بقلم: فاطمة الزين هاشم
اليتيم هي كلمة تحرّك المشاعر وتلهبها، وتعصر القلوب الرحيمة، لما لها من تأثيرٍ ووقع موجِع لدى سماعِها، وليس أدلّ على ذلك من تنبيه وإشارة الرسول محمّد (ص) حين قال: «إذا بكى اليتيمُ اهتزَّ له العرش»، فحينما يُتوفّى أحدُ الوالدين أو كلاهما ليصبحَ الأبناء –أولاداً أم بنات– أيتاماً، يتسرّب الحزنُ إلى قلوبِهم الغضّة، وتعتصرهم الحسرة وهم في يفاعة الطفولة البريئة، ألماً على مَن فقدوا، فيبدأون حياةَ الإنكسار، حيث تُلقي الفجيعة على حياتهم، ظلالَها السود.
لكنّ ما يخفّف من ثقل الوطأة، ويثلج الصدور انبراء عددٍ لا بأسَ به من أهل الخير، في إضفاء لمسات الحنان على حياتهم، وشمولهم بشآبيب الرحمة، وتقديم العون والمساعدات سواءً المادّيّة أو المعنويّة لهم، ممّا يسهم في إعادة التوازن لحياتهم، وانتشالهم من بين براثن مختلف التوقّعات السلبيّة، حتّى يصل الأمر ببعضِ العوائل الخيّرة إلى تبنّي قسمٍ منهم، فيحميهم هذا التبنّي، من العوز والضياع في دهاليز الحياة المظلمة.
هذا من ناحية اليتيم الذي يفقد والديه، أو أحدهما، لكن كيف بالطفل الذي يحيا حياةَ اليُتم ووالداهُ على قيد الحياة؟ حيث في حالة انفصال الأبوين، فإنه لايمكن التغاضي عن شعور الإبن أو الإبنة باليتم، حتّى ولو كان شعوراً خفيّاً دفيناً، إذ يعيش الأبناء في جهة أو كنفٍ واحد، سواءً مع الأب أو مع الأم، فيبدأ الصراع الداخلي، وتشتّت الأفكار لديهم، والإحساس بالحرمان من الدفء العائلي المكتمل، ذلك الحرمان الذي يُفقدهم نعمة الإستقرار النفسي، ويُشيع في نفوسهم الخوف من المستقبل، وهنا يبدأ الوجه الآخر من اليُتم بالظهور، لأنّ أحد جناحي الجهة التي تكفّلت بهم قد فُقِد من حياتهم، فأصبحوا أيتاماً حقيقيّين، بسبب فقدان وجود الأب أو الأم بينهم، فلا الأمّ تعوّض عن وجود الأب، مثلما لا يعوّض الأب هو الآخر عن وجود الأم، ذلك لأنّ كليهما مكمّلٌ للآخر في إبعاد وحجب مشاعر اليُتم عن الأبناء.
في مقابل وجود الخيّرين من أبناء مجتمعنا ممّن يساعدون أو يتبنّون الأيتام، وهم ذوو الأخلاق الرهيفة، رأيتُ أثناء تجوالي بين أنماط عديدة مبثوثة بين مجتمعنا أيضاً وهم ذوو الأخلاق الغليظة، حيث يسهمون بدرايةٍ أو دونها في خلق اليُتمِ الآخر الناتج عن انفصال الأبوين، وهم يدّعون الفضيلة، بينما هم يتحبّطون بوحل الخطيئة، إذ يعتقدون أنّ الأب إذا وفّر لأبنائه متطلّبات السكن والطعام، فإنّ ذلك يكفي أداء واجبه عند هذا الحد، وينسون أنّ الرعاية والحنان الأبويّ لايُضاهيان مال الدنيا وخزائن الأرض.
رفقاً بأولادكم بنيناً وبنات، أيّها الأهل، كونوا لهم الحضن الكبير الذي يضمّهم، واليد الحانية التي تساعدهم على اجتياز الحياة، والقلب الذي يغمرهم بالعطف والرعاية، عندها ستقطفون مازرعتم، فإن زرعتم في نفوسهم الخير تحصدونه، أمّا إذا زرعتم فيهم الذلّ فستحصدونه لا محالةً.
Leave a Reply