بقلم: صخر نصر
تراودني منذ زمن بعيد فكرة ممارسة هواية الصيد، فلقد نشأت في مجتمع يعتبر الصيد البري فيه أمراً بديهياً بحكم توفر المساحات الخضر الشاسعة والطيور البرية والأرانب وطبعاً بنادق الصيد المعلقة على جدران المنازل كأحد الأساسيات، مثلها مثل القدر في المطبخ، إذ لا يكاد يخلو بيت في قريتنا من بندقية.
تجاربي مع الصيد برفقة الأصدقاء المهوسين بمطاردة الطيور والأرانب لا يتعدى عددها أصابع اليد الواحدة، وكان أطرفها رحلة قمنا بها مطلع التسعينيات حيث أعددنا العدة وتوجهنا الى البادية.
نحو عشرين شخصاً من هواة الصيد والطبيعة، انطلقنا من دمشق باتجاه البادية الممتدة بين السلمية والرقة (وسط سوريا). وصلنا منتصف الليل إلى نقطة البداية، وتوقفنا أمام معضلة لم نحسب حسابها وهي جهلنا بالبادية وطرقها وافتقارنا لمعدات الإرشاد اللازمة، فكان لابد من الاستعانة بدليل من أهل المنطقة، فبحثنا قرابة الساعة حتى عثرنا على ضالتنا وكان خبيرا في الصحراء وطرق الصيد وأماكن تواجد الحمام البري والشحرور والزرازير وحتى أماكن مرور أسراب البط البري التي تأوي الى المسطحات المائية والسبخات الموجودة في البادية.
وسط الظلام، انطلقت سيارات الدفع الرباعي لعدة ساعات تشق طريقها في البادية حتى اقترب بزوغ الفجر وأوصلنا الدليل الى احدى السبخات (مسطح مائي في البادية) حيث تشاورنا في إعداد كمين نتوزع فيه الى حين انبلاج الفجر للانقضاض على الطيور التي اختلط صياحها وهديها وزقزقتها بنقيق الضفادع.
بين أخذ ورد ونقاش حول جدوى الكمين وكمية الطيور التي يمكن اصطيادها، تجاهلنا نصائح الدليل بضرورة البقاء في مكاننا وانطلقنا باتجاه موقع آخر سمع عنه أحد الصيادين المحترفين أنه معروف بموقع الحباري (طائر يشبه الاوز). ولما وصلنا اليه قبل شروق الشمس بقليل توقفنا لشرب القهوة واعداد الخطة وبحثنا في الفضاء الواسع وسط سكون مطبق إلا من جلبتنا فلم نجد شيئاً يتحرك.. تبادلنا نظرات الخذلان والتقت عيوننا مع الدليل الذي ابتسم، وقال «نصحتكم».
تابعنا السير وسط ضحكات بعضنا وامتعاض آخرين حتى رحنا «نفش خلقنا» بعصفور هنا وسحلية هناك، ومضت الساعات وانتصف النهار ولم نحصل على صيد بل كانت كل حصيلتنا بضع حمامات وعدداً من العصافير الصغيرة وأمضينا بقية النهار في البحث بين مضارب البدو عمن يصلح لنا اطارات سياراتنا التي عانت الأمرين من مطبات الطرق الوعرة.
الاسبوع الماضي عاد بي الحنين الى الصيد مجددا بعد أن شاهدت صيادي الاسماك على ضفاف النهر، فقلت في نفسي ربما لم افلح يوما في الصيد البري فلماذا لا أجرب صيد الأسماك، فاشتريت صنارة واستعرت باقي العدة من أحد الأصدقاء وانطلقت الى النهر في مدينة وايندوت، حيث لبست قبعة -حسب الطقوس المعتادة- ووقفت بين العشرات من زملائي الصيادين ورميت صنارتي بثقة ورحت انتظر…
مضت ساعة.. واثنتان.. ولم تتحرك الصنارة، أعدت رميها بعد التأكد من الطعم مراراً وتكراراً، وكانت في كل مرة تعود فارغة حتى أخذ مني التعب مأخذه، فلففت أغراضي وقررت العودة الى البيت.
في آخر الرصيف، تفاجأت بأحد الصيادين الفرحين وهو يحمل سمكة كبيرة يقارب وزنها العشرين باونداً، وقد أخرجها للتو من النهر، تزاحمنا لحمل السمكة والتقاط الصور معها، وبدلا من أن أحضر لزوجتي سمكا طازجا لوجبة العشاء جلبت لها صورة تذكارية.
Leave a Reply