حين تفقد المرأة سحرها وبهاءها تلجأ إلى المساحيق وعمليات التجميل. وحين ترتاب برأي الناس في مسلكها، تكثر من الكلام والتنظير. وحينما يبذل الجهد الوضيع، يطلب اللقب الرفيع. وعندما يرتاب الناس بصدق دعواه وحسن نواياه وسلامة منطقه، يرفع الصوت عالياً، ناعقاً ومتشنجاً، لا سيما إذا كان أمامه ميكروفون أو مكبِّر للصوت.
وكلما صغر معاش الموظف كبرت سيارته. وكلما كان الطبيب غشيماً اتسعت لافتة عيادته وكثرت أسماء الجامعات وبراويز الشهادات. وبقدر ما يكون المحامي متواضع المستوى والفهم القانوني يكبر مكتبه ويزداد ضخامة وفخامة.
وعندما يكون الإنسان تافهاً ليس لديه ما يقوله أو يقوم به، يرش صوره على الفيسبوك والإنستغرام مرفقة بتعليقات تؤكد أنه «جوز جوزته» وأنه يتعشى و«يؤركل» في المطعم الفلاني.
الأمر لا يختلف كثيراً عن الناجحين في انتخابات بلدية ديربورن. هذه المدينة التي نعيش فيها ونحبها ونرجو أن لا يكون مصيرنا نحن الساكنون في شرقها، مثل رعايا المختار مسعود.
***
أحبَّ أحد السلاطين أن يحصي عدد رعاياه تنظيماً لأمور الحكم وجباية الضرائب، فبعث بأوامره إلى مخاتير القرى مصحوبة بدفاتر رسمية مختومة بختمه من أجل أن يكتبوا فيها أسماء الرعايا.
كان الحاج مسعود قد عين مختاراً لإحدى القرى النائية لكثرة ما عنده من قمح وشعير في الصيف وتين وزبيب وزيتون في الشتاء.
عندما وصل الدفتر الرسمي أدرك مسعود قيمة نفسه وعلوّ شأنه في سياسة البلاد ومصير العباد. وراح يسجِّل فيه أسماء الموطنين بخط يده بحروف كبيرة جداً، فامتلأ الدفتر بالأسماء حتى آخره وبقي في القرية سبعة أشخاص لم يتَّسع لهم الدفتر.
اهتمَّ الحاج مسعود للأمر وخشي سوء العاقبة إذا قدَّم للسلطان الأسماء ناقصة وهو المسؤول الذي اختاره فخامته لهذه المهمة الجسيمة. وكالعادة جمع وجهاء القرية في منزله على وليمة دسمة فأكلوا وشربوا تحريكاً للأفكار والقرائح، وشرح لهم القضية بأن أسماء فلان وفلان من أبناء القرية لم يتسع لهم الدفتر الذي يحمل ختم السلطان والمسؤولية تقضي علينا بألَّا يكون في قريتنا إنسان إلَّا واسمه مُسجّل في هذا الدفتر، فما العمل؟
طرح أولئك الوجهاء المسؤولون القضية على بساط البحث وقاموا بجولة أفق وتدارسوا الموضوع، وطال بهم البحث وتداول الآراء وامتدت المشاورات حتى المساء، فعقدوا جلسة مفيدة حول عشاء عمل شعوراً منهم بالمسؤولية، فقرروا بالإجماع ما يلي:
لما كان الدفتر الرسمي قد “خلص” بعد أن كتب المختار بخط يده ما كتبه من أسماء الرعايا قياماً بواجبه وتحسساً بالمسؤولية الخطيرة نحو وطنه ورعاياه، ولما بقي في القرية سبعة مواطنين أعزاء لم يتسع الدفتر الرسمي لتسجيل أسمائهم فيه، لذلك ومن أجل المصلحة العامة والشعور بالمسؤولية الوطنية قررنا نحن المسؤولون عن هذه القضية قطع رؤوس المواطنين السبعة كي تكون الأسماء كلها مطابقة لقياس الدفتر الرسمي ولخط المختار المناضل!
نحن المواطنون في شرق مدينة ديربورن، غير الراضين عن خدمات البلدية وأدائها نتمنى أن لا يكون مصيرنا مثل القرويين السبعة في ضيعة المختار مسعود، عبر إهمال مصالحنا وتحميلنا ما لا طاقة لنا به من ضرائب.
Leave a Reply