واشنطن – رغم تحذير خبراء الصحة من خطر تجدد وباء كورونا، بدأت 31 ولاية أميركية الأسبوع الماضي بإعادة فتح اقتصادها تدريجياً، مدفوعة بضغوط الرئيس دونالد ترامب وتحذيراته من أن إطالة عملية الإغلاق قد تسبب دماراً حاداً في اقتصاد البلاد. في المقابل، قدّمت الأغلبية الديمقراطية في مجلس النواب الأميركي حزمة إنقاذية جديدة بقيمة 3 تريليون دولار في إطار الاستجابة لوباء «كوفيد–19»، إلا أن الجمهوريين الذين يسيطرون على مجلس الشيوخ سارعوا إلى رفض الخطة باعتبارها وصفة لركود اقتصادي عميق.
وقال وزير الخزانة الأميركي ستيفن منوتشين، الأربعاء الماضي، إن إعادة فتح الاقتصاد يجب أن تتم ببطء، مؤكداً أن «هنالك خطورة إذا تمهلنا كثيراً، وهذه الخطورة تتمثل بتدمير الاقتصاد الأميركي».
أتت تصريحات منوتشين تزامناً مع ارتفاع قياسي في معدلات البطالة في الولايات المتحدة وسط تقارير عن فقدان الاقتصاد الأميركي نحو 20 مليون وظيفة بسبب وباء كورونا. كما شهد الناتج المحلي الإجمالي للدولة ذات الاقتصاد الأول في العالم تراجعاً بنسبة 4.8 بالمئة في الفصل الأول، وهو أقسى انخفاض منذ الفصل الرابع لعام 2008 (والذي بلغ 8.4 بالمئة)، غير أن التوقعات للربع الثاني تبدو أشد قتامة بكثير، بحسب الخبراء.
إعادة فتح الاقتصاد
دافع ترامب عن توجيهاته بإعادة فتح النشاطات الاقتصادية في الولايات، وقال إن أرقام الإصابات تنخفض في غالبية أجزاء البلاد، حيث تتنامى الرغبة بإعادة فتح الولايات مرة أخرى.
وأضاف «أن كل حاكم لديه موافقات مسبقة على التعامل مع أزمة كورونا، وأنا سعيد لهم جميعاً، ولم يكن في جميع الأحوال الوصول لهذه الأرقام والنجاحات من دوني أو مساندة الحكومة الفدرالية، سواء من خلال أجهزة التنفس أو أجهزة الفحص. استطعنا تحقيق ذلك».
وكان قد بدأ العديد من الولايات الأميركية بتخفيف إجراءات الإغلاق وإعادة النشاطات الاقتصادية إلى العمل ولكن وفق ضوابط صحية، وتخفيف التجمعات ما أمكن، وسط مخاوف من موجة انتشار ثانية لفيروس كورونا.
وتعد الولايات المتحدة التي أحصت أول وفاة بكورونا في مطلع شباط (فبراير) الماضي، البلد الأكثر تضرراً من حيث عدد الوفيات، مع أكثر من 86 ألف وفاة من أصل 1.45 مليون إصابة بحلول 14 أيار (مايو) الجاري.
وباشرت معظم الولايات، لاسيما تلك التي يحكمها الجمهوريون، بفتح اقتصادها تدريجياً مثل تكساس وإنديانا وآيوا حيث يمكن للسكان حالياً الذهاب إلى صالون التجميل والنوادي الرياضية ودور العبادة، لكن في المقابل لا تزال هناك ثماني ولايات لم تحدد بعد، موعداً أو خطة واضحة لإعادة فتح الاقتصاد، وهي: كاليفورنيا، واشنطن، نيويورك، نيوجيرزي، ميشيغن، إيلينوي، ماريلاند وديلاوير.
ويشير بعض خبراء الصحة إلى تخوفاتهم وقلقهم من بعض الولايات التي يرون أنها فتحت مبكراً جداً، ويحذرون من جولة ثانية من عودة الإصابات والوفيات مما سيؤدي في النهاية للاضطرار إلى العودة نحو الإغلاق.
