نيويورك – حوالي شهر من الزمن يفصل الولايات المتحدة عن استحقاقها الإقتصادي البالغ الخطورة، ويبدو أن أعضاء الكونغرس والرئيس باراك أوباما مصممين على منع الإقتصاد الأميركي من السقوط في «الهاوية المالية» التي قد تثير «كارثة جديدة» لن تقتصر على الولايات المتحدة بل ستنعكس على العالم بأسره.
ويشير تعبير «الهاوية المالية» الى عدم إقرار ميزانية عامة للبلاد مترافقة مع رفع سقف الدين العام مما سيؤدي تلقائياً الى زيادات ضريبية واقتطاعات في النفقات العامة تزيد على 600 مليار دولار، ستدخل حيز التنفيذ اعتباراً من مطلع كانون الثاني (يناير) ما لم يتم التوصل الى اتفاق بين أوباما وأعضاء الكونغرس الجمهوريين والديمقراطيين من أجل تخفيض العجز.
وفي حال فشل الكونغرس في التوصل لتسوية فإن نفقات الدولة الفدرالية للسنة المالية 2013 التي بدأت في الاول من تشرين الأول (أكتوبر ستخفض تلقائيا بمقدار 109 مليارات دولار.
وستطال الزيادات الضريبية جميع شرائح المواطنين واوضح مركز الابحاث «تاكس بوليسي سنتر» المستقل المتخصص في مسائل السياسات الضريبية ان الضرائب ستزداد بنسبة 20 بالمئة على الجميع ما سيتسبب بنفقات اضافية بقيمة ألفي دولار في السنة لعائلات الطبقة الوسطى.
ويخشى خبراء الاقتصاد ان تنعكس هذه الزيادة الحادة في الضرائب على استهلاك الاميركيين وان تؤدي بالتزامن مع التخفيضات الكبرى في النفقات العامة الى انهيار الطلب الداخلي وكبح النمو الإقتصادي.
بل يحذر مجلس الاحتياطي الفدرالي (البنك المركزي) منذ أشهر من أنه لن يكون لديه في مثل هذه الحالة أية وسائل لمنع الإقتصاد من العودة الى الإنكماش في حين أن البلاد لم تتعافَ بعد كلياً من الانكماش السابق الذي استمر من كانون الأول (ديسمبر) 2007 الى حزيران (يونيو) 2009.
وبحسب آخر احصاءات مكتب الميزانية في الكونغرس الصادرة في مطلع الشهر، فان الهاوية المالية ستؤدي الى تراجع اجمالي الناتج الداخلي الاميركي في 2013 بنسبة 0,5 بالمئة وارتفاع البطالة مجددا في السنة ذاتها الى 9,1 بالمئة بالمقارنة مع 7,9 بالمئة اليوم.
ويرى بيتر موريتسي استاذ الاقتصاد في جامعة ماريلاند أن هذا السيناريو يبقى «متفائلاً» وهو يحذر من أن عواقب «الهاوية المالية» قد تكون «كارثية» ذاكراً من بينها ارتفاع البطالة الى ما فوق 15 بالمئة وانهيارا مالياً في الولايات وتعثر اصحاب القروض العقارية في تسديد اقساطهم وافلاس مئات المصارف.
ويشير محللو معهد «غلوبال إنسايت» الى أن احتمال حصول تقليص حاد في الميزانية في الولايات المتحدة لن يكون سوى «حادث بين مجموعة من الاحداث الاخرى» التي قد تنعكس على صعيد العالم.
وهم يخشون في حال دخوله حيز التنفيذ من حصول «سيناريو الاسوأ» بفعل تزامن «الهاوية المالية» مع تدهور الوضع في اوروبا والتباطؤ الواضح في نمو الاقتصاد الصيني. وعندها قد يتراجع اجمالي الناتج الداخلي الاميركي بمعدل 1,7 بالمئة في 2013.
ومن ناحيتها، قالت وكالة التصنيف الائتماني «فيتش»، الإثنين الماضي، إن «الهاوية المالية» قد تدفع الولايات المتحدة نحو الركود مجدداً، ومن ثم ترفع معدل البطالة فوق مستوى ١٠ بالمئة.
وبدوره حذر بن برنانكي رئيس البنك الفدرالي، الثلاثاء الماضي، إن عام 2013 قد يكون «عاما جيداً جداً» للاقتصاد الأميركي لو تمكن الساسة من التوصل لاتفاق لتفادي «الهاوية المالية».
ودعا برنانكي في كلمته أمام «النادي الإقتصادي في نيويورك» الكونغرس الى ضرورة التوصل لإطار طويل الأمد يمكن الوثوق به لوضع الميزانية الفدرالية في مسار صحيح، لكنه حذر من أي تصرف يؤدي بلا داع لمزيد من الضغوط على الاقتصاد، مشيراً الى القلق بشأن سير مفاوضات الميزانية الذي يؤثر بالفعل على النمو. وأضاف «لن يؤدي الانقسام والتأجيل إلا لمزيد من الضبابي، أما التعاون والابتكار في توصيل الوضوح المالي.. وخاصة إعلان خطة لتسوية مشاكل الميزانية على المدى البعيد دون الاضرار بالتعافي.. فقد يساعدان على جعل العام الجديد جيدا جدا للاقتصاد الأميركي».
أما وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون فقد قالت يوم السبت إن التوصل إلى اتفاق لحل أزمة الميزانية الأميركية ضروري لقيادتها العالمية وأمنها القومي وإنه سيعزز جهود تعبئة القوة الاقتصادية للولايات المتحدة في أنحاء العالم.
وقالت كلينتون في سنغافورة أثناء جولة تشمل آسيا وأستراليا إنها عندما زارت آسيا العالم الماضي خلال ذروة النقاش بشأن سقف الديون الأميركية سألها الزعماء من أنحاء المنطقة إن كان الكونغرس الأميركي سيسمح بالفعل بأن تتخلف الولايات المتحدة عن سداد ديونها.
وقالت «لنكن واضحين.. الثقة الكاملة في الولايات المتحدة ومصداقيتها ينبغي ألا يكونا محل تساؤل قط».
ولكن الثقة والتفاؤل في موقفي كلينتون وبرنانكي لم تنطبق على رؤية الرئيس السابق للبنك الفدرالي، آلان غرينسبان الذي اعتبر أن الركود سيكون «ثمنا زهيدا لضبط السياسة المالية.. ولا معالجة دون ألم».
وأضاف غرينسبان ففي مقابلة تلفزيونية مع قناة «بلومبرغ» انه «حتى لو دفعنا تكلفة مرتفعة لرفع الضرائب وصولاً إلى تباطؤ ثم انخفاض في برامج الرعاية الإجتماعية، فإن ذلك سيعد ثمنا رخيصا للغاية».
وأكد غرينسبان على انه «اذا تمكنا من تجنب تلك المشكلة (العجز) برمتها عن طريق تلك التكلفة فقط، فأعتقد اننا سنكون قد حصلنا على صفقة جيدة». وأضاف «إذا كان صانعو السياسة غير قادرين على التوصل إلى حل وسط لمعالجة خفض الإنفاق ورفع الضرائب، فإن الأسواق سوف يكون لها رد فعل سلبي.. هذا وضع خطير للغاية، حيث إن الأسواق يمكن ان يكون لها ردة فعل سلبية قبل ان نلاحظ ذلك، وهو ما سينتج عنه مشكلة كبرى».
كما أشار إلى انه سيكون من الخطأ الإعتقاد بأن الولايات المتحدة سوف تتمكن من معالجة اشكالية الإنفاق دون ألم.
Leave a Reply