ديربورن – علي حرب
دعا أبناء الجالية العربية اليمنية الأميركية إلى تبنيّ الوحدة والحوار فـي وطنهم عقب حمأة التوترات المذهبية والسياسية التي تغلي فـي صنعاء بعد سيطرة الحوثيين على العاصمة فـي الأسبوع الماضي. وكان الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي قد حذر من اندلاع حربٍ أهلية فـي أعقاب اندفاع المسلحين الحوثيين إلى صنعاء. والحوثيون، الذين هم من فرقة الزيدية، بدأوا احتجاجات سلمية مطلبية استقطبت فئات واسعة من اليمنيين بعد ارتفاع أسعار الغاز فـي الشهر الماضي. وبعد سيطرتها على مرافق حساسة من العاصمة، وقد وقعت «الحركة الحوثية» على إتفاقٍ مع الحكومة من شأنه أن يضمن خفض الأسعار، ولكن مقاتليها تمركزوا فـي مواقع أكثر فـي صنعاء مطالبين الحكومة بالإستقالة.
كما وُصف الصراع على السلطة بين «الحوثيين» والحكومة والفصائل السلفـية وتلك المرتبطة بتنظيم «القاعدة» كمواجهة غير مباشرة بين السعودية وإيران.
وان ما يخشاه البعض هو أن الصراع بين طهران والرياض قد يضع اليمن من جديد فـي دوامة صراع طائفـي يهدد بإدخال البلاد فـي حرب أهلية على غرار ما يجري فـي بلدان أخرى بالمنطقة، وذلك وفقاً لتقريرٍ أوردته وكالة «رويترز» الإخبارية فـي نهاية أيلول (سبتمبر) الماضي.
وإلى جانب «الحوثيين»، تواجه الحكومة اليمنية تمرداً من قبل متطرفـين إسلاميين على صلة بتنظيم «القاعدة» كما تواجه تصاعداً فـي وتيرة الحراك فـي الجنوب والذي يطالب بالانفصال وإقامة دولته المستقلة.
وقال الكاتب الأميركي اليمني محمد تركي إنَّ الحل لمشاكل اليمن هو بالوقوف وراء دولة مدنية عادلة من شأنها الحفاظ على حقوق جميع المواطنين بالتساوي.
فـي عام ٢٠١١ شهد اليمن احتجاجاتٍ مؤيدة للديمقراطية مستوحاة من «الربيع العربي». أُطلق عليها اسم «ثورة الشباب»، وأدت الانتفاضة إلى تنحية الرئيس علي عبد الله صالح، الذي حكم البلاد لمدة ٣٢ عاماً. وتم استبدال صالح فـي عام ٢٠١٢ بنائبه عبد ربه هادي، فـي صفقة إقليمية برعاية سعودية كان من المفترض أنْ تضمن وجود حكومة انتقالية شاملة.
ولكن الاضطرابات االمنفلتة والعنف الذي يجتاح البلاد، جعل حلم المطالبين بالديمقراطية والإصلاح يبدو بعيد المنال.
وقال التركي «ليس لدينا خيار بديل عن الحوار ويجب على جميع الفصائل التخلي عن أسلحتهم الثقيلة. فلا يمكننا دعم سلطة الدولة عندما يكون لدى المليشيات دبابات تجوب العاصمة».
ولاحظ التركي «استقبال المتمردين الحوثيين بالحد الأدنى من المقاومة والإدانة الدولية عندما أحكموا الطوق على صنعاء». وأضاف إنَّ خطوة دخول المسلحين «الحوثيين» إلى العاصمة تم قبولها من قبل القوى الإقليمية وعناصر فـي الجيش التي ترغب فـي إضعاف حزب «الإصلاح» وهو الحزب الذي قال انه مرتبط بالإخوان المسلمين. وأردف تركي «أن قطاعات من نظام صالح كانت راضية بالسماح لـ«الحوثيين» بالاستيلاء على العاصمة بسهولة، كما أن الجيش اليمني كان منقسماً على نفسه وبعض الألوية التابعة له لا تزال موالية لصالح».
ويُتَّهم «الحوثيون» انهم ذراع إيران فـي اليمن، لكن التركي يرفض التشكيك فـي ولاء «الحركة الحوثية» للوطن، وأوضح قائلاً «الحوثيون هم يمنيون ولكن فـي نهاية المطاف يجب أن يسلموا أسلحتهم وينضموا إلى سلطة الدولة».
أما عن الآمال الكبيرة بعد ثورة الشباب عام ٢٠١١، فقد قال التركي يبدو أن طموحات الانتفاضة غير قابلة للتحقيق الآن، واستطرد، وهو بادي الانزعاج «إنَّ ثورة الشباب انتهت. كانوا يطالبون بدولة مدنية وديمقراطية بينما الميليشيات تسيطر الآن على كل شيء، على غرار ما يحدث فـي ليبيا».
وأكد وليد فدامه، عضو الجمعية الوطنية لليمنيين الأميركيين «يانا»، على كلام التركي حول تعثر الانتفاضة، مضيفاً أن المتظاهرين خدعوا وضللوا من قبل السياسيين الذين وعدوهم كذباً بتلبية مطالبهم.
