لندن – بات بإمكانك الاقتراب من أي شخص أعجبك وهو يجلس وحيداً في المقهى لتشرع بمحادثته بكل ثقة، بعد أن منحك العلم دليلاً قاطعاً يقنعه بضرورة مبادلتك الحديث: “الوحدة تضرّ بصحة الإنسان مثل التدخين أو السمنة المفرطة”.
ليس الاكتشاف جديداً، فقد خلصت إليه دراسة أميركية، نُشرت أواخر السنة الماضية، قامت بتحليل 148 دراسة سابقة حول مخاطر الموت المبكر، وشملت بيانات أكثر من 300 ألف شخص تمّ رصد حالتهم على مدار سبع سنوات ونصف سنة. وأكدت الدراسة حينها أن الأشخاص الذين يعيشون في محيط جيّد من الأصدقاء والمعارف تزيد احتمالات عيشهم فترة أطول عن العمر المفترض بنسبة 50 بالمئة مقارنة بالأشخاص الذين يعيشون في محيط اجتماعي ضيق.
ولكن ما التفسير العلمي لهذه المقولة؟
يبدو أن الإجابة تعود إلى الجينات وذلك وفقاً لدراسة أجراها مؤخراً ستيفن كول وآخرون في “جامعة كاليفورنيا” في لوس أنجلوس. فقد وجد كول أن الشعور المزمن بالوحدة قد يؤدي إلى تغيّر في نشاط بعض الجينات.
وتضمنّت عيّنة الدراسة، التي بنى عليها الباحث الأميركي خلاصاته، أشخاصاً يشعرون بالوحدة وآخرين محاطين بشكل جيّد على السواء، ثم قام لاحقاً بتحليل نشاط جيناتهم بقياس إنتاج هذه الأخيرة لمادة الحمض الريبي النووي (RNA) وهي المادة داخل الصبغيات التي تحمل التعليمات الوراثية لإنتاج البروتينات من الجينات إلى الخلايا.
وكانت النتيجة أن جينات الأشخاص الذين يشعرون بدرجات عالية من الوحدة سجلّت نشاطاً زائـداً مرتبطاً بحدوث الالتهابات، إلى جانب تراجع في نشاط الجينات المرتبطة بإنتاج الأجسام المضادة ومقاومة الجراثيم.
ويتوقع كول أن تكشف هذه النتيجة ليس فقط عن السبب الذي يجعل الشخص الوحيد يصاب بالمرض لا بل كيف تظهر، في المراحل المتقدمة من حالات الشعور بالوحدة، الأعراض الجسدية الغريبة عليه.
وفي الخلاصة، تفسّر النتائج كيف كان الإنسان القديم أقل عرضة للإصابة بالأمراض، بعد أن كان الشعور بالوحدة المزمنة أمراً نادراً جداً حيث كان الأفراد المعزولون مهدّدين بخطر التعرّض للافتراس أكثر من غيرهم، في حين أنه، وللمفارقة، شاعت حالات الوحدة المزمنة مع ازدياد النمو السكاني وتحوّلت إلى أمر عادي، لن يسمح الوقت مستقبلاً بتدارك عواقبه.
(عن الإيكونوميست
Leave a Reply