وأخيراً انعقد «جنيف2» رغم كل محاولات بعض الاطراف لعرقلة انعقاد هذا المؤتمر الذي يعول عليه المراقبون أن يكون بداية لحوار من أجل إيجاد حل للأزمة السورية التي اندلعت منذ ثلاثة أعوام، فيما يرى آخرون أن المؤتمر ليس سوى بداية لمناقشة عالمية حول سبل القضاء على الارهاب الدولي الذي اصطبغت فيه الأزمة والتي حولت الساحة السورية الى مرتع خصب للإرهابيين بمسمياتهم المختلفة والذين ينضوون تحت لواء «القاعدة» أو المنظمات الارهابية المنبثقة عنها.
وزيرة خارجية الإتحاد الأوروبي مع نظيرها السوري خلال مأدبة عشاء في مونترو. |
وفيما كان ممثل الوفد السوري يلقي كلمته في افتتاح المؤتمر، كان الجيش السوري يعلن عن مزيد من الانجازات، أبرزها إعادة تشغيل مطار حلب الدولي وهبوط أول طائرة مدنية (محملة بالصحفيين الأجانب) في المطار الذي ظل مغلقاً لمدة تزيد عن العام، وهو ما يشير الى تحول أمني بارز في الشمال، على وقع اقتتال الفصائل «الإسلامية» المتشددة التي ليس هناك من يتبناها علانية في مؤتمر، باستثناء الوزيرين السعودي والقطري الذي اعتبر في كلمته أن «الوهابية» بلغت القمر.
مؤتمر جنيف
كشفت الكلمات التي ألقيت في مؤتمر «جنيف 2» عن الفجوات الكبيرة القائمة والتناقض المستمر بين النظام السوري و«الائتلاف الوطني» المعارض والدول الداعمة لهما، بشأن مفهوم المرحلة الانتقالية ومكانة الرئيس السوري بشار الأسد، ومن يتحمل مسؤولية العنف في البلاد.
فبعد جلسة افتتاحية عقدت في بلدة مونترو السويسرية وكان وزير الخارجية السوري وليد المعلم نجمها الأول، بدأت الوفود المشاركة مرحلة المفاوضات في مدينة جنيف، حيث من المنتظر أن يقوم الوسيط الأممي الأخضر الإبراهيمي بمهمة شاقة جداً، إذ لم يكن ممكناً إقناع الوفدين بالتفاوض في قاعة واحدة، وسيمضي الإبراهيمي بالتنقل بين قاعتي المعارضة والنظام، وحمل العروض، والعروض المضادة لمدة سبعة أيام حسب البرنامج الموضوع.
لكن المفاوضات السورية-السورية ليست وحدها ما حمل وزراء خارجية ٣٠ دولة للحضور الى سويسرا، التي فجأة استعادت دورها التاريخي في حقبة الحرب الباردة. بل إن وزراء دول مثل أميركا وروسيا وبريطانيا وفرنسا وغيرها ممن اعتادوا في جميع زياراتهم الرسمية على «السجاد الأحمر» الذي يفرش لهم في منترو، جاؤوا تحت عنوان أكثر إلحاحاً، وهو مكافحة الإرهاب الذي بات يشكل هاجساً غربياً حقيقياً مع اندحار المسلحين في سوريا وعودة «الجهاديين الغربيين» الى بلدانهم.
وبعد مرور ثلاث سنوات على اندلاع الأزمة السورية، وما تلاها من تدفق المسلحين الأجانب عبر الحدود التركية والعراقية واللبنانية والأردنية، بات النظام السوري يملك مفاتيح «مكافحة الإرهاب الدولي» وبات التنسيق الأمني معه واجباً على الحكومات الغربية.
افتتح الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون المؤتمر، معربا عن أمله في بدء العملية السياسية لحل الأزمة السورية. وقال: «هناك خلافات بين ممثلي سوريا. توجد اليوم فرصة لإظهار أن سوريا دولة موحدة وهناك فرصة لتحفيز الوفد السوري ودعمه في العمل على تحقيق السلام في سوريا». وقال الأمين العام للأمم المتحدة إن «السلطة السورية والمعارضة يلتقيان لأول مرة لإيجاد حل سلمي للأزمة في سوريا». وأضاف «يمثل المؤتمر فرصة كبيرة لتغيير التاريخ لصالح الشعب السوري».
