مريم شهاب
كلما سمعت عن الفساد والمفسدين في وطني لبنان أو في أي مكان آخر، أتذكر خرافة جميلة يذكرها كل من كان من جيلي، شاعت بين أهل القرى عن ذلك الواوي العجوز الحكيم.
والواوي بلغة الفلاحين، أو ابن آوى بالفصحى، هو حيوان خبيث، متسلل محتال وجبان، يستقوي على الدجاج والديوك ولا يقرب البيوت إلّا بعد التأكد من غياب أهلها. يعوي بعيداً، يأكل عناقيد العنب ويخرِّب المزروعات، لذلك كان مزعجاً للفلاحين بسبب تحايله لمهاجمة أقفاص الدجاج وقنصها وإتلاف الكروم.
الخرافة تحكي عن واوي بلغ من العمر عتيّا وبدت عليه معالم الكِبَر والشيخوخة، فقالت له زوجته «الواوية المصون»: يا حبيب عمري يا «أبو الواوية» كلّهم، لقد آن لك أن تتقاعد وتسلّم مهمات الصيد لأولادك، كما يفعل الوزراء والزعماء الفاسدين في هذا البلد، علِّمهم أسرار الصيد والقنص ودعهم يجربون ويتعلمون.
هزَّ الواوي رأسه استحساناً لكلمات زوجته، تماماً كما يفعل الكثير من رجالنا الأشاوس.
نادى أولاده الواوية الصغار مخاطباً إياهم بذلك وشارحاً لهم «تكنيك» الصيد والتربص بالفريسة، ثم أطلقهم داعياً لهم بالحظ الوفير. عادوا بعد ساعات وقد أمسك كل واحدٍ منهم بفريسته. كانت كلها تقريباً من توافه ما تتركه الحيوانات الأخرى: فرخ عصفور بحجم الأصبع، خنفسة يابسة، فأر عليل، غير أن واحداً منهم أحضر دجاجة كبيرة مشوية ومحمّرة تفوح رائحة التوابل منها وتسر الناظر إليها. تعجّب الوالد فسأل ابنه: كيف يا ولدي حصلت على هذه الغنيمة؟ فأجاب: «رأيت أحدهم يحمل هذه الدجاجة إلى شيخ الجامع ليتعشى بها ثم علا صوت المؤذن للصلاة فتركها وذهب ليتوضأ ويؤم المصلين في المسجد. وفيما كان بعيداً عنها، غافلت الجميع وسرقت الدجاجة وجئت بها لنتعشاها هذا المساء».
استمع الواوي الكبير إلى كلام ولده والتفت إليه قائلاً: «أحسنت في صيدك يا ولدي، لكن هيَّا أسرع وأعد الدجاجة إلى إمام الجامع». تعجَّب الواوي الصغير وسأل والده: «لماذا ذلك يا أبي؟»، أجاب الوالد: سيعود هذا الإمام ليتعشى فلا يجد الدجاجة حيث تركها، وعندما يسأل عن مصيرها سيقولون له أن واوياً جاء وخطفها. فيخرج ذلك الإمام ويصعد على المنبر ويصدر فتوى بقتل كل الواوية في البلاد مؤكداً أن قتل ابن آوى أوجب الواجبات وجزاؤه الجنة، فيحمل الفلاحون بواريدهم وسيوفهم علينا فندخل نحن معشر الواوية في محنة هذه الفتوى».
الخلاصة، أن الواوي في هذه الخرافة عرف خطورة الفتوى الدينيّة المزيفة على بني جنسه وطلب من ابنه ردّ ما سرقه، لكن الأوضاع تغيّرت وصار بعض دعاة المنابر الدينيّة هم الذين يقتنصون أموال الناس وأصبحوا بقدرة قادر مستثمرين كبار، بأموال بسطاء المؤمنين.
Leave a Reply