• خليل إسماعيل رمَّال
بمناسبة الحديث عن سلسلة الرتب والرواتب التي يماطل النوَّاب في إقرارها وبالتالي عدم إنصاف المعلمين والموظفين والإداريين والعسكريين بينما لا يضيعون لحظة واحدة في وضع ضمانات مالية لهم ولعوائلهم إلى حفيد الحفيد، لا بد من استعراض تاريخ الإضرابات والتعطيل الدراسي والثورات العمالية المتتالية منذ نشوء الكيان الجهيض وهي من أهم أسباب نشوب الحرب الأهلية التي لا يذكرها أبداً تاريخ لبنان المزيَّف ذلك انه حتَّى اليوم لم تجرِ عملية مراجعة شاملة للحرب الأهلية وتأثيرها ونتائجها ولم تُستَخْلَص منها العِبَر بدليل أنَّ المطالب العمَّالية والطُلابية لم تتغير ولم تُغيِّر الحرب اللعينة في تحكم طبقة عصابة 4 بالمئة المنتفعة هي وحاشياتها ومافياتها.
فمنذ أنّ كنَّا صغاراً نسمع عن ثورة «معمل غندور» حيث أضرب العمَّال وعددهم 1200 في 11 تشرين الثاني 1972 مطالبين بزيادة الأجور والتنظيم النقابي فأطلقت الشرطة النَّار عليهم وأردَتْ العاملَيْن يوسف العطار وفاطمة الخواجة كأول شهيدَين للعمال وجرحت 14 آخرين فعمَّ الغضب البلاد خلال حكومة صائب سلام وأُقيم تجمع كبير في ساحة البرلمان تضامناً مع العمَّال هتف فيه المتظاهرون «99 لص و17 حرامي» أي عدد النوَّاب والوزراء (ما أشبه اليوم بالبارحة). كذلك من التظاهرات النضالية المعروفة تظاهرة نقابة مزارعي التبغ في الجنوب في كانون الثاني 1973 حيث استشهد فيها المزارع حسن الحايك.
أمَّا الأساتذة فحقهم مغبون منذ القدم حيث قام طلاب وأساتذة الجامعة اللبنانية في نيسان 1968 بإضراب طويل دام 50 يوماً للمطالبة بزيادة الأجر والتثبيت وحرم جامعي موحد وزيادة المنح. كذلك أضرب تلامذة وأساتذة التعليم الخاص والرسمي ثلاث مرَّاتٍ في العام 1969 من أجل زيادة الأجور وإنشاء صندوق التعاضد ولكن لم يحصل شيء واليوم نفس المطالب تتكرر بعد حرب أهلية طاحنة تسبَّبتْ باكثر من 300 ألف ضحية بين قتيل وجريح. هذا عدا عن إضراب اساتذة التعليم الرسمي عام 1972 الذي شمل 16000 أستاذ، وعام 1973 الشهير عندما فصل سلام 324 استاذاً من مهنهم بتهمة التحريض، إلى أنّ حصلت التظاهرة المشؤومة لصيادي الأسماك في صيدا في 26 شباط 1975 واغتيال المناضل الكبير معروف سعد ممَّا أشعل شرارة الحرب بعد مجزرة عين الرمانة في 13 نيسان من نفس العام.
هذا غيضٌ من فيض تاريخ لا يعرفه معظم نوَّاب الأمة الذين بحثوا قضية سلسلة الرتب ليومين متتاليين في جو مرح وهرج ومرج وفوضى برئاسة المكاري للجلسات المضحكة وكانت المماطلة سيدة الموقف ولم يقر النوَّاب الا الضرائب بعد أنّْ عطَّلوا النصاب. غير أنَّ هؤلاء النوَّاب أنفسهم قاموا خلسةً في 16 شباط الماضي برفع مخصّصات معاشاتهم التقاعدية ومعاشات المتوفين منهم، من 75 بالمئة إلى 100 بالمئة، مما سيستنزف من خزينة الدولة سنوياً نحو مليارين و500 مليون ليرة لبنانيّة إضافةً عما يتقاضونه حالياً! إذاً، النيابة في لبنان لم تعد تفويضاً بل مهنة مُربِحة وتجارة تضمن مستقبل ولد الولد ولا تؤدي لعجز في موازنة الدولة لكن رواتب العمَّال والموظفين والأساتذة والعسكريين سترهق كاهل البلد ممَّا يتطلب فرض ضرائب على الفقراء دون البنوك ووحوش المال من السياسيين!
ولماذا يهتم ممثلو الأمة؟ فمبروك للنواب بهكذا ناخبين يعيدونهم للبرلمان عدة مرَّاتٍ فينهلون من رزق لبنان السائب مثل كرم على درب من دون أن يهتموا بالحاجات الملحة والملفات الساخنة مثل: وضع قانون انتخاب نسبي عادل وشبكة أمان اجتماعي وتحصين السلم الداخلي عن طريق تعزيز قدرات الجيش والمقاومة بعد استشراس التكفيريِّين المجرمين في عملياتهم الانتحارية في دمشق بسبب نهايتهم الحتمية القريبة في العراق وسوريا وانكسار وكشف معلمهم أردوغان عند أوروبا ولتعزيز رسالة بن سلمان الدموية خلال لقائه مع ترامب (من شاهد زيارة سلمان الزهايمري في اليابان؟)، والخوف من نقل عمليات الإرهابيِّين اليائسة إلى لبنان بعد طردهم من مناطق سيطرتهم. ولكن، بدل تقديس هذه المقاومة يطلع علينا بشارة الراعي بكلامٍ حاقد على المقاومة التي يدين لها بحفظ المسيحيين وباقي الطوائف، حيث أنَّه ينعم بالأمان ببيته مع آلاف المسيحيين فقط بفضل الله وحزبه الذي يبذل الدماء الزكية الطاهرة في سوريا. فقليلٌ من الوفاء والعرفان وعدم تحدي رئيس الجمهورية مطلوب ممن يفرض نفسه زعيماً روحياً حتَّى حدود إنطاكية وسائر المشرق وليتذكر كيف ضحَّتْ وحمَتْ المقاومة وتحمي المسيحيين وغيرهم في سوريا وفي لبنان!
ليس تاريخ لبنان فقط هو المعطوب بل حاضره أيضاً وبوجود هكذا «طاقم» سلطة فإنَّ المستقبل مجهول وعلى كف عفريت!
Leave a Reply