وزير الخارجية الأميركي جون كيري في حديث جانبي مع نظيره السعودي سعود الفيصل خلال الجلسة الإفتتاحية في مونترو. (رويترز) |
بعد ذلك جاءت كلمة المعلم التي خطفت الأضواء، حيث أكد رئيس الوفد السوري، الذي تشكل من دبلوماسيين كبار، أن نتائج الحوار سوف تعرض لاستفتاء السوريين، معرباً عن أسفه لوجود من أيديهم ملطخة بدماء السوريين بين المشاركين في «جنيف-2». وقال المعلم إن سوريا «تعتز بعروبتها وتتشبث بها رغم ما فعله بها بعض العرب الذين من المفترض أن يكونوا أشقاء». وأضاف أن دولا صدرت الإرهاب إلى سوريا بدأت تعطينا دروس الديمقراطية والتطور والتقدم وهي تغرق في الجاهلية والتخلف وقد اعتادت أن تكون بلادها ملكا لملك أو أمير.
وقد ضرب المعلم عرض الحائط طلب الامين العام للامم المتحدة في شأن الوقت المخصص للكلمة، أي 10 دقائق، حيث تحدث 34 دقيقة بالتمام. لم تفلح أصوات الجرس ولا مقاطعات بان كي مون في ثنيه عن إكمال كلمته وقال له انت تسكن في نيويورك وانا أسكن دمشق، وأكمل خطابه حتى آخر جملة.
لحظة الاصطدام الديبلوماسي الأوضح كانت عندما توجه وزير الخارجية السوري وليد المعلم إلى كيري، قائلا «لا احد في العالم له الحق في إضفاء الشرعية أو عزلها عن رئيس»، فيما دعا رئيس «الائتلاف الوطني السوري» المعارض احمد الجربا الوفد السوري إلى التوقيع على وثيقة «جنيف 1، لنقل السلطة إلى هيئة انتقالية»، وهو ما سارع وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل إلى دعمه، لكن من دون رد من أي من الحاضرين في المؤتمر.
وقال المعلم إن وفد الحكومة السورية جاء إلى المؤتمر للحيلولة دون انهيار منطقة الشرق الأوسط بأكملها، مؤكدا أن الحوار بين السوريين هو الحل. وأضاف مخاطبا نظيره الأميركي جون كيري أنه لا يحق لأحد في العالم عزل الرئيس الشرعي للبلاد باستثناء السوريين.
من جانبه اتهم الجربا نظام الأسد بدعم تنظيم «داعش» في سوريا بطرق مباشرة وغير مباشرة، مشيرا إلى أن «الجيش الحر» تمكن من تطهير مناطق شاسعة في سوريا من إرهاب «داعش»، وأكد الجربا على موافقة «الائتلاف» بشكل كامل على بنود بيان جنيف الأول، داعيا إلى سرعة نقل صلاحيات الأسد إلى هيئة انتقالية. وأضاف أن أي حديث عن بقاء الأسد يعتبر خروجا عن إطار بيان جنيف الأول. وتابع قائلا إن الشعب السوري مصمم على الوصول إلى دولة ديمقراطية تعددية تضمن فيها حقوق جميع المكونات.
كما تحدث في الافتتاح وزراء خارجية روسيا والولايات المتحدة والصين وبريطانيا وفرنسا والسعودية.
وقالت معلومات صحفية أن اللقاء الأول بين وزيري الخارجية الروسي سيرغي لافروف والأميركيّ جون كيري كان عاصفاً بسبب سوريا، وبسبب سحب دعوة إيران في اللحظة الأخيرة إرضاء للسعودية. وأكد لافروف أن غالبية الدول تعدّ مشاركة إيران أمراً مهماً وضرورياً في عملية التفاوض. وبدوره، شكك الرئيس الإيراني حسن روحاني، في فرص نجاح مؤتمر «جنيف 2» من دون مشاركة بلاده.