وأضاف «أُجهضت الثورة فـي مهدها. الناس خرجوا للتظاهر بشجاعة فـي الأيام الأولى للثورة، لكنهم سلموا قضيتهم بعد ذلك للسياسيين، والسياسيون الفاسدون لا يفعلون سوى ما يحقق مصلحتهم على حساب المتظاهرين الذين كانوا الضحايا. لقد أراد الشباب تحسين عمل الدولة، محاربة الفساد والمحسوبية وتحقيق الديمقراطية، ولكن العقلية القديمة ظلت سائدة، بل تغيرت الأمور إلى الأسوأ، حتى أن بعض الناس باتوا يترحمون على أيام صالح. معظم الثوار غير راضين عن الوضع الحالي».
وقلل فدامة من خطر تقدُّم «الحوثيين» نحو العاصمة، وقال «أنا لا أفهم لماذا بعض الناس يتنادون بالويل والثبور وعظائم الأمور كما لو ان «الحوثيين» جاءوا من كوكب آخر. انهم يمنيون من أبناء الشعب اليمني، ولهم الحق فـي الدعوة للتغيير بالطريقة التي يعتبرونها الأفضل لتحقيق مصالح الناس ومصالحهم».
ومع ذلك، اعترف فدامه بأنه كان أمراً محيراً رؤية مدى سهولة سيطرة المتمردين على العاصمة. وأشار «لا أحد يعرف ما يجري إعداده خلف الأبواب المغلقة. حتى خطاب الرئيس كان مربكاً». وأعرب فدامه عن اعتقاده بأنه لن يكون واقعياً إذا أنكر حقيقة أن القوى السياسية المتصارعة فـي بلاده لها أنصار وداعمون إقليميون بأجندات مختلفة، «وإنما هي مسؤولية اليمنيين للتأكد من أنْ لا تصبح بلادهم مرتعاً لحرب بالوكالة». وأضاف أنَّ «وسائل الإعلام تقول انها مواجهة سعودية إيرانية على الأراضي اليمنية، ولكن أولئك الذين يقومون بالقتال هم من اليمنيين، وإذا كان كل الأطراف لا يعملون للعودة إلى طاولة الحوار، فإن التاريخ لن يغفر لهم».
وحث فدامه على الوحدة اليمنية داعياً «اليمنيين إلى أن يقفوا مع بعضهم البعض واضعين الهوية الوطنية فوق المصالح الفردية والسياسية الضيقة والعمل معاً على ما يتفقون عليه وان يحاولوا حل خلافاتهم سلمياً بعد تحديد اوجه الخلاف. وهذا ينطبق أيضاً على شعوب الدول العربية الأخرى».
وأوضح «أنه لا يعتقد بان اليمن على وشك الدخول فـي حرب أهلية، رغم أن معظم اليمنيين يمتلكون أسلحة فردية، وبعض القبائل والفصائل هي مدججة بالسلاح، ولكن اليمنيين واعون وعلى علم بما يكفـي كي لا يختاروا هذا الطريق».
لكنه أستدرك قائلاً «إذا اندلعت حربٌ أهلية فإنها ستكون مدمرة ولن تدخر أي شخص، بما فـي ذلك جيران اليمن وسوف تتأثر المنطقة بأسرها»، ودعا فـي الختام الجميع إلى العمل على توحيد اليمنيين «قبل أن نصل إلى نقطة غير قابلة للعلاج».
محمد سعيد عبدالله، وهو عضو فـي الجمعية الخيرية اليمنية الأميركية «يابا»، حذر أيضاً من مخاطر إندلاع حرب أهلية. وقال «إننا لا يمكن أن ننزلق إلى هاوية الحرب الأهلية، التي ستحرق الأخضر واليابس وتدمر بلدنا. الحل الوحيد هو أنْ ينبذ جميع الاطراف العنف، وإعادة بناء الثقة بينهم، والمطالبة بالحقوق السياسية والمدنية يجب ان تكون بطريقة سلمية وحضارية».
وأضاف عبدالله انه متفائل حول مستقبل اليمن، وأنه يعوِّل على «ذكاء اليمنيين ووعيهم فـي أن لا يكونوا جزءاً من صراع إقليمي على حسابهم ولا يستفـيدون منه. جميع الأطراف تدعي أنَّ لديها أجندات وطنية وليس لديها رعاة أجانب، ولكننا نطالبهم بإجراءات عملية لإثبات ذلك، لا بالكلام فقط، لكي يبرهنوا عن وطنيتهم وقوميتهم». وأضاف «أن الحوثيين كانوا شركاء فعالين فـي ثورة الشباب وكانت تلك المطالب التي أطلقوها مشروعة عندما بدأوا يحتجون الشهر الماضي، لكن لا اعرف لماذا لا يزال المسلحون متمركزين فـي العاصمة حتى بعد أن وقعوا اتفاقاً مع الحكومة».
واستطرد «إنَّ اللجوء إلى السلاح يضع علامات استفهام على نوايا الحوثيين، وإن إستخدام العنف للحصول على ما يريدون يشكل سابقة خطيرة ويشوه هيبة الدولة».
وختم بالقول «إنَّ اليمنيين تمكنوا من وضع أسلحتهم جانباً طوال مرحلة صعبة منذ بدء الثورة فـي عام ٢٠١١». وأضاف «نحن بحاجة إلى الدولة الحديثة القوية العادلة التي تحمي الجميع, والعنف لا يساعد على هذا المطلب».
Leave a Reply