في حوار ما ذات يوم مع العديد من المهتمين بالشأن الوطني في الداخل، قال أحد المتحدثين أن أركان النظام يبعثون على السخرية والضحك والعجب في آن واحد، لأنهم من علي عبدالله صالح حتى أصغر مسؤول يشتكون من الأوضاع السلبية بطريقة مطابقة لشكوى المواطنين أنفسهم، دون ان يدرك أولئك أن الفارق بينهم وبين المواطن العادي، أنّ بأياديهم لا بأيادي غيرهم إصلاح تلك الأوضاع. فرد عليه متحدث آخر وكيف يصلحون فسادهم وهم يعتقدون أن شعبنا اليمني سبب تلك الأوضاع. ولولا حنكة “فخامته” وإخلاص من بجانبه، لوصلت اليمن إلى الدرك الأسفل من السلبية، فرد المتحدث الأول بسخرية لاذعة، إذن علينا تغيير الشعب المسبب لتلك المصائب التي أتعبت وأضنت الحاكم وأركان نظامه.
ذكرت ذلك الحوار وانا أقرأ مقال السكرتير الإعلامي لعلي عبدالله صالح (عبده بورجي)، المعنون بجلد الذات والذي تحدث فيه عن مباراة فاز فيها منتخبنا الوطني على غير العادة، ليستقبل المواطنون ذلك الفوز بتهكم رأى بورجي فيه سلبية تