسط للتعرف عن قرب على آخر المستجدات السياسية والاقتصادية في كل من العراق والأردن والكويت ولبنان.
وكانت النائبة الديمقراطية عن ولاية ميشيغن، في الكونغرس الأميركي، إليسا سلوتكين، ضمن الوفد الذي أمضى قرابة يومين في كل من البلدان المشمولة بالزيارة، باستثناء لبنان بسبب اضطرارها للعودة إلى ميشيغن للمشاركة في استقبال الرئيس الأميركي جو بايدن خلال زيارته لمدينة باي سيتي، أواخر نوفمبر الماضي.
سلوتكين (46 عاماً)، التي تتمتع بخبرة واسعة في الشؤون العراقية بسبب خدمتها الطويلة في بلاد الرافدين مع وكالة الاستخبارات المركزية (سي آي أي) والجيش الأميركي خلال العقدين الأخيرين، تفرد في قلبها «مكانة خاصة» للعراق الذي تعرّفت فيه على زوجها المستقبلي بأحد قصور الرئيس العراقي الراحل صدّام حسين.
وتحرص سلوتكين على «بذل جهدها من أجل مساعدة الشعب العراقي على النهوض والتعافي» من تداعيات الغزو الأميركي عام 2003 وما خلّفه من عنف وتشرذم طائفي وأهلي، إلى جانب التدهور المستمر في الأوضاع المعيشية والاقتصادية والأمنية.
وبعد جولتها الشرق أوسطية، أجرت «صدى الوطن» مقابلة مع سلوتكين، تركزت حول أبرز المحطات في زيارة وفد الكونغرس الأميركي للعراق، ومسؤولية الولايات المتحدة عن الأوضاع التي آلت إليها بلاد الرافدين، وكذلك سبل مساعدة الشعب العراقي للخروج من محنته الأليمة.
الظروف المعيشية للمسيحيين «صعبة للغاية»، بسبب انتشار الميليشيات المدعومة من إيران
وقد أفادت النائبة اليهودية الأميركية بأن الوفد –الذي رافقته بوصفها عضواً في «لجنة قدامى المحاربين في مجلس النواب الأميركي»، التقى خلال زيارته للعراق مع رئيس الوزراء العراقي محمد شيّاع السوداني، بالإضافة إلى قائمة طويلة من النشطاء الحقوقيين والمنظمين المجتمعيين والصحفيين والقادة الأكراد والإيزيديين والمسيحيين.
كما قام أعضاء الوفد بجولات على المناطق ذات الأغلبية الشيعية والسنيّة، ثم طاروا إلى شمال البلاد حيث عقدوا لقاءات مكثفة مع رؤساء بلديات القرى المسيحية في محافظة نينوى، بحسب سلوتكين التي تمثل الدائرة السابعة (وسط ميشيغن) في مجلس النواب الأميركي .
سلوتكين التي تتحدث العربية، أوضحت بأن الظروف المعيشية للمسيحيين الكلدان «صعبة للغاية»، بسبب الميليشيات المدعومة من إيران، والتي تحاصر مداخل ومخارج القرى المسيحية وتتحكم بها. وقالت: «هذه القرى تقع على طريق استراتيجي يمتد من إيران مروراً بالعراق وصولاً إلى سوريا ولبنان»، مؤكدة بأن تلك الميليشيات «مهتمة جداً بالسيطرة على حركة المرور بين القرى»، ما أدى إلى تنغيص حياة المسيحيين العراقيين بشكل كبير.
ولفتت سلوتكين بأنه يتوجب على هؤلاء المسيحيين أن يمروا عبر العديد من نقاط التفتيش خلال حركتهم اليومية من قرية إلى أخرى، وكذلك عند السفر إلى المدن القريبة، مشيرة إلى أن التواجد الكثيف للميليشيات المدعومة إيرانياً بدأ في أعقاب صد اجتياح تنظيم «الدولة الإسلامية» (داعش) لتلك المناطق في عام 2014، ما تسبب في تهجير الكثير من الأهالي، خاصة الكلدان الذين لم يعودوا إلى ديارهم بعد.