ودافع ترامب عن موقفه بالقول «قدرتنا على إجراء فحوص هي الأفضل في العالم على الإطلاق، والإصابات تتراجع في معظم مناطق البلاد الراغبة في رفع القيود وإعادة تحريك الاقتصاد. وهذا ما يحصل بكل أمان».
وقال ترامب، الأربعاء الماضي، إنه تفاجأ بتصريحات خبير الأمراض المعدية وعضو فريق البيت الأبيض في أزمة كورونا، أنتوني فاوتشي، بشأن المخاطر الناجمة عن إعادة فتح الاقتصاد الأميركي بسرعة. وأضاف ترامب في تصريح لصحفيين بالبيت الأبيض، معلقاً على التحذيرات التي أوردها فاوتشي في شهادته أمام الكونغرس، الثلاثاء المنصرم: «بالنسبة لي فإنها إجابة غير مقبولة».
وفي جلسة استماع أمام الكونغرس، حذر فاوتشي من أن الولايات التي تتحرك بسرعة كبيرة لإعادة تشغيل اقتصاداتها، ستعرض نفسها لخطر تفش جديد قد يكون من الصعب السيطرة عليه، مشيراً إلى أنه يجري حالياً اختبار ثمانية لقاحات محتملة على الأقل ضد الفيروس.
جلسة الاستماع التي استمرت ساعتين أمام لجنة في مجلس الشيوخ، بعنوان «كوفيد–19: العودة بأمان إلى العمل وإلى المدرسة»، شكلت الفرصة الأولى للمشرعين لطرح أسلئة على كبار مسؤولي الصحة منذ حالة الطوارئ الوطنية قبل شهرين، لكن الديمقراطيين انتهزوا أيضا الفرصة للتركيز على أوجه القصور في رد إدارة دونالد ترامب على الوباء حتى الآن.
وفي مجلس النواب الذي يسيطر عليه الديمقراطيون، أدلى مسؤول حكومي سابق، قال إنه أقيل من منصبه بسبب إبدائه مخاوف إزاء مدى الاستعداد لمكافحة فيروس كورونا، بشهادته أمام الكونغرس محذراً من «أسوأ وباء» في العصر الحديث ما لم تحسن الولايات المتحدة استجابتها للجائحة.
وأقيل ريك برايت، الشهر الماضي، من منصب مدير هيئة أبحاث وتطوير الطب الحيوي التابعة لوزارة الصحة والخدمات الإنسانية الأميركية والمعنية بتطوير عقاقير لمكافحة فيروس كورونا. وقال برايت في إفادته أمام لجنة بمجلس النواب الأميركي: «يتعين أن نقوم بما علينا بحرص وبالاسترشاد بأفضل العقول العلمية. فرصتنا تتضاءل. إذا أخفقنا في تحسين استجابتنا الآن، بناء على العلم، أخشى أن تتفاقم الجائحة وتستمر لفترة طويلة».
وفي ظل إصرار إدارة ترامب على إعادة فتح الاقتصاد، أصدرت «مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها» (سي دي سي) التابعة لوزارة الصحة، الخميس الماضي، إرشادات جديدة لمساعدة أصحاب الأعمال والمدارس في تحديد الوقت المناسب لاستئناف نشاطهم.
وتجيب الإرشادات بـ«نعم» أو «لا» على مدى استعداد أماكن العمل والمطاعم والحانات والنقل الجماعي ورعاية الأطفال والمخيمات والمدارس لإعادة فتح أبوابها.
وتدعو الوكالة هذه الجهات إلى العمل مع مسؤولي الصحة في الولايات وعلى المستوى المحلي لاتخاذ القرارات المناسبة.
وعلى سبيل المثال، عند تحديد ما إذا كان يجب فتح مطعم أو حانة، يٌسئل صاحب العمل عما إذا كان فتح المكان سيكون متسقاً مع الأوامر الصادرة على المستوى المحلي والولاية، وما إذا كان المكان مؤهلاً لحماية الموظفين المعرضين لخطر الإصابة بأمراض شديدة. وإذا كان الجواب بـ«لا»، يُنصح بعدم استئناف النشاط في الوقت الحالي. وتطلب «سي دي سي» من أصحاب الأعمال الذين سيكون بمقدورهم استئناف النشاط أن يفرضوا ارتداء الموظفين للأقنعة وغسل أيديهم والتنظيف المستمر لأماكن العمل، ومراقبة الحالة الصحية للعاملين وإبقاء من يشعر بالمرض منهم في المنزل.
