عضو الأمانة العامة لـ «التجمع اليمني للإصلاح:»
إذا لم تعالج قضية «الحراك الجنوبي» بشكل جاد فقد نتجه إلى «الصوملة»
ديربورن – خاص «صدى الوطن»
يبسط أمامك الواقع اليمني بكل تفاصيله وتشعباته وتعقيداته، كمن يقرأ في كتاب، صاحب ذاكرة أرشيفية لا تخونه وهو يسوق الشواهد والأمثلة والحوادث بلغة جزلة يغلفها ذلك الحذر الدائم من «توهين نفسية الشعب اليمني» والحرص الذي لا يغادر مفرداته وتعبيراته على مصير بلده وهو يصف واقع الحال السائد في ذلك البلد العربي «الذي لا يختلف في سمة الفساد والإستبداد عن باقي «الجملكات» العربية». تختلط لديه نزعة الرفض للأسلوب الذي يدير من خلاله الرئيس اليمني علي عبد الله صالح شؤون بلاده بميل إلى إصلاح مرتجى هو أقرب إلى التمني اليائس منه إلى المراهنة المتفائلة على نظام الرئيس صالح «الذي يسعى إلى توريث نجله إقتداءً بما تفعله بعض «الجمهوريات» العربية».
من قضية الشيخ المؤيد المعتقل في السجون الأميركية وهي القضية التي جاء من أجلها إلى الولايات المتحدة، إلى قضية «الحراك الجنوبي»، إلى «قضية الحوثيين» و«الحرب الخامسة» التي يخوضونها مع نظام الرئيس علي عبد الله صالح، يحدثك هذا المحامي اليمني البارز بنبرة الواثق والمجرب وهو الذي خاض غمار السياسة نائباً في البرلمان اليمني عن حزب «التجمع اليمني للإصلاح» بين عامي 1993 و2003. وبمنطق الحقوقي الذي لا يهادن عندما يتعلق الأمر بحقوق أبناء شعبه، يلفت الى ما يجب أن يتم الإنتباه إليه وتداركه في العلاقة بين «أهل الجنوب» و«أهل الشمال» لكي لا يعود «التشطير» مطلباً بعدما كانت الوحدة هي المطلب في زمن التشطير، وبأن اليمن السعيد بوحدته المحققة بعد عقود من الإفتراق لن يظل سعيداً في ظل أشباح الصوملة التي تتراءى في أفق العلاقات بين القوى الحزبية والسياسية والشعبية إذا ظلت الحكمة غائبة عن طرق معالجة الملفات الخطيرة التي تطرح نفسها بقوة على دولة الوحدة الفتيّة المهددة بالإنفراط على وقع الصخب الدموي الذي تصل أصداؤه ما بين جبال صعدة شمالاً وشواطئ عدن جنوباً.
إنه النائب السابق عن حزب «التجمع اليمني للإصلاح»، عضو الأمانة العامة للحزب، ورئيس «منظمة هود» للدفاع عن الحقوق والحريات والناشط الحقوقي البارز في الدفاع عن معتقلي بلاده الـ 109 في سجن غوانتانامو الأميركي، المحامي محمد ناجي علاوّ الذي يقوم بزيارة الى مدينة ديربورن.
«صدى الوطن» إلتقت بالمحامي علاوّ في باحة الإستقبال في فندق «ماريوت» في مدينة ديربورن حيث يقيم وطرحت عليه عدداً من الأسئلة المتصلة بالواقع اليمني الراهن، بدءاً من زيارته الأميركية لمتابعة إستئناف الحكم الإبتدائي الصادر بحق الشيخ محمد المؤيد ورفيقه محمد زايد والصادر عن إحدى المحاكم الفدرالية الأميركية بالسجن 75 عاماً للمؤيد و45 عاماً لزايد.
سألناه أولاً عن آخر تطورات قضية الشيخ محمد المؤيد في المحاكم الأميركية فأجاب:
لقد عقدت عدة جلسات للإستئناف وتم حجز القضية للحكم النهائي الذي نتوقع أن يصدر في أواخر هذا العام.
– ما هي الإحتمالات وتوقعات فريق الدفاع من عملية الإستئناف؟
– محامو الدفاع عن الشيخ المؤيد وبعض المنظمات الحقوقية يصفون القضية بأنها سياسية بامتياز، وكما تعلم فإن القضايا الفدرالية بعد أحداث 11 أيلول لا يتوقع لها العدل المأمول كما في الأحوال السائدة قبل تلك الأحداث. وهذه القضية هي من أهم القضايا التي أرادت الإدارة الأميركية أن تظهر من خلالها قوة بطشها وقد تورطت في الإعلان أنها قبضت على شخصية مهمة تدعم تنظيم القاعدة. لكن هذه التهمة لم تصمد طويلاً وما لبثت أن سقطت واستبدلوا دعم «حماس» بها.
