المقررات العربية تضع المنطقة أمام الخيارات الصعبة
دمشق – خيم التوتر على منطقة الشرق الأوسط بأكملها.. فقد بدأت الصورة تتوضح عن مدى شراسة وإصرار الهجمة على سوريا التي لم تراع حتى شكليات التضامن العربي، بل استخدمت الجامعة العربية، عبر النفوذ الخليجي، لتشديد الضغط على دمشق وعزلها بقرار غير إجماعي. ودمشق بدورها، لا تزال قيادتها تتصرف بهدوء، رغم اشتعال الشارع السوري بالغضب تجاه قرار الجامعة العربية بتعليق عضوية سوريا، الأمر الذي كشف للمراقبين “سوء النوايا” التي حملتها “المبادرة العربية” لمعالجة الأزمة السورية، والتي نعاها الغرب حتى قبل أن تبدأ…
فقد توالت خلال الأسبوع الماضي، فصول “الهجمة” على سوريا عبر الجامعة العربية وصولا الى الدفع الى عقوبات أوروبية ومحاولات إدانة أممية وغضب تركي، بالتوازي مع استمرار الحملة الإعلامية والدبلوماسية والاقتصادية لخنق سوريا والإطاحة بالنظام.
سورياً، وبالرغم من إعلان دمشق رغبتها التعاون مع الجامعة العربية وموافقتها على المبادرة، وفي مقدمتها شرط الموافقة على إرسال مراقبين، فإن شكوكاً كبيرة وانطباعات مسيّسة تكتنف هذا التوجه، فيما تتعمّق الأزمة الأمنية والاجتماعية في البلاد، بتعمّق الأزمة السياسية والاقتصادية فيها.
غضب سوري دبلوماسي
وكان الرد السوري على قرار تعليق العضوية واضحاً، فقد نزل ملايين السوريين الغاضبين الى ساحات المدن السورية منددين بقرار الجامعة العربية، كما خرج وزير الخارجية السورية وليد المعلم، في مؤتمر صحافي، بمواقف قوية لكن هادئة، تشدد على وجود مؤامرة وعرض لطريقة محاربتها طبع الخط السياسي لكلام المعلم، الذي سعى للطمأنة إلى أن لا تدويل ولا إسقاط للتجربة الليبية على الساحة السورية، وإن لم يمنعه ذلك من شنّ حملة على الأمين العام للجامعة العربية ودولة قطر تحديداً.
وقد تمكن المعلم من اعتماد لغة هجومية وسلسة في آن واحد إزاء الجامعة العربية ككل، مجدداً ثقة الحكم السوري بها رغم إشاراته إلى انسياقها في خانة “المؤامرة” على سوريا. وقال المعلم، الذي وصف قرار وزراء الخارجية العرب يوم السبت الماضي بأنه “شديد الخطورة”، إن سوريا لا تزال تدرك “حجم المؤامرة” التي تواجهها. وسعى إلى الطمأنة لكون “التدويل وتكرار السيناريو الليبي في سوريا لن يحصلا لأن سوريا ليست ليبيا كما أن الأوروبيين يعانون في اقتصاداتهم، ولأننا متمسكون بالعمل العربي المشترك لسبب وحيد هو أن سوريا قلب العروبة النابض، ولن يكون هناك عمل عربي مشترك من دونها”. وجدد المعلم الإشارة إلى أن سوريا “تتجه نحو نهاية الأزمة”، مخاطباً العرب بـ”إذا قررتم أن تكونوا متآمرين فهذا شأنكم”.
قرار الجامعة
خطفت مقررات القمة العربية الصادرة بحق سوريا بدءا من تجميد عضويتها في الجامعة العربية، مرورا بالتهديد المباشر حول الطلب الى المجتمع الدولي حماية المدنيين، وليس انتهاء بدعوة المعارضة للبحث في المرحلة الانتقالية، الاضواء الاقليمية والدولية، لما حملته من مؤشرات سلبية تضع المنطقة برمتها على فوهة بركان متفجر من شأنه ان يصب نيرانه على دول المنطقة في حال انفجاره من دون استثناءات او فرضيات.
وجاء قرار تعليق عضوية سوريا مفاجئا، لكن مصادر دبلوماسية حضرت اجتماعات المجلس الوزاري العربي كشفت خفايا ما حدث في الجامعة العربية بين يومي الجمعة والسبت الماضيين قبل إصدار قرار تعليق عضوية سوريا، حيث أكدت المصادر أن غالبية الدول العربية كانت معارضة لفكرة التعليق وكان التوجه نحو إرسال بعثة مراقبين إلى سوريا، لكن المصادر أكدت أن شيئا ما قامت به دولة قطر غير المعادلات.