حزمة الديمقراطيين
أصدر الديمقراطيون في مجلس النواب الأميركي –الثلاثاء الماضي– أحدث مشروع قانون لهم يهدف إلى تخفيف الآثار المدمرة لوباء فيروس كورونا على الاقتصاد ونظام الرعاية الصحية في الولايات المتحدة. غير أن الخطة التي تبلغ قيمتها 3 تريليون دولار، قوبلت بمعارضة جمهورية قد تؤدي إلى وأدها أو على الأقل تأجيلها إلى حين ظهور نتائج الحزم الإنقاذية السابقة التي أقرها الكونغرس ووقعها الرئيس.
ويتوقع قادة الحزب الديمقراطي إقرار الحزمة التي تضم أكثر من 1,800 صفحة، في جلسة تعقد يوم الجمعة (مع صدور هذا العدد)، حيث تعتزم رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي، تمرير الحزمة التي تفوق قيمتها الحزمة التحفيزية التي أقرت في أواخر مارس بقيمة تريليوني دولار.
ويشمل المشروع، حوالي تريليون دولار من الإغاثة للولايات والحكومات المحلية، وجولة ثانية من الشيكات المباشرة للأميركيين بقيمة 1,200 دولار للشخص وما يصل إلى ستة آلاف دولار للأسرة الواحدة، وحوالي 200 مليار دولار من المدفوعات للعاملين الأساسيين الذين يواجهون مخاطر صحية هائلة خلال الأزمة، فضلاً عن 75 مليار دولار لاختبارات كورونا وتعقب الاتصال، إلى جانب تمديد التأمين الفدرالي للبطالة وتبلغ قيمته 600 دولار في الأسبوع حتى كانون الثاني (يناير) 2021، بعد أن كان مقرراً أن ينتهي في تموز (يوليو) القادم، فضلاً عن 175 مليار دولار كمساعدات للعائلات على دفع فواتير الإيجار وقروض المنازل والكهرباء والغاز والماء.
كما يقترح المشروع الديمقراطي الإعفاء من الديون الطلابية، بالإضافة إلى تقديم مساعدات إلى مختلف الفئات، بمن فيهم المزارعون ومستأجرو وأصحاب المنازل والموظفون في قطاع الطيران وسكك الحديد، وتمديد التأشيرات للمهاجرين.
ويقول الديمقراطيون إن ارتفاع معدلات الإصابة بفيروس كورونا ومعدل البطالة غير المسبوق منذ الكساد الكبير، يتطلبان إضافة المزيد إلى الاستجابة الحكومية الطارئة غير المسبوقة أصلاً. ولفتت بيلوسي إلى أن مشروع القانون الجديد يعتمد غالباً على التشريعات الأربعة الماضية التي تم تبنيها لدعم الاقتصاد الأميركي على خلفية أزمة تفشي كورونا، مؤكدة أن الشعب الأميركي يستحق هذه الحزمة.
في المقابل، قلل الحزب الجمهوري من الحاجة إلى إنفاق المزيد من الأموال الفدرالية قبل ظهور نتائج الحزم السابقة التي تم إقرارها استجابة لأزمة وباء كورونا.
وقال النائب الجمهوري عن تكساس كفين برايدي إن الديمقراطيين مهتمون بمصالحهم السياسية أكثر من مصلحة 33 مليون أميركي يمكن أن يفقدوا وظائفهم إلى الأبد، في إشارة إلى العاطلين عن العمل مؤقتاً بسبب أزمة كورونا. وأضاف أن كلمة «القنب» (الماريوانا) وردت في نص مشروع القانون، أكثر من كلمة «الوظائف»، مؤكداً أن الديمقراطيين يقدمون «وصفة لركود اقتصادي عميق».
وفي معرض تعليقها على الموقف الجمهوري، شددت بيلوسي على أن «المجاعة والديون وصعوبة فقدان الوظائف ومأساة فقدان الأهالي لا تتحمل أخذ فاصل»، محذرة من أن عدم التصرف حالياً سيمثل الخيار الأكثر كلفة في المستقبل.
Leave a Reply