– اليمني محمد العنسي الذي استدرج الشيخ المؤيد إلى ألمانيا حيث جرى إعتقاله وتسليمه للأميركيين، أقدم على إحراق نفسه لاحقاً. هل كانت تلك صحوة ضمير منه؟
– كلا، ليس صحوة ضمير، لقد قيل له عندما جُنّد للقيام بهذه المهمة أنه سوف ينال مبلغ 5 ملايين دولار ولكن لم يدفع له سوى القليل. ثم سُحب كشاهد إثبات في القضية. بعدما جرى تعيين قاضٍ آخر مكان القاضي الأول الذي لم يجار الإدعاء العام وعندما تكون المحاكمة في مدينة نيويورك قريباً من البرجين المدمرين وأمام هيئة محلفين مكلومة ومتأثرة بتلك الإعتداءات فإن العاطفة والإنطباع لدى المحلفين يغلبان القواعد القانونية التي تحكم سلامة الأدلة ومن خلال قضاة يزينون الدلائل بميزان القانون. هكذا صدرت الإدانة من لجنةالمحلفين وحكم على الشيخ المؤيد بالسجن 75 عاماً وعلى رفيقه زايد
– كيف إستطاع اليمني محمد العنسي إستدراج المؤيد إلى ألمانيا بهذه السهولة برأيكم؟
– بعد أن زرع العنسي ظل ملازما للشيخ في المسجد يصلي معه الفروض الخمسة ويتقرب منه حتى نال ثقته. والشيخ المؤيد لم يكن قلقاً من شيء بالنسبة لسفره إلى ألمانيا لأنه يعلم أنه لم يرتكب أي عمل مخالف للقانون اليمني أو لمصالح دولة أخرى في أي مكان من العالم. لذلك كانت سهولة الإستدراج.
– هل تعتقد بوجود دور للمخابرات اليمنية فـي هذه العملية؟
– كلا، لا أعتقد، دعونا نكون منصفين.
– ماذا فعلت الحكومة اليمنية للمساعدة فـي حلّ هذه القضية قبل وصولها إلى المحاكم الأميركية؟
– دعني أقل أولاً إن الشيخ المؤيد كان من ضمن من أدانوا إعتداءات 11 أيلول في خطبه من منبر المسجد والأشرطة توثق ذلك، وكان رجلاً مسالماً لا يدعو للعنف وهو منتمٍ إلى «التجمع اليمني للإصلاح» الذي يرفع شعار النضال السلمي طريقاً للدفاع عن الحقوق والحريات ويرفض مبدأ العنف من الأصل في العمل السياسي. الرجل كان ناشطاً في مجال العمل الخيري وإطعام الفقراء وكسوتهم وهذه مسألة مشهورة.
– كان يشرف على مخابز مجانية؟
– نعم، وكانت هذه المخابز تقدم وجبات غذائية مجانية للمحتاجين وبالتالي من المعروف لدى عامة اليمنيين ظاهراً وباطناً بأن المؤيد شخص لا علاقة له بإرهاب أو عنف داخل اليمن أو خارجه والذريعة الألمانية محض كذب وإفتراء لأن اليمن حكومة وشعباً كان يطالب بإعادته إلى وطنه بعد إستدراجه وإعتقاله في ألمانيا، ولم يكن هنالك أي قول أو نية بتقديمه إلى أي محاكمة لأن ملف القضية الذي كانت المحاكم الألمانية تنظره كان قد سلم إلى محام ألماني وبالتالي إلى الحكومة اليمنية وإلى أسرة الشيخ المؤيد وإطلع فريق من المحامين عليه ولم نجد فيه ما يمكن أن يشكل فعلاً جرمياً، لا في القانون اليمني ولا الألماني ولا أي قانون آخر. بما فيه القانون الأميركي، ومن هنا ذهبت الوفود الحكومية والشعبية إلى ألمانيا للمطالبة بالإفراج عن الشيخ المؤيد ومرافقه محمد زايد وقد زارتني في صنعاء بعد تسليم الشيخ للسلطات الأميركية وزيرة العدل الألمانية عندما كانت برفقة المستشار السابق شرودر وطلبت مني تعريفها إلى أسرتي الشيخ المؤيد ورفيقه زايد لتعتذر لهما نيابة عن الشعب الألماني لأنها كما أخبرتني تعلم أن هذه القضية أدارتها وزارة الخارجية الألمانية وليس وزارة العدل المعنية. وأخبرتني أنها قدمت إستقالتها من منصبها كممثلة لـ «حزب الخضر» إحتجاجاً على الإدارة السياسية للقضية.
