بالرغم من الوضع الاقتصادي المتردي في لبنان وما يستتبعه من ضيق وأزمات على المستوى المعيشي والاجتماعي والصحي والبيئي.. لا يزال الوزير السابق مروان خير الدين، الذي التقته «صدى الوطن» في مكاتبها بمدينة ديربورن، يتمتع بتفاؤل ملحوظ تجاه الوضع في لبنان، ويعتبر أن مهمة إصلاح الاقتصاد ليست مستحيلة بالرغم من صعوبتها لاسيما وأن «الإصلاح الاقتصادي لا ينفصل عن الإصلاح الإداري ومكافحة الفساد».
يعتبر خير الدين أن المعالجة الاقتصادية لن تنجح إلا من خلال إشراك القطاع الخاص في إدارة المرافق الحيوية والخدماتية كالكهرباء والماء والهاتف وصولاً إلى إمكانية شق الأوتوسترادات وفقاً لنظام الـBOT. وفي المرحلة المقبلة يعتبر خير الدين أن الحكومة يجب أن تركز على أربعة محاور أساسية لمعالجة الاقتصاد جذرياً:
١- الخصخصة الجزئية، مع أرجحية للقطاع الخاص وهو ما يؤدي إلى وقف الهدر والرشوة وتحسين الإنتاجية والخدمات، وهذا ما تتّبعه معظم دول العالم.
٢- قطاع النفط، الذي من المتوقع أن يغذي خزينة الدولة بمليارات الدولارات، فعلى الدولة وضع خطة لدفع جزء من ديون لبنان المستحقة واستثمار الفائض في مشاريع إنتاجية وإنمائية.
٣- اقتصاد المعرفة، الذي يعتمد على الطاقات اللبنانية المتخصصة والتي أثبتت براعتها في كل المجالات. ويبقى على الدولة أن تُنشئ مراكز أبحاث ومختبرات علمية تقوم بمواكبة هذه الطاقات ومساعدتها عبر تمويل الإبتكارات والإختراعات العلمية إذا اقتضت الحاجة لأن الاقتصاد المعرفي يشكل «قيمة مضافة» تغني المجتمع بكل تشعباته .
٤- وأخيرا الاغتراب، الذي يعتبره خير الدين «الدعامة الأولى» التي منعت الانهيار الشامل وحافظت على الطبقة المتوسطة وحمتها من خطر العوز عبر التحويلات الشهرية. وفي هذا الصدد، يدعو المصرفي المتمرس إلى وضع برامج استثمارية عملية تجذب رؤوس الأموال المغتربة إلى الداخل اللبناني من أجل إقامة مشاريع إنمائية.
رغم الصعاب
يُفرّق خير الدين بين الوضع الاقتصادي والوضع المالي، إذ يرى أن القطاع المصرفي هو العامود الفقري للاقتصاد وهو في أحسن حالاته وفي نمو مستمر بسبب السياسات النقدية التي اتبعها حاكم مصرف لبنان رياض سلامة وأدّت إلى تثبيت سعر صرف الليرة بمواجهة الدولار. وفي المقابل، يعزو خير الدين تعثر الاقتصاد اللبناني، للأحداث التي شهدتها المنطقة العربية على أثر ما سمّي بـ«الربيع العربي»، متسائلاً «من كان يتخيل أن يبقى لبنان لو أنّ سوريا خربت؟».
ويضيف «بالرغم من ذلك، استطاع لبنان الحفاظ على حد أدنى من الاستقرار النقدي كما حافظ على معدلات النمو خاصة في ظل وجود النازحين السوريين وامتناع الدول الغربية عن مساعدة لبنان بشكل جدّي بهذا الخصوص».
لكن مقاربة خير الدين السياسية تختلف بعض الشيء عن مقاربته الاقتصادية أو هي أكثر واقعية، ربما لأنه يأتي من خلفية مصرفية واقتصادية ويملك رؤية إصلاحية هي أقرب لما يرجوه ويتمناه في ظل انعدام الأفق واستشراء الفساد والمحاصصة المذهبية والطائفية على حساب الكفاءة والخبرة. أما في السياسة فهو أكثر مباشرة ويميل للمدرسة «البراغماتية» التي تُدَوّر الزوايا وتَسُوق النتائج لخدمة الرؤية السياسية.
تشكيل الحكومة
لدى سؤاله عن الآثار السلبية على الاقتصاد اللبناني بسبب تأخير تشكيل الحكومة، ودور «العقدة الدرزية» في إعاقة التأليف، ينفي الوزير بأن تكون العقدة الأساسية درزية، «فالعقدة مسيحيةٌ بالدرجة الأولى وسنيّةٌ بالدرجة الثانية ودرزية أخيراً». لأنّ «القوات اللبنانية» تريد حصة تفوق حجمها التمثيلي وتطالب بتطبيق اتفاق معراب عبر تقاسم الحصة المسيحية في الدولة والحكومة بين «التيار الوطني الحر» و«القوات اللبنانية»، علماً بأن اتفاق معراب قد «سقط سياسياً» لأن «القوات» كانت أول من أطلق النار على العهد، بعكس ما ينص الاتفاق، وبكل الحالات فلا يمكن تطبيق اتفاق بين فريقين أو حزبين دون مراعاة الأحزاب والمكونات الأخرى.
