واشنطن – بعد مفاوضات حثيثة مع البيت الأبيض، أقر مجلس الشيوخ الأميركي بالإجماع، منتصف ليل الأربعاء–الخميس، حزمةً تحفيزية غير مسبوقة في تاريخ الولايات المتحدة، بقيمة 2.2 تريليون دولار للحد من آثار الأزمة الاقتصادية الناشئة عن وباء كورونا.
وتتضمن الحزمة التي ستطرح على التصويت في مجلس النواب يوم الجمعة (مع صدور هذا العدد)، صرف شيكات للمواطنين الأميركيين بقيمة 250 مليار دولار، وتخصيص 350 ملياراً كقروض ميسرة للأعمال التجارية الصغيرة، و250 ملياراً للعاطلين عن العمل و500 مليار كقروض واستثمارات للشركات المتضررة من الأزمة، و130 ملياراً للمستشفيات و150 ملياراً للحكومات المحلية، إضافة إلى توفير مليارات الدولارات لشراء المعدات الطبية التي تشتد الحاجة إليها.
شيكات للمواطنين
وبحسب الحزمة المدعومة من الرئيس دونالد ترامب والتي أقرها مجلس الشيوخ بنتيجة 96–0، سيُمنح كل أميركي دافع للضرائب مبلغ 1,200 دولار، و2,400 دولار لكل زوجين، بالإضافة إلى مبلغ 500 دولار لكل طفل دون سن 17 عاماً. لكن، ستبدأ الشيكات تتقلص تدريجياً للأفراد الذين يتجاوز دخلهم السنوي حاجز 75 ألف دولار وللزوجين الذين يتجاوز دخلهما المشترك 150 ألف دولار، فيما لن يحصل من يتخطى دخله الفردي 99 ألف دولار (198 ألفاً للزوجين) على أي من هذه المبالغ.
العاطلون عن العمل
وفي بند أدخله المشرعون الديمقراطيون، سيحصل العاطلون عن العمل على زيادة في مخصصاتهم، بقيمة 600 دولار أسبوعياً على مدى أربعة أشهر، وذلك عدا عن الإعانات التي يحصلون عليها من حكومات الولايات التي يعيشون فيها. وجاءت هذه المخصصات رغم معارضة المشرعين الجمهوريين الذين اعتبروا أن زيادة إعانات البطالة ستشجع الكثيرين على عدم العودة إلى سوق العمل قريباً.
ومع تسريح عدد كبير من الشركات في الولايات المتحدة لموظفيها، بدأت الآثار الاقتصادية المباشرة على ملايين الأميركيين تلوح في الأفق، حيث أعلنت وزارة العمل الأميركية عن زيادة قياسية في طلب إعانات البطالة في الأسبوع الذي انتهى يوم 14 مارس الجاري، وهو رقم مرشح للزيادة بكثير بسبب المغريات التي تتضمنها الحزمة التحفيزية.
ووجد الأميركيون صعوبة في التقدم بطلبات الإعانة خلال الأيام الأخيرة لتعطل المواقع الحكومية التي تقدم هذه الخدمات وخطوط الهواتف التي يتم الاتصال بها نظراً لزيادة عدد المتقدمين.
وتقدم 3.3 مليون أميركي بطلب لإعانات بطالة، وهو ما يمثل أكثر من أربعة أضعاف آخر رقم قياسي سجل عام 1982، بحسب وكالة «أسوشييتد برس».
ومن المتوقع أيضاً، بحسب بعض التقديرات، أن يصل معدل البطلة إلى أكثر من 13 بالمئة بحلول أيار (مايو) المقبل، بعد أن وصل إلى أدنى مستوى له في نصف قرن خلال شباط (فبراير) الماضي مسجلاً 3.5 بالمئة.
مساعدات للموظفين والعمال
وتتضمن حزمة المساعدات 32 مليار دولار على هيئة منح مخصصة لدفع فوائد وأجور العاملين في مجال الطيران الذي أصبح مدمراً بفعل أزمة كورونا.
