وليد مرمر
لم يكن تزامن إعلان الرئيس سعد الحريري عن اعتزاله العمل السياسي وتقديم الورقة الكويتية إلى الحكومة اللبنانية محض صدفة. فلقد رشح أن في خلفيات الاعتزال الحريري رغبة خليجية بتنحيته عن العمل السياسي في الوقت الحالي لأن لبنان قادم على مواجهات حاسمة مع المجتمعين العربي والدولي بسبب سياسات فريق المقاومة، ولذا فإنه من الأفضل للحريري أن يكون مراقباً وليس مشاركا في السلطة في هذه المرحلة.
هذا بالطبع لا يُعفي المسؤولية المباشرة لابن سلمان عن قرار إلغاء سعد الحريري سياسياً، وهو قرار كان قد اتضح عام 2017 عقب خطف الحريري واحتجازه بفندق الريتز في الرياض خلال الحادثة المشهورة. ولكن الظروف الإقليمية والدولية حينئذ شكلت عامل ضغط أجبر ولي العهد السعودي على الإفراج عن غريمه اللبناني ولكن.. إلى حين!
ما هي الورقة الكويتية؟
الورقة الكويتية ليست إلا عبارة عن دفتر شروط حملها وزير الخارجية الكويتي أحمد ناصر المحمد الصباح الأسبوع الماضي إلى بيروت وسلمها إلى المسؤولين اللبنانيين، وذلك بإيعاز خليجي ومباركة أميركية–فرنسية.
وبقراءة الشروط يظهر للعيان أنها تكاد تتماهى حرفياً مع المطالب الإسرائيلية من لبنان سيما فيما خص تنفيذ القرارين 1559 و1701 المتعلقين بتسليم سلاح المقاومة للدولة. والعجيب أن ورقة الشروط لم تلحظ من قريب أو بعيد ضرورة انسحاب إسرائيل من مزارع شبعا وتلال كفرشوبا وقرية الغجر كمقدمة لوقف عمل المقاومة. ولا عجب! فهذا ليس غريباً عن سياسات العرب الانبطاحية تجاه العدو الإسرائيلي. فعلى سبيل المثال، دعت قمة بيروت العربية عام 2002 الدول العربية إلى تبني قرار «الأرض مقابل السلام» أي انسحاب إسرائيل إلى حدود الخامس من يونيو 1967 كشرط حتمي للسلام والتطبيع معها. ولكن بعد سنوات قليلة اصطف العديد من الدول العربية في الطوابير لدخول نادي السلام مع إسرائيل متناسيين شعار «الأرض مقابل السلام» وأن هناك أراض فلسطينية وسورية ولبنانية محتلة فضلاً عن ملايين الفلسطينيين المهجرين خارج أرض أجدادهم. وها هي الدول العربية تعيد الكرة مرة أخرى وتطالب لبنان عبر دفتر الشروط الكويتي بتسليم سلاح المقاومة مُطَوِّبة الأراضي اللبنانية المحتلة لإسرائيل مجاناً كما فعلت سابقاً مع الأراضي العربية المحتلة.
تتطرق الإملاءات الخليجية إلى مراقبة الحدود اللبنانية. وهو شأن سيادي داخلي لا يحق لأية دولة التدخل فيه. ولكن ربما قد يكون أخطر ما في الورقة هو البند المتعلق بـ«وضع إطار زمني محدّد لتنفيذ قرار مجلس الأمن رقم 1559 الخاص بنزع سلاح الميليشيات في لبنان والقرار 1701 الخاص بسلاح «حزب الله». إضافة إلى ما تضمنته عن «وقف تدخُّل حزب الله في الشؤون الخليجية خصوصاً والعربية عموما والتعهد بملاحقة أي طرف لبناني يشترك في أعمال عدائية ضدّ دول مجلس التعاون وعدم تحول لبنان إلى منصة للهجوم اللفظي والعملي تجاه دول الخليج». وهذا البند الأخير يتنافى مع دستور لبنان الذي يضمن الحريات السياسية لجميع مكوناته. فضلاً عن أن «السياديين» اللبنانيين قد حولوا لبنان في الأعوام العشرة الماضية لمنصة هجوم لفظي وسياسي وإعلامي وفي بعض الأحيان عسكري على الدولة السورية الشقيقة من دون أن يرف جفن للحكومات المتعاقبة.
موقف الحكومة اللبنانية
لقد تلقفت الحكومة اللبنانية الورقة من الوفد الكويتي وطلبت بعض الوقت لدراستها وقد اُمهلت حتى موعد اجتماع وزراء الخارجية العرب في الكويت حيث سيشارك وزير الخارجية والمغتربين، عبدالله بو حبيب، حاملاً مذكرة جوابية على البنود الخليجية الـ12 كمقدمة «لإعادة بناء الثقة مع لبنان».