والعقدة الثانية برأي خير الدين هي سنيّة لأن الرئيس الحريري لا زال يرفض تعيين وزراء سنّة من خارج فريقه السياسي بالرغم من وجود تسعة نواب سنّة خارج كتلته النيابية من الوزير فيصل كرامي إلى الرئيس نجيب ميقاتي في الشمال وصولاً إلى الوزير عبد الرحيم مراد في البقاع الغربي. أما على الصعيد الدرزي فلا يجد الوزير السابق مبرراً لما يفعله النائب جنبلاط سوى سعيه لتغيير معادلة وقاعدة معمول بها منذ زمن، وهي تقاسم التمثيل بين البيتين الجنبلاطي والأرسلاني. فالحزب الاشتراكي عندما يطالب باحتكار التمثيل الدرزي فهو يطالب بشيء ليس من حقه لأنه لا يستحوذ على حصرية التمثيل النيابي لبني معروف. فكتلة جنبلاط وصلت في ذروتها إلى ١٧ نائباً ثم تراجعت إلى ١٣ نائباً واليوم وصلت إلى ٩ نواب، وعندما كان التمثيل النيابي الاشتراكي في ذروته كانوا يتمثلون بوزيرين فلماذا اليوم يريدون كسر قاعدة معينة متبعة منذ فترة، للحفاظ على التعددية داخل البيت الدرزي؟ يسأل خير الدين.
– لكن ما المشكلة إذا بقي الوزير أرسلان خارج الحكومة؟ ففي عام ٢٠٠٤ أُخرِج جنبلاط من الحكومة ولم يتمثل بأي وزير درزي؟
– يجيب خير الدين بالقول: «لا يجوز تجيير أي طائفة لفريق معين»، ففي حكومة الرئيس عمر كرامي اعتذر جنبلاط عن المشاركة.. علماً بأن الوزير أرسلان شارك وقتها في الحكومة إلى جانب الوزير الراحل عبد الخالق ممثلاً الحزب «القومي» والى جانب الوزير وئام وهاب ممثلاً نفسه…
– تعتبر بأنّ وهّاب يمثل نفسه؟
– في وقتها الوزير وهّاب لم يكن معروفا بعد، وكان قد ترك الوزير أرسلان لتأسيس حركة سياسية خاصة به، أما اليوم فإنه بالطبع يملك حيثية معينة.
– لماذا هذه البرودة في العلاقة بين الوزير أرسلان والرئيس برّي؟ وكيف يخوض الحزب الديمقراطي معركة بوجه حلفائه الذين وقفوا معه في أحلك الظروف؟
– نحن لم نغيّر ولن نغيّر، ونعتبر أن الرئيس نبيه برّي هو صمام أمان في لبنان وسندا لنا ، إنما الظروف شاءت في ظل القانون النسبي الجديد أن تركب تحالفات انتخابية لا تركب بالسياسة. فالقانون «أعوج» لا يترك صاحباً لأحد كما يقال. عتبنا كان على التعاطي معنا كفريق سياسي فالقانون ظلمنا وأُجبرنا على عقد تحالفات انتخابية لا تتماشى ومواقفنا السياسية، فليس هناك ما يجمعنا بتيار المستقبل وبالرغم من ذلك عقدنا معه تحالفاً «خاسراً» في الجنوب بينما عقد جنبلاط تحالفاً رابحاً معه في بيروت والشوف. فالنسبية يجب أن تكون وفق دائرة واحدة على مستوى لبنان وبين فريقين وفقاً لبرامج سياسية واضحة… ومعركتنا في الجنوب لم تكن بوجه الثنائي الشيعي أو الرئيس برّي، إنما كانت بوجه الحزب الاشتراكي على المقعد الدرزي في حاصبيا، مع العلم بأنه كان هناك وعدٌ بأن مقعد حاصبيا سيكون من حصة الحزب الديمقراطي اللبناني ولم أترشح لأني لا أريد خوض معركة بوجه خالي النائب أنور الخليل..
– اعتبر البعض تصريحك بأن الوزير أرسلان يمثل عند الدروز أكثر مما تمثل حركة «أمل» عند الشيعة، محاولة منك للانتقاص من دور حركة «أمل» فيما اعتبره البعض الآخر محاولة لإثارة الفرقة بين الثنائي الشيعي، ألم يكن هناك مثال آخر تعطيه لإظهار حيثية الوزير أرسلان؟
– لا يجب تجزئة الحديث وكأنك تقول «لا إله» دون أن تكمل، ما قلته يُحسب لي وليس عليّ، لأن ما عنيته هو الاقتداء بوعي الثنائي الشيعي وحكمته حيث ضربت مثلاً من خلال هذا الثنائي، وقلت بالرغم من تفاوت الأصوات بين «حزب الله» الذي حاز ٧٨ بالمئة من الأصوات الشيعية على مستوى لبنان وبين حركة «أمل» التي حازت ٢٢ بالمئة من الأصوات فقد تقاسما المقاعد الوزارية مناصفة نتيجة للوعي والحكمة ودعوت جنبلاط للاقتداء بهما.. علماً بأني قلت إنّ جنبلاط لولا الرئيس برَي لكان خسر ثلاثة نواب من كتلته بدءا من بيروت حيث لم يرشح الثنائي الشيعي درزياً على لائحته و في الجنوب أبقى على النائب أنور الخليل وفي الشوف دعم الرئيس برّي مروان حمادة ، فكيف لي أن أنال من قوة برّي التمثيلية وأنا أقول إنّ جنبلاط استقوى علينا بالرافعة التي أمّنها له الرئيس بّري؟
Leave a Reply