ومن المقرر أن يحصل المتعاقدون المستقلون والموظفون المؤقتون على المساعدة الفدرالية، كما تتيح لغة القانون أن يحصل الملايين من عمال الدوام الجزئي على مساعدات مالية، كسائقي «أوبر»، و«أمازون».
نصف تريليون للشركات
وبموجب القانون، سيكون بإمكان وزارة الخزانة تقديم قروض وضمانات واستثمارات بقيمة 500 مليار دولار، من بينهم 25 مليار دولار لشركات الطيران، و4 مليار لشركات شحن البضائع جواً، و17 مليار دولار للشركات التي تعمل في مجال الأمن القومي.
مع دخول الاقتصاد الأميركي في حالة تباطؤ، تراجعت أرباح شركات الطيران والمطاعم والفنادق والشركات التجارية المختلفة واضطرت شركات تصنيع السيارات إلى إغلاق بعض مصانعها، وبالطبع انعكس ذلك سلبيا على التوظيف، واضطرت هذه الشركات إلى الاستغناء عن عدد كبير من العمالة.
لا أموال للمسؤولين
ويمنع القانون كل من المسؤولين المنتخبين وأقاربهم من الحصول على أي أموال من برنامج الـ500 مليار دولار.
لذلك لن يستطيع الرئيس الأميركي دونالد ترامب أو نائبه، وأعضاء الكونغرس، وأزواجهم، وأولادهم، وصهورهم من الحصول على المال. وينطبق هذا الحكم على أي شخص يملك حصة 20 بالمئة أو أكثر في أي شركة.
لا أموال للسياج الحدودي
كما ستحصل وزارة الدفاع على مبلغ 1.2 مليار دولار مخصصة لجهود الحرس الوطني في مكافحة فيروس كورونا. كما تم تفعيل أكثر من 10 آلاف عنصر من الحرس الوطني حتى الآن.
وتم تخصيص مليار دولار إضافية للنفقات المنضوية تحت قانون المشتريات العسكرية، وسيمنع تحويل هذه الأموال لأعمال مكافحة المخدرات، ما يعني لا أموال للسياج الحدودي الذي يريد ترامب بنائه على الحدود المكسيكية–الأميركية.
تعليق أقساط ديون الطلبة
ووفقا لمشروع القانون، فإن وزارة التعليم ستعلق أقساط الطلبة الذين استدانوا من أجل دفع مصاريف جامعاتهم، بدون التعرض لأية عقوبات وذلك حتى تاريخ 30 أيلول (سبتمبر).
وخصص القانون مبلغ 324 مليون دولار لأجل وزارة الخارجية، بالإضافة إلى أموال مخصصة لنفقات الإخلاء من البلدان الأخرى، فيما لم يتم تحديد الأشخاص المقرر إخلاؤهم سواء كانوا دبلوماسيين أو مواطنين أميركيين عاديين خارج البلاد، أو الاثنين معاً.
وسيمنح القانون أيضاً مبلغ 324 مليون دولار للبرامج الدبلوماسية، و258 مليون للمساعدة في حل الكوارث الدولية، و350 مليون دولار للهجرة ومساعدة اللاجئين، و95 مليون دولار لنفقات الوكالة الأميركية للتنمية الدولية.
ويتضمن القانون حماية للمستأجرين، تمنع طردهم من البيوت في حال فشلوا في دفع الإيجارات، حيث سيتسامح القانون مع عدم القادرين على الدفع بسبب آثار فيروس كورونا لمدة 60 يوماً، يمكن أن يتم تمديدها إلى أربع فترات كل واحدة منها تصل إلى 30 يوماً.
ردود فعل
زعيم الأغلبية الجمهورية في مجلس الشيوخ السناتور ميتش ماكونيل قال معلقاً على الاتفاق «بعد أيام من المناقشات المكثفة توصل مجلس الشيوخ إلى اتفاق بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي على خطة دعم تاريخية في مواجهة هذا الوباء».