– هل تعتقد أن الحكومة اليمنية فعلت ما يكفي لدعم أحد مواطنيها فـي معركته القانونية مع السلطات الأميركية؟
– تعلم يقيناً أن حكومات العالم بعد 11 أيلول تحوّلت بجلها وتحت شعار مكافحة الإرهاب والتعاون المخابراتي إلى شبه أقسام شرطة للولايات المتحدة واليمن كما تعلم مثلها مثل كل الدول العربية دول ضعيفة في مواجهة الجبروت الأميركي لأنها وكما تعلم لا تستند إلى مشروعية شعبية حقيقة في الحكم، وتستند في الغالب إلى الدعم الدولي ومنح المانحين الأميركان الأوروبيين لتستمر في مواقعها. وحتى الدول المكتفية مالياً يصدق عليها القول نفسه وبالتالي قدرة تأثير هذه الدول على القرار الأميركي ضعيفة جداً بصرف النظر عما يصرحون به في الإعلام.
– الرئيس علي عبد الله صالح زار الولايات المتحدة مرتين فـي السنوات الخمس الماضية، هل بحث هذه القضية؟
– نعم، الرئيس في كل زيارة كان يعلن لوسائل الإعلام أنه قد طرح القضية على الرئيس بوش وكلّف مؤسسة علاوّ للمحاماة التي أرأس مجلس إدارتها للحضور أثناء المحاكمة الإبتدائية وللأسف الشديد تكاليف الدفاع باهظة هنا وكان المؤمل أن يوكل محامون تدفع لهم حكومتنا لكن هذا لم يحصل وترك أمر الدفاع لمحامين عينتهم المحكمة.
– هل عجزت الحكومة اليمنية عن تغطية تكاليف الدفاع؟
– هكذا قالوا وهذا ما تكرر في مرحلة الإستئناف. الحكومة اليمنية أيضاً تعلن بأن هناك مفاوضات مع الحكومة الأميركية وزير الخارجية اليمني أبو بكر القربي بحث مع وزير العدل الأميركي في القضية خلال زيارة له إلى الولايات المتحدة ولكن كل هذا العمل وتصريحات الأخ الرئيس ورسالته التي أعلن أنه سلمها للسفير الأميركي في صنعاء لتسليمها إلى الرئيس بوش حول الشيخ المؤيد ورفيقه ومعتقلي غونتانامو، للأسف الشديد لا نلمس لهذه الجهود أي أثر إيجابي، خاصة مع تعلّل الحكومة الأميركية بإستقلالية القضاء وبالتالي خروج القضية من يدها.
– هل تعتقد أن الحكومة اليمنية كانت غير قادرة أم غير راغبة فـي متابعة جدية لهذه القضية؟
– إعتقادي أنها غير قادرة أو قد تختلط عدم القدرة بعدم الرغبة. لكني أريد أن أوضح نقطة من حيث المبدأ في هذه القضية لا يجوز بأي حال في كل قوانين البشر أن تعاقب شخصاً على فعل مشروع مارسه في بلد يسمح به القانون. ولو إفترضنا صحة ما ذهب إليه القضاء الأميركي من «تآمر» لدعم حركة «حماس» من قبل المؤيد وهو في اليمن فإن مقتضى هذا أن يحاكم كل الشعب اليمني بدءاً من الرئيس صالح، وإنتهاءً بكل يمني وعربي وأتجاوز وأقول بل كل مسلم وهذا النشاط لدعم الشعب الفلسطيني أطفالاً ونساءً له دوافع إنسانية وخيرية وهو مرخص به في اليمن ولا تملك أي حكومة أخرى أن تدين مواطناً قام بعمل مشروع في بلده.
– ما هي آمالكم وتوقعاتكم من قضية الإستئناف ضد الحكم؟
– القلوب بيد الله. نفترض أن يصدر الحكم بإلغاء الحكم الإبتدائي والأمر لله من قبل ومن بعد.
– تبدو متشائماً؟
– نعم، هذا حكم القوي.
