في ظل صعود النفوذ الصيني وسعي بكين لتكون قوة مهيمنة إقليميا، رجح الكاتب ستيفن وولت في مقاله بمجلة “فورين بوليسي” أن تتأثر العلاقات الأميركية الصينية بحيث تنحو منحى التنافس اللافت. ولكن وولت يقول إن مسيرة الصين للهيمنة الإقليمة ستكون أكثر صعوبة من مسيرة الولايات المتحدة في هذا السياق نظرا لعدم وجود قوى رئيسية أخرى في نصف الكرة الغربي وعقبات تحول دون التوسع الأميركي في مختلف أنحاء أميركا الشمالية. وعلى النقيض من ذلك فإن وجود قوى متوسطة مهمة بجوار الصين يقود إلى التساؤل عن ما إذا كانت تلك الدول ستشكل ثقلا موازنا للقوة الصينية الصاعدة، أم إنها ستختار الانضمام إليها؟ فإن كان الجواب وفقا للاحتمال الأول، فإن عملية الاحتواء ستكون سهلة نسبيا، أما إن كان الجواب وفقا للخيار الثاني، عندها سيكون من الأصعب الحد من البروز التدريجي لعالم النفوذ الصيني. ويدلل الكاتب على اتساع رقعة النفوذ الصيني في ما وراء البحار بما نُشر في مجلة “تايم” الأميركية من إقدام سكان جاوا الإندونيسية على تعلم لغة ماندرين الصينية، في ظل “تجاهل الأعمال البغيضة التي قامت بها الصين في الماضي في ما يتعلق بالدور الذي لعبته في انقلاب 1965”. وهنا يطرح تساؤلا: هل ستكون آسيا قوة موازنة أم سوف تنضم إلى الركب؟ ليقول إن السلوك الموازن يبدو الاتجاه السائد في السياسات الدولية، ولكن الدول الضعيفة والمعزولة من المرجح أن تنضم إلى الركب أكثر من الدول القوية لأن الأولى لا تملك الكثير لإحداث تأثير على نتيجة الصراع، لذلك تختار الجانب المرجح أن ينتصر. وبينما تتجه القوى الكبرى لأن يكون لديها مصالح عالمية، فإن هاجس الدول الضعيفة يدور في معظمه حول ميزان القوى في منطقتها المباشرة، وربما تميل للوقوف إلى جانب قوة أكبر إن حظيت بضمانات للحصول على دعم قوي جراء التحالف. وبما أن خيارات الدول الضعيفة القائمة على قدراتها أو إمكانياتها الخاصة بها تبقى محدودة، فلا خيار لها سوى الركوع أمام جار أكبر وأقوى، وهذا يفسر ولادة مناطق النفوذ. فبخصوص الأحداث في شرق آسيا، يرى الكاتب أنه يجب أن تكون آفاق التوازن جيدة بشكل مرض، مشيرا إلى أنه بالرغم من أن الصين تمتلك القوة الكبرى في آسيا، فإن هناك العديد من جيرانها قد لا ينضوون تحت مسمى الدولة الضعيفة مثل اليابان والهند. كما أن الصين رغم وجودها كقوة كبرى، فإنها ستواجه مشاكل في استعراض قوتها ضد مختلف جيرانها لأنها ستتمكن من فعل ذلك بواسطة قدراتها العسكرية البحرية والجوية والبرمائية وليس عن طريق القوة البرية وحدها. وعلى ضوء اهتمام واشنطن بمنع الصين من ممارسة الهيمنة الإقليمية، يجب أن يكون لدى بكين قوة كبرى حليفة مستعدة لدعمها من أجل تحقيق أهدافها في الهيمنة الإقليمية. ولكن من الجهة الأخرى فإن مساعي الولايات المتحدة للاحتفاظ بحليف دفاعي في شرق آسيا قد تصطدم بالعديد من العقبات الواضحة، أولها أن التحالفات الأمنية ستواجه مشاكل شاملة، إذ إن كل عضو من التحالف سيحاول أن يدفع العبء ليقع على كاهل شركائه وهذا توجه يمكن أن تستغله قوة صاعدة بمهارة عن طريق “فرق تسد” في الوقت الذي يتشاجر فيه الشركاء المفترضون على الإستراتيجية وتقاسم الأعباء. ومن العقبات أيضا الصعوبة التي ستواجهها واشنطن في تحديدها مدى الدعم الذي عليها أن تقدمه لشركائها الآسيويين من أجل الاحتفاظ بهم. ثم إن إستراتيجية الصين الواعدة ستكون عبر الحديث الناعم والتركيز على بناء علاقات اقتصادية وثقافية مع مختلف جيرانها، أما الدبلوماسية الصينية الصارمة فستمهد الطريق أمام واشنطن للاحتفاظ بشركاء آسيويين أقوياء. ويختتم الكاتب بأن تلك الأمور جميعها تنبئ باهتمام أميركي كبير بالحفاظ على علاقات تحالف في آسيا يفوق ما أبدته تجاه العلاقات في أوروبا خلال الحرب الباردة.
Leave a Reply