وبوصفها من ولاية ميشيغن التي تضم أكبر تجمع للكلدان في العالم، أكدت سلوتكين –وهي من مواليد مدينة نيويورك– بأنها تريد للوجود المسيحي أن يستمر في العراق الذي يعتبر أحد أماكن ولادة الديانة المسيحية، لافتة إلى تأثرها العميق بما سمعته من شكاوى القادة ورجال الدين الكلدان حول تردي الظروف المعيشية والأمنية في شمال البلاد.
وتحدثت سلوتكين عن أسباب تناقص أعداد الكلدان في العراق بمرور السنين، بما فيها حقبة السيطرة الأميركية على البلاد، منوهة بأن الكثير منهم هاجروا في بداية حكم صدام حسين للبلاد إلى عدة مغتربات، من بينها الولايات المتحدة حيث كوّنوا جالية كبيرة في ميشيغن، ومضيفة بأن أعداد المهاجرين استمرت في الازدياد بسبب تدهور الأوضاع الأمنية في أعقاب الغزو الأميركي للعراق عام 2003.
وأردفت بالقول: «ثم بعد أن استقرت الأمور أخيراً، بدأ داعش باجتياح مناطق واسعة من العراق وسوريا منذ عام 2014 ممارساً أسوأ الأعمال ضد الأقليات».
غزو العراق جعلنا أضعف كأمة، وترَكَ بلاد الرافدين في حالة من الفوضى العارمة
وأعربت سلوتكين عن اعتقادها بأن الإيزيديين كانوا على رأس قائمة المستهدفين من قبل مقاتلي «داعش»، مستدركة: «لكن المسيحيين كانوا أيضاً مستهدفين بشكل مكثف من قبل المتطرفين الإسلاميين، ما دفع قرابة نصفهم إلى مغادرة العراق خلال عامي 2014 و2015».
وقالت سلوتكين التي شغلت منصب نائب وزير الدفاع للعلاقات الدولية في عهد الرئيس الأسبق باراك أوباما: «إنه لوضع محزن، أن تتحمل الأقليات تبعات الاضطرابات السياسية والأمنية في بلد ما، وقد حدث هذا بالتأكيد للمسيحيين والإيزيديين على مدار العشرين عاماً الماضية في العراق».
وتسبب الغزو الأميركي عام 2003، بتدمير جزء كبير من البنية التحتية في بلاد الرافدين، ما حرم عدداً لا يحصى من السكان، خاصة الأقليات، من الخدمات العامة، واليوم يعيش الكثير من العراقيين بدون مياه نظيفة، ولا كهرباء، ولا وظائف، في ظل تردّ أمني كبير، وفقاً لسلوتكين التي انتخبت لأول مرة في عضوية مجلس النواب الأميركي عام 2018، وأعُيد انتخابها لولاية ثالثة في الانتخابات النصفية الأخيرة.
ولدى سؤالها عن مسؤولية الولايات المتحدة في تدهور الظروف الحياتية والأمنية في بلاد الرافدين، أوضحت سلوتكين بأن «الأمر يتوقف على من تتحدث معه في الحكومة الأميركية»، لافتة إلى أن واشنطن تعلمت بعض الدروس «المؤلمة» في العراق وأفغانستان.
وأشارت سلوتكين إلى أن الإدارة الأميركية ارتكبت خطأ فادحاً حين اعتقدت بأن غزو العراق سيكون «قصيراً وسريعاً»، فضلاً عن أنها أخطأت في فهم مدى صعوبة أن تكون «حكومة لدولة أخرى».
وقالت سلوتكين: «بصراحة، أعتقد أنه بعد العشرين عاماً الماضية، لا أعرف أي أميركي يقول بأن وجودنا الطويل الأمد في مكان مثل العراق أو أفغانستان كان استثماراً جيداً، بل في الواقع لقد جعلنا أضعف كأمة، وترك العراق في حالة من الفوضى العارمة»، مضيفة: «لا أستطيع التحدث بالنيابة عن الجميع، ولكنني أظن أنه لا يمكن لأحد أن ينظر إلى غزونا للعراق ويشعر بأنه كان نصراً استراتيجياً».