قضية الحوثيين
– لننتقل إلى ملف آخر. قضية الحوثيين وصراعهم مع النظام، كيف تصف هذه المشكلة وما مدى عمقها وإمتداداتها الخارجية؟
– نشأت «حركة الشباب المؤمن» التي إنفصل عنها حسين الحوثي الذي قتل في الحرب الاولى (نحن الآن في الحرب الخامسة) هذه الحركة نشأت بعد حرب صيف 1994 (حرب الإنفصال التي قادها علي سالم البيض) وأول من دعم هذه الحركة وسهّل لها طباعة الكتب والملازم والدعم المالي الشهري والسنوي كان الرئيس علي عبد الله صالح. لقد قدم الرئيس دعماً سخياً لهذه الحركة ومكّن شبابها من مفاصل «المؤتمر الشعبي العام» وإدارة المدارس في محافظة صعدة وبعض الإمتدادات الأخرى وقد ركزت هذه الحركة على إعادة بعث المذهب الزيدي أو المهدوي السائد في اليمن (نسبة إلى الإمام الهادي بن يحي الحسين وهؤلاء يعتقدون أن الإمامة حصر بالبطنين (أولاد الحسن والحسين) بخلاف الإمام زيد بن علي بن الحسين الذي لا يحصر الإمامة بالبطنين. وهذا الدعم الحكومي للحوثيين إستمر بعد إنفصال حسين الحوثي ولكن فجأة تفجر الموقف العسكري بين الحوثي وما سمي بعد ذلك بالحوثيين نسبة إليه وبين الحكومة اليمينة. وأصدقك القول بأن الناس في اليمن لم تستطع أن تقتنع بأسباب هذه الحرب لا من الدولة ولا من الحوثيين ونحن لم نجد للحوثيين مشروعا سياسياً واضحاً ومشروعهم المذهبي أيضاً مسألة غير واضحة. توقفت الحرب الأولى بعد مقتل الحوثي وجرت مصالحات، ثم انفجرت مرة أخرى وتكررت حتى وصلنا إلى الحرب الخامسة (الحالية) وكانت إتفاقية قطر قد وضعت حداً للحرب الرابعة. وإلى حدّ الآن لا يستطيع المراقب السياسي على شكل يقيني أن يتبين أسباب إندلاع الحرب وأسباب توقفها.
أما هل لها إمتدادات خارجية كما سألت ودعم خارجي؟ أي عاقل لا يشك بان جماعة تقاتل لخمس سنوات وتوقع آلاف القتلى في الجيش اليمني وتستخدم أسلحة ثقيلة وتطعم مقاتليها وتعالجهم برغم الحصار، لا أعتقد بأن ذلك بإمكاناتها الذاتية في بلد فقير كاليمن وفي محافظة صعدة التي هي من أفقر المحافظات اليمنية، الحكومة اليمنية تتهم إيران وليبيا والحوزات العلمية الشيعية الجعفرية بدعم حركة الحوثيين وتقول أنهم تلقوا التدريب على القتال على أيدي الإيرانيين، المسألة صارت ورقة إقليمية. علاوة على كونها ورقة محلية ملتهبة والكثير من القوى السياسية المعارضة كـ«اللقاء المشترك» قد بذل الكثير من المساعي لاحتواء هذه الحرب ولكن للأسف الشديد كانت الحكومة اليمنية لا تستجيب لهذه المساعي وفضلت الوساطات الخارجية كدولة قطر المشكورة على أي حال لسعيها إلى حقن دماء اليمنيين. وما زال «اللقاء المشترك» المكوّن من أحزاب «التجمع للإصلاح» و«الحزب الإشتراكي» المعارض و«الحزب الوحدوي الناصري» و«حزب الحق» وإتحاد القوى الشعبية يطرحون مراراً وتكراراً مشاريع الوساطات لحل القضية بالتفاوض وحقن دماء اليمنيين ولكن لا إستجابة من قبل الحكومة، علماً أن الحوثيين أعلنوا موافقتهم على مساعي «اللقاء المشترك».
وأنا أريد أن أنوه هنا بإسمي كحقوقي وكناشط سياسي بأن العنف في مواجهة الدولة تحت أي مبرر مذهبي أو غير مذهبي أمر مدمر لقدرات الشعوب ولا يستفيد منه أحد. وبالتالي فهي حرب عقيمة، السلطة لا شك شريكة في إستمرارها وتأجيجها والحوثيون لا أفهم مشروعهم ولن يكون بالنتيجة إلا مشروعاً تدميرياً لا أعتقد أنه يتفق مع شرع أو قانون. نعم السلطة ظالمة. السلطة اليمنية كغيرها من السلطات العربية مستبدة وفاسدة لكن العنف ليس طريقاً لتصحيح هذا الفساد أو دفع الإستبداد.