وأضاف «إن آمالنا ضئيلة أيضاً في أن يؤدي هذا المؤتمر إلى إحلال الإستقرار، ذلك لأن بعض حماة الإرهاب حاضرون فيه، فهنالك دول مشاركة هي التي تسببت بعدم الاستقرار في سوريا، لكننا سنشعر بالسرور لو ساعد المؤتمر شعوب المنطقة وسوريا على ممارسة حريتها وإحلال السلام والاستقرار فيها».
وفي مؤتمرٍ صحافيٍّ بعد الجلسة الإفتتاحية الأربعاء الماضي، شدد وزير الخارجية الأميركيّ على أنّ الحلّ السياسيّ هو الوحيد القابل للحياة في سوريا، لافتاً الى أن المحادثات تتطلب وقتاً طويلاً، كما لفت الى أن عدد الإرهابيين في سوريا غير مقبول، وأكبر من قدرة أيّ دولةٍ على توفير الحماية لمواطنيها.
وبشأن عدم مشاركة إيران في المؤتمر، قال كيري إن طهران لم توافق على مقررات «جنيف 1»، و«لا تتعاون بما يسمح لحل الأزمة»، معتبرا ان «النظام تدعمه إيران ومنظمة إرهابية انتقلت من لبنان إلى سوريا»، لكنه أضاف «ما زال باستطاعة إيران أن تقوم بدور فاعل في حل الأزمة السورية، وانه توجد سبل وفيرة لإمكانية فتح الباب في الأسابيع أو الشهور المقبلة».
وعلى هامش المؤتمر، دخل وزير الاعلام عمران الزعبي قاعة الاعلاميين حيث يتواجد أكثر من 800 صحافي عربي وعالمي، ليقول إن «الأسد لن يرحل». هرولت الكاميرات وحاملوها صوب الوزير. عشرات منها تحلّقت حوله. انهال الجميع عليه بالأسئلة. قال كلمته وخرج. قالها وكأنه يردّ على من طالب في الجلسة الافتتاحية برحيل الرئيس.
وفي تصريح إعلامي آخر حدد وزير الإعلام السوري السقف التفاوضي: «لا ممرات إنسانية بل رفع لمستوى إدخال المساعدات بإشراف الدولة. لا إطلاق شاملاً لسراح الاسرى، بل تبادل لمعتقلين من الجانبين. لا وقف شاملاً لإطلاق النار، بل تفاهمات أمنية يتم من خلالها خروج الجيش والمسلحين من بعض مناطق الاشتباك لتدخل الشرطة السورية. والأهم: لا تنحّي للرئيس».
ولفت الزعبي الى عدم وجود علاقاتٍ مباشرةٍ أو غير مباشرة مع واشنطن، مشيراً الى أنه ما من تواصلٍ أمنيٍّ قبل التواصل السياسيّ.
مؤكدا على وجود تواصلٍ أمنيٍّ بين مدير مكتب الأمن الوطني السوريّ اللواء علي مملوك ودولٍ أوروبية، ورأى أن سوريا تحارب الإرهاب نيابةً عن العالم كلّه.
ومن جانبه، قال هيثم المالح أحد مفاوضي المعارضة، إن الأجواء إيجابية رغم صعوبة اليوم الأول. وتحدث المالح عن عملية مقسمة على مرحلتين يتم فيها أولا الاتفاق على خطوات عملية مثل تبادل المحتجزين ووقف إطلاق النار في بعض المناطق وسحب الأسلحة الثقيلة وإقامة معابر إنسانية ثم النظر بعد ذلك إلى المستقبل السياسي. وقال المالح إن هناك استعدادا دوليا لإنجاح المؤتمر لكن المعارضة لا تعلم ماذا سيحدث، لافتاً الى أن «المعارضة ستنسحب إذا أخذت محادثات جنيف منحى آخر وانحرفت عن مسار الانتقال السياسي تجاه رواية الحكومة التي تقول إنها تحارب الإرهاب».
Leave a Reply