الوحدة قوة والتشرذم ضعف وخذلان. هذا ما تعلمناه في المدرسة في صغرنا، فالعصي تتكسر أحاداً وتأبى أن تتكسر مجتمعة.
تعيش جاليتنا اليمنية هذه الآونة في محنة حقيقية، فبرغم معرفتنا لأسرار ضعفنا وأسرار قوتنا، إلا اننا نراوح في مكاننا (محلك سر) ونرفض أن نخرج من النفق الذي وجدنا أنفسنا فيه، فصفاء الذهن وقوة العزيمة بالاضافة الى صدق التوجه ونضج الظروف يجعل امكانية التغيير ممكنة.
ابن حزم الاندلسي، رحمة الله عليه، عاش في زمن الدولة الأموية في الأندلس وعاصر تشرذم ذلك الكيان وتفتته الى دويلات حكمها ملوك الطوائف، فنذر نفسه لإعادة إحياء الدولة، لكنه شعر بحسه المرهف أن النهاية قد بدأت وأن العرب والإسلام في الاندلس الى زوال لا محالة. حاول ابن حزم أن يجمع كلمة ملوك الطوائف، فلم يفلح، وتحالف مع بعضها لكن حظه العاثر كان ينتهي به دائماً الى التحالف مع الطرف الأضعف فذهبت أحلامه أدراج الريح ولكن التاريخ أنصفه ولو بعد حين.
ترى كم من أبناء جاليتنا العزيزة يشعر بما شعر به ابن حزم؟ وكم من أبنائها الأبرار شمّروا عن السواعد ولم يألوا جهداً أن يرفعوا من شأن اليمن الموحد ويضعوه في المكانة اللائقة به؟
ونحن اليوم نعيش في بلد يضمن لنا حرية التجمع السلمي، ولدينا الكوادر المثقفة التي كانت الجالية تفتقدها الى عهد قريب، إضافة الى توفّر الامكانيات المادية، لكننا بحاجة الى صدق النوايا وتثبيت ارادة التغيير في أوساطنا.
وبهذا الكلام نحن لا نقلل من العوامل السلبية التي شتتت الجالية مثل حبات المسبحة التي انفرط عقدها، فاتجه كل فرد الى تحقيق مصالحه المادية الشخصية متناسياً أهمية العمل العام والمصلحة العامة، ولكن يجب أن يكون معلوماً أن أي جالية تحتاج الى تعاون جميع أبنائها للنهوض بكيانها ودورها. فإذا اجتمعت الامكانيات مع الارادة الحقيقية المصحوبة بالاخلاص فإن النتائج ستبشر بخير موعود، خاصة وإن التزمنا بسقف المصلحة العامة وابتعدنا عن النكايات والمنافسات الساذجة التي لا يستفيد منها احد (إلا أولئك المتربصين بها والمستثمرين في تشرذمها الذين ينفخون نار الفرقة فيها كلما خبت).
فالإخلاص والمثابرة ونكران الذات وتثبيت العزم ووضوح الهدف، هو ما نبتغيه. ولذلك علينا أن نعمل بروح الفريق الواحد وليس بروح القائد الملهم، وأن نترك كل ما يفرق صفنا وأن نكون عمليين في النظر الى مشاكلنا كجالية في وطننا الجديد، والعمل في إطار القواسم المشتركة، وهي كثيرة ولا شك. فالانتماء للوطن والهوية ممارسة يومية وليست مجرد شعارات جوفاء. وكم من طالب للخير لا يصل اليه!
إن التغيير المنشود على أرض الوطن اليمني يقوم على تعزيز المواطنة المبنية على الثوابت، عبر تحقيق التنمية والعدل واتاحة الفرص لأصحاب الامكانيات المبدعة ليساهموا في تحقيق الأهداف النبيلة التي ناضل شعبنا من أجل تحقيقها طوال عقود مضت. أما نحن على مستوى المهجر فيجب ان يكون لدينا خارطة طريق لإيجاد آلية فاعلة لمواكبة التغيير والتطورات على أرض الوطن الأم.
فاليمنيون، بشكل عام لم يروا انجازات حقيقية للوحدة طوال اكثر من عقدين من الزمن. هذه الوحدة التي لم نرَ من ملامحها إلا القليل القليل، حتى في إحياء ذكراها السنوية.
ما نطالب به جاليتنا العزيزة هو نبذ الاتكالية وتولي زمام المبادرة، عبر إحياء مبادىء ثورتي سبتمبر وأكتوبر وتحقيق الوحدة الحقيقية، في الوجدان أولا، حتى ننهض كجالية يمنية تمتلك من الكفاءات والكوادر العلمية ما يؤهلها الى لعب دور طليعي في المهجر عبر استنهاض امكاناتها المادية والبشرية فنصل الى المكانة اللائقة بنا كيمنيين أميركيين، ونفتح صفحة جديدة بعيداً عن سياسات النكاية والمكايدة والاقصاء والاحتواء.
* مدير إدارة المجلس اليمني الأميركي – ديربورن
Leave a Reply