– ما هي نسبة هذه الشريحة السكانية مقارنة مع مجموع الشعب اليمني؟
– تقصد الزيدية؟
– نعم.
– هي لا شك نسبة كبيرة قد تقارب ثلث الشعب اليمني البالغ عشرين مليون نسمة. ولكن الحوثيين هم فئة بسيطة من هؤلاء وهناك كثير من قادة وضباط
التوريث ومشكلة الجنوب
– كيف تصف مشكلة الجنوب أو ما يسمى بـ«الحراك الجنوبي» الذي يأخذ طابعاً مطلبياً إجتماعيا؟
– معارضة «الجنوب العربي» قضية من القضايا الشائكة إبتدأت مطلبية بضباط الجيش والموظفين الإداريين الذين أجبروا على التقاعد بعد حرب صيف 49 وانتهت برفع شعارات الإنفصال وتقرير المصير من قبل البعض حالياً.
هذه القضية في حقيقة الأمر بحاجة إلى قراءتها في سياق ما يحدث أيضاً في قضية الحوثيين والمشاريع المذهبية الأخرى (مثل السلفيين والصوفيين) والتي للأسف الشديد يساهم الحكم في تأجيجها وفي دعم بعض الفرق ويعالج الأمر بالمسكنات وشراء الذمم دون مشروع حقيقي للخروج من أزمة وطن. هنالك محاولات لترقيع هذه القضايا المطلبية التي تحولت إلى قضايا سياسية بامتياز بطرح موضوع حق الناس بانتخاب المحافظين وتعديلات للدستور يطرحها رئيس الجمهورية بالإنتقال من النظام الدستوري القائم الذي لا هو بالبرلماني ولا هو بالرئاسي وتصح فيه تسمية «البرلماسي»، وتحويله إلى نظام رئاسي صرف على غرار النظام الأميركي. فيما تطرح أحزاب «اللقاء المشترك» النظام البرلماني حلا للأزمة الدستورية القائمة وصولاً إلى الفضل بين السلطة والثروة والتداول السلمي للسلطة وجعل منصب رئيس الدولة بروتوكوليا على غرار الهند وألمانيا. لكن هذه المشاريع يسبقها الشارع بالمطالبة بالإصلاح الإقتصادي ومكافحة الفساد وبسط الأمن وفي مطلب المشاركة بالقرار والتي همش الجنوب منه وصارت هنالك حقيقة فرقة إجتماعية بين ما هو شمالي وما هو جنوبي وبينما كان الناس في زمن الدولتين الشطريتين يهربون من التشطير إلى الوحدة، صاروا يهربون من الوحدة إلى التشطير وبالأخص من يرفع شعار إنفصال الجنوب مجدداً. ولا شك أن هناك ظلماً أحاق بالجنوب وهو ظلم سائد في الشمال أيضاً. لكن الشعور أنهم كانوا دولة وأنهم أقصوا من المشاركة الفاعلة يجعل من هذه المشاعر تلقى ترحيباً من القاعدة الشعبية في الجنوب، وإذا لم تُعالج هذه المشاكل بشكل جادّ، ويشعر الناس بالأمل في دولة مواطنة متساوية فإن اليمن قد تتجه إلى الصوملة وليس فقط التشطير وخاصة مع إنشغال رئيس الجمهورية في مشروع توريث إبنه للحكم على غرار بعض الجمهوريات العربية التي صارت تسمى «الجملكات» وليس الجمهوريات، مع إستئثار الرئيس وأولاده وأسرته بالمناصب الرئيسية في الجيش والأمن وتوظيف أبنائه وأبناء إخوته صغار السن على رأس الوحدات العسكرية والأمنية، على حساب جنرالات الجيش المجربين.
كلمة إلى الجالية اليمنية
– بم تتوجه إلى الجالية اليمنية فـي الولايات المتحدة؟
– أتمنى عليهم، أولاً، أن يعملوا على صدّ الفرقة الإجتماعية التي لاحظتها خلال زيارتي بين أبناء الجنوب والشمال والتي صارت ظاهرة في كل الولايات الأميركية التي فيها مغتربون يمنيون.
وأتمنى، ثانياً، على الإخوة في الجالية أن يغرفوا من خير هذه البلاد فيركزوا على تعليم أبنائهم وممارسة حقوق المواطنة الممنوحة لهم كأميركيين والمشاركة في الشؤون العامة، خاصة وأن الجالية اليمنية للأسف الشديد أقل الجاليات العربية تعليماً، وأن لا ينشغلوا كثيراً بقضايا الداخل اليمني.
Leave a Reply