عماد مرمل – «صدى الوطن»
لعل النائب اللواء جميل السيد هو الأكثر خبرة ومعرفة في خفايا ملف مزارع شبعا المحتلة وحيثياته، كونه تولى انطلاقاً من موقعه الأمني وقربه من الرئيس إميل لحود، إبان رئاسته، التفاوض مع الموفد الدولي تيري رود لارسن في شأن انسحاب العدو الإسرائيلي من تلك المنطقة عام 2000، بتكليف رسمي من الدولة اللبنانية.
وعليه، فإن السيد يبدو أحد أشد المقتنعين بلبنانية «المزارع» والمدافعين عنها، مستنداً إلى لائحة طويلة من «الأسباب الموجبة»، وبالتالي فهو كان من أبرز المبادرين إلى الرد على النائب السابق وليد جنبلاط الذي أعلن خلال مقابلة مع محطة «روسيا اليوم» عن عدم اعترافه بلبنانيتها، ما أدى إلى هبوب عاصفة من الردود عليه، إضافة إلى تفاقم الخلاف بينه وبين «حزب الله»، وهو خلاف انطلقت شرارته من كسارة ومعمل إسمنت في بلدة عين دارة الشوفية، وانتهى به المطاف في مزارع شبعا.
توقيت إقليمي
ويقول النائب عن دائرة بعلبك الهرمل لـ«صدى الوطن» إن دوافع موقف جنبلاط ليست محلية، معتبراً أنه لا يمكن فصل إنكاره للبنانية مزارع شبعا عن التوقيت الإقليمي المرتبط بالعقوبات المتصاعدة على إيران و«حزب الله» وتحضير المسرح لـ«صفقة القرن»، وملاحظاً أن رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي تبرع بتقديم هدية استراتيجية لبعض الجهات الخارجية.
ويشدد السيد على أن مزارع شبعا هي لبنانية بالكامل كما تُبين كل الوثائق والمستندات، مشيراً إلى أن العدو الإسرائيلي راح يقضمها تباعاً وكانت مزرعة بسطرة هي الأخيرة التي احتلها عام 1989، وموضحاً أن ملكية تلك المزارع تعود إلى اللبنانيين، وهي مسجلة في دائرة السجل العقاري في صيدا، وبالتالي فإنها لبنانية حُكماً لأن السيادة مرتبطة بالسند العقاري.
ويروي كيف أن النائب السابق عثمان الدنا ذهب في اوائل الخمسينات، وكان يومها قاضياً، على ظهر حمار إلى منطقة المزارع للتحقيق في جريمة قتل، بتكليف من الدولة اللبنانية، ما يعزز الحقيقة الثابتة والموثقة وهي أن هويتها لبنانية، مشيراً إلى أن خط الحدود الدولي يمر حيث تنتهي الملكيات العقارية اللبنانية وتبدأ تلك، السورية.
المفاوضات مع لارسن
ويكشف السيد انه وخلال تفاوضه عام 2000 مع موفد الأمين العام للامم المتحدة تيري رود لارسن في شأن خط الانسحاب الإسرائيلي من لبنان، تحت اشراف رئيس الجمهورية آنذاك إميل لحود، طلب تحقيق مطلبين، الأول أن ينسحب جيش الاحتلال من مزارع شبعا وأن يفرج عن الأسرى اللبنانيين في معتقلاته، إلا أن لارسن اعتبر حينها أن منطقة المزارع تخضع إلى القرار الدولي 242 المتصل بالجولان وليس القرار 425 المتعلق بجنوب لبنان.
ويضيف السيد: عندما تمسكت بموقفي، قال لي لارسن إن السوريين لن يوافقوا على تسليم المزارع إلى لبنان، فأجبته بأننا نتكفل بترتيب الأمر معهم ونيل موافقتهم، وبالتالي لن تكون هناك مشكلة بيننا وبينهم على هذا الصعيد. عندها، أجابني لارسن: انتبه، أنت في ذلك تضر مصالح سوريا، فكان ردي عليه: هل أنت حريص على سوريا أكثر مني. قال لي: جربوا، لكن لا أعتقد أن دمشق ستتجاوب معكم.
ويتابع السيد: بعد ذلك، توجهت إلى دمشق وزرت وزارة الخارجية حيث وجدت تجاوباً سورياً مع طلب ترسيم حدود المزارع على الخريطة في اعتبارها لبنانية، وقد عدت بهذه النتيجة إلى لارسن، فما كان منه إلا أن أبلغني صراحة بأنه مع خريطة أو من دونها لن تقبل إسرائيل بإعادة المزارع إلى لبنان.
قضية المزارع غير مفتعلة
يؤكد السيد أنه وبعد خروجه من الاعتقال، التقى جنبلاط وشرح له الحيثيات التي تثبت لبنانية مزارع شبعا، فأبلغني بأنه لم يكن مطلعاً على الوقائع التي شرحتها أمامه.
وينفي السيد بشدة، أن يكون قد تم افتعال قضية مزارع شبعا، بهدف تبرير بقاء سلاح المقاومة، لافتاً إلى أنه لو كان ذلك صحيحاً ما كنا لنبادر نحن، عام 2000 إلى فتح هذا الملف ونطرح ضرورة الانسحاب الإسرائيلي من تلك البقعة بالترافق مع الانسحاب من الجنوب في 25 أيار، بل كنا تعمدنا إغفال هذا الملف ثم لجأنا لاحقاً إلى فتحه في التوقيت الذي يناسبنا لو كان في نيتنا حقاً اختراع ذريعة تسمح للمقاومة بالإبقاء على سلاحها.
ويلفت السيد إلى أن المقاومة ليست أصلاً بحاجة إلى أن تتخذ من تحرير مزارع شبعا ذريعة لتحتفظ بسلاحها، إذ توجد أسباب عدة تُحتم عليها التمسك بقوتها العسكرية، ومنها مهمة الدفاع عن لبنان إزاء أي عدوان إسرائيلي ومواجهة خطر التوطين.
Leave a Reply