واستفاضت بالقول: «عندما كنا نتحدث مع السوداني، كان يدفعنا –حقاً– ليس فقط من أجل تقوية العلاقات العسكرية، وإنما أيضاً من أجل تمتين العلاقات الثقافية والاقتصادية».
وأوضحت سلوتكين بأن رئيس الوزراء العراقي طالب الوفد الأميركي بتوسيع الفرص التجارية والتعليمية في العراق، من خلال زيادة عدد الطلاب العراقيين للدراسة في الولايات المتحدة، إلى جانب مطالبات أخرى بدعم الزراعة وتأمين المياه، مؤكدة بأن تلبية تلك المطالب يمثل بالنسبة لها فرصة لإصلاح بعض الإخفاقات العسكرية من خلال إقامة علاقات أقوى مع العراق في المجالات غير العسكرية.
وحول النظام السياسي الطائفي الذي أرسته الولايات المتحدة في أعقاب الغزو الأميركي عام 2003، وما الذي يمكن أن تفعله كعضو في مجلس النواب الأميركي لمعالجة الأوضاع المتدهورة في العراق، شددت سلوتكين على أن مساعدة الشعب العراقي هو «جزء من سبب ذهابها إلى العراق»، على حد قولها.
وقالت سلوتكين: «في الوقت الحالي، هنالك عدد قليل من أعضاء الكونغرس الذين يزورون العراق.. لقد أمضيت عيد الشكر هناك لأنني أريد أن ينجح ذلك البلد وأريد أن أعرف ما يمكن أن يفعله كونغرس الولايات المتحدة لمساعدة العراقيين على النجاح، ولهذا فقد كنا أول وفد من الكونغرس يلتقي برئيس الوزراء العراقي الجديد».
وذكرت سلوتكين بأن الهدف من ذلك اللقاء كان من أجل التعرف على الأشياء التي يريدها السوداني لكي يتمكن من تحقيق الاستقرار في البلاد، لافتة إلى أن الولايات المتحدة فشلت بعلاج معضلة العنف الطائفي، والمساهمة في تشكيل حكومات «يمكن أن تعمل بمعزل عن الطائفية».
وأردفت سلوتكين بالقول: «كنا في العراق لمعرفة أولوياته وما الذي يمكننا القيام به لتعزيز الاستقرار. على سبيل المثال: أين يمكننا التعاون في أمور مثل جودة المياه والتجارة والاقتصاد، ثم العودة إلى واشنطن وفي جعبتنا تلك الأفكار».
وأشارت سلوتكين إلى أن جولاتها في شمال العراق تتعلق بالبحث عن سبل حماية الأقليات التي لا تزال تعيش في مخيمات النزوح، وقالت: «لايزال الإيزيديون يعيشون في مخيمات النزوح ولا يمكنهم العودة إلى قراهم ومدنهم، لهذا السبب كنت هناك للاستماع إليهم، إلى جانب التأكد من استمرار بعض أعمال التنمية الاقتصادية التي سنقوم بها مع الحكومة العراقية».
وعن الأشياء التي تريد لقراء «صدى الوطن» أن يعرفوها عنها، ولا يجدونها في وسائل الإعلام الرئيسية، قالت سلوتكين: «لقد خدمت في العراق لثلاث فترات، ورأيته عن كثب، كما التقيت بزوجي في قصر صدام حسين».
وختمت بالقول: «للعراق مكانة خاصة في قلبي، وأنا أهتم به وأريده أن ينجح، أريد استثمار حبي لذلك البلد من أجل جعله مكاناً يريد الناس العيش والعمل فيه، وأريد أن أكون شريكة جيدة لمجتمع ميشيغن الذي يمتلك الكثير لتقديمه للعراق».
أجرى الحوار: جيفري ستيفنز
Leave a Reply