ولم يخف مسؤولون لبنانيون رغم خصومتهم مع المقاومة ارتيابهم من بنود الورقة وقلقهم من تأثيرها على السلم الأهلي لو تبنتها الحكومة. وهم يعلمون أن الوضع اللبناني لا يحتمل هذه الإملاءات التي لم تراع دقة وحساسية التوازنات الطائفية والسياسية. ولكن يبدو أن الحكومة اللبنانية لن تعمد إلى رفض الورقة وذلك لتجنب الوقوف في وجه «الإجماع العربي». ولكنها ستعمد إلى تدوير الزوايا عبر تبني شروط الورقة ولكن من دون إطار زمني محدد. وهذا ما قد لا يقبل به ابن سلمان ودول الخليج الذين قد يعمدون إلى رفع الورقة إلى جامعة الدول العربية لتبنيها كمقدمة لعرضها على مجلس الأمن الدولي في آذار المقبل، عندما ينعقد في جلسة حول لبنان، حيث سيقدّم الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس تقريراً عن تطوّر الأوضاع اللبنانية والنقاط الإيجابية التي سُجّلت في الآونة الأخيرة، بحسب ما أبلغت المنسّقة الخاصة للأمم المتحدة، يوانا فرونتسكا، رئيس الجمهورية ميشال عون خلال زيارتها إلى بعبدا، الأربعاء الماضي.
بهذا يكون قد تم الدفع نحو تدويل الأزمة بعد »تعريبها» من خلال الورقة الخليجية.
موقف «حزب الله»
اعتمد «حزب الله» الصمت المطبق تجاه الورقة الكويتية لأسباب أهمها عدم الرغبة في مواجهة سياسية مع دولة الكويت وذلك تجنباً لفتح جبهات إضافية، فضلاً عن عدم الرغبة بالتنكر للعلاقات «الودية» بين دولة الكويت والمقاومة بعد حرب 2006، حيث ساهمت الكويت بشكل مباشر في دعم بيئة المقاومة سيما بلديات الضاحية الجنوبية عبر «الصندوق الكويتي للتنمية الإقتصادية». إضافة إلى أن سياسات الكويت وإن كانت تدور في الفلك السعودي فإنها تنأى بنفسها أحياناً عن سياسات آل سعود المتهورة، كموقفها من مقاطعة قطر ولعبها دور العراب في عودة العلاقات السعودية القطرية.
ونُقل عن مصادر مطلعة أن موقف الحزب الرسمي سيعلنه السيد حسن نصرالله نهاية الأسبوع الجاري في كلمة متلفزة يتناول فيها آخر المستجدات. ولا يخفي مقربون من الحزب توجسهم وارتيابهم تجاه البنود التي يقولون إنها بنود خليجية لكن بإملاءات إسرائيلية. وهم يقولون إن ليس للسعودي المنهزم في اليمن وسوريا والعراق ولبنان أن يملي شروطاً على الفريق المنتصر.
ثم ماذا؟
يستمر مسلسل الإذعان اللبناني الرسمي تجاه الخليج ويتصاعد معه الصلف والتمادي الخليجي تجاه لبنان. فبعد استقالة وزيرين سابقين كُرمى لعيون ابن سلمان لم تعمد السعودية وجيرانها إلى أية مبادرة إنقاذية تجاه لبنان الغارق في مشاكله الاقتصادية والمعيشية. فمثلاً يشهد لبنان حالياً عاصفة ثلجية قاسية لا يجد فيها الكثير من المواطنين سبيلاً إلى التدفئة غير إشعال الأحذية القديمة والملابس الرثة، وذلك بسبب عدم قدرتهم على تأمين وسائل التدفئة العادية. فيما «الأخوة الخليجيون» ينظرون بعين اللامبالاة إلى لبنان بل ويعمدون إلى لي ذراعه وهو في أمس الحاجة لأي نوع من أنواع المساعدة.
أما التهديد بطرد اللبنانيين من دول الخليج، والذي دأب نظام آل سعود على التلويح به، فهو حيلة الضعيف والمهزوم الذي يعمد إلى الإنتقام من الأبرياء إن لم يقدر على الخصوم. ثم إن طرد اللبنانيين دون إيفائهم حقوقهم كاملة هو عمل ضد كل الشرائع والأعراف، وبالتالي ينبغي على الحكومة اللبنانية، إن حصل هذا الطرد فعلاً، أن تقوم بالمثل بمصادرة ممتلكات وأصول الأمراء الخليجيين في لبنان واستعمالها للتعويض عن خسائر المتضررين اللبنانيين، وهذا أقل ما ينبغي فعله في حال أصر ابن سلمان على تعنته وصلفه تجاه لبنان واللبنانيين.
walidmarmar@gmail.com
Leave a Reply