وأضاف ماكونيل أن الاتفاق «سيسمح بإرسال وسائل جديدة بسرعة إلى جبهة المعركة الصحية التي تخوضها بلادنا، وسيضخ تريليونات الدولارات من السيولة في الاقتصاد في أسرع وقت ممكن لمساعدة العائلات والعاملين الأميركيين والشركات الصغيرة والصناعات على اجتياز التقلبات».
من جانبه، رحب زعيم الأقلية الديمقراطية في مجلس الشيوخ تشاك شومر أيضاً بالاتفاق الذي توصل إليه الحزبان بشأن «أوسع خطة إنقاذ في التاريخ الأميركي».
شومر أوضح أن هذه الإجراءات تستجيب «لأربع أولويات» وقال إنها «ستقدم بسرعة، مساعدة مالية للأميركيين عبر شيكات تدفع مباشرة للعائلات من الطبقة الوسطى» وإلى أصحاب المداخيل الأقل، إلى جانب تحسين تعويضات البطالة.
وعبر شومر عن ارتياحه لأن الموظفين والعاملين المستقلين الذين توقفوا عن العمل سيتلقون «في المعدل رواتبهم الكاملة لأربعة أشهر».
وقال «في هذا الوضع الصعب، ستقدم (الخطة) دعما تاريخيا للاقتصاد الواقعي الأميركي عبر مليارات الدولارات من القروض العاجلة ليتمكن مزيد من الشركات الصغيرة من البقاء ومواصلة دفع الأجور لموظفيها».
وأضاف أن الخطة «ستسمح أيضاً بتعزيز قواعدنا الاقتصادية وضمان استقرار قطاعات وطنية أساسية لمنع إجراءات تسريح قدر الإمكان، مع إلزام الشركات الكبيرة على تقديم حساباتها».
وتابع أن الخطة «ستقدم بطبيعة الحال مساعدة كبيرة للمستشفيات وستستثمر في علاجات جديدة ولقاحات لنتمكن من دحر هذا الفيروس في أسرع وقت ممكن وإرسال مزيد من التجهيزات والأقنعة إلى الأبطال على الجبهة الذين يعرضون حياتهم للخطر للعناية بمرضاهم».
ثلاثة أشهر
وزير الخزانة الأميركي، ستيفن منوشين، قال إن حزمة المساعدات القياسية مصممة لدعم الاقتصاد الأميركي لمدة ثلاثة أشهر.
وقال: «نعتقد أن المساعدات ستكفي لثلاثة أشهر. نأمل ألا نحتاجها، نأمل أن تنتهي هذه الحرب بشكل أسرع، لكننا نتوقع أن تغطي هذه الأموال الكبيرة احتياجات الاقتصاد». وأضاف، أن جزءاً كبيراً من هذه الأموال سيتم توزيعها كقروض، وستتم إعادتها إلى الميزانية.
وتأتي حزمة الإنقاذ بعد حزمتين أخريين تحولتا إلى قانون في وقت سابق من الشهر الجاري. وتبلغ الأموال التي قد يتم إنفاقها بالحزم التحفيزية قرابة نصف المبلغ الذي تنفقه الحكومة الأميركية سنوياً، والبالغ نحو 4.7 تريليونات دولار.
ومن المتوقع أن ينكمش الاقتصاد الأميركي في الربع الثالث من العام الجاري بحوالي 30 بالمئة.
ويستعد الاحتياطي الفدرالي لضخ تريليونات الدولارات في النظام المالي الأميركي لدعم الاقتصاد الأكبر في العالم في مواجهة تداعيات فيروس كورونا.
ويتخذ الفدرالي والإدارة الأميركية إجراءات غير مسبوقة فاقت ما تم اتخاذه أثناء الأزمة المالية العالمية عام 2008، وذلك ما يعكس وجود حدث غير تقليدي.
ويعد الفدرالي بصدد تنفيذ برنامج لشراء الأصول بحجم غير محدود بالإضافة إلى توسيع برنامج مبادلة الدولار مع بنوك مركزية عالمية.
وذكر محللون لوكالة «بلومبرغ» أن الفدرالي يستعد لزيادة حيازته من السندات والأوراق المالية من 4.7 تريليون دولار إلى تسعة أو عشرة تريليونات دولار.
Leave a Reply