وقد صعب ابتلاع هذا التجاوز لميثاق الجامعة على البعض، فاعترض عليه وزير خارجية الجزائر مراد ملدسي وخاض نقاشاً حاداً مع نظيره القطري، مطالباً اللجنة بـ”التعامل بحكمة مع الموضوع السوري ودراسة قرار تعليق العضوية الذي سيؤدي إلى ما لا تحمد عقباه”، فما كان من حمد إلا أن قاطع الوزير الجزائري، وقال له: “لا تدافع كثيراً عن سوريا لأن الدور آتٍ عليكم وقد تحتاجنا في المستقبل!”.
وفي الجلسة الموسعة قدم حمد القرار متوجها بالسؤال: “من يعارض القرار”؟ فاعترض لبنان واليمن وسوريا وامتنع العراق عن التصويت وطلب وزير خارجية الجزائر الكلام وما إن بدأ كلمته قاطعه حمد بن جاسم وأعلن نهاية الجلسة. مما دفع السفير أحمد إلى توجيه الكلام إلى وزير خارجية قطر بكلامات نابية قائلاً: “هذا تآمر من قبلك شخصياً وهو تجاوز على القانون والميثاق وأنت رأس المطية والتخريب ليس في سوريا فحسب بل في كل العالم العربي وأنت والأمين العام تجرمون بحق سوريا وحق الأمة العربية.. أنتم عملاء تنفذون أجندة غربية وسيحاسبكم الشعب العربي في يوم من الأيام على هذه الجرائم”.
محاولات غربية
في هذا الوقت، تحاول دول غربية مدعومة من دول عربية الالتفاف على إمكانية استخدام روسيا والصين حق النقض مجدداً ضد أي قرار يستهدف سوريا في مجلس الأمن الدولي عبر طرح مشروع قرار لإدانتها في الجمعية العامة للأمم المتحدة. وفي حين دعت وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي كاثرين اشتون الرئيس السوري بشار الأسد إلى “التنحّي”، سارع وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف إلى تأكيد رفض موسكو لهذا الأمر، محذراً من أن هجمات المنشقين عن الجيش والمسلحين على مراكز الجيش والاستخبارات والمباني الحكومية “أشبه بحرب أهلية حقيقية”، مؤكداً أن “الأسلحة المهرّبة الآتية من الدول المجاورة تزداد” وصولاً إلى سوريا. وأكد ان خطة الجامعة العربية حول سوريا يجب ان تكون واضحة حول دعوة المعارضة ايضاً الى وقف العنف، فيما رفضت واشنطن الحديث الروسي عن وجود “حرب أهلية” في سوريا، وذلك في الوقت الذي كان المراقب العام لجماعة الاخوان المسلمين رياض الشقفة يعلن من اسطنبول ان الشعب السوري يريد من تركيا ان تتدخل عسكرياً لتوفير الحماية له!
من ناحية أخرى، اتسم الموقف التركي خلال الأسبوع الماضي بمزيد من العدائية تجاه دمشق، حيث واصل رئيس الحكومة التركية رجب طيب اردوغان حملته المفتوحة على النظام السوري بعد توقف استمر لمدة حوالي الشهر. واتسمت نبرة اردوغان، في كلمته أمام نواب حزب العدالة والتنمية، بالحدة والانفعال في ما بدا تجييشاً للنفوس التركية دفاعاً عن العلم التركي الذي أحرقه المتظاهرون في اللاذقية(!)، قائلاً “من هنا أريد أن أقول بشكل واضح لنظام الأسد، إن اليد التي كانت تمتد عبر التاريخ وعلى امتداد قرون إلى العلم التركي كانت تنال من دون تردد الجواب المناسب، وهي ستناله”.
كما انتقد اردوغان، المجموعة الدولية التي لم تتصدّ بالحزم الكافي لقمع المعارضة في سوريا، معتبرا أن ذلك ما كان ليحصل لو كانت سوريا تنتج مزيداً من النفط، فيما بدأت أنقرة تبحث عن مسارات نقل جديدة إلى الشرق الأوسط تلتف حول سوريا بعد انخفاض صادراتها بنسبة 10 بالمئة.
الوكالة الذرية
وفي إطار استخدام كل ما هو ممكن للضغط على نظام دمشق، واعرب المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية يوكيا امانو عن اسفه لعدم إحراز تقدم مع سوريا حول موقع الكبر، الذي دمره الطيران الاسرائيلي في العام 2007 بحجة انه يحوي موقعاً نووياً، وكرر دعوة سوريا الى التعاون التام مع الوكالة. واعلن امانو، امام مجلس محافظي الوكالة في فيينا ان خبراء من الوكالة الدولية توجهوا في تشرين الاول الماضي الى دمشق لمناقشة نقاط خلافية في البرنامج النووي السوري، خصوصا موقع دير الزور. واضاف “لم يحصل اي تقدم، مع الأسف، خلال اجتماعات مع السلطات السورية للوصول الكامل الى بعض المواقع” المتصلة بموقع دير الزور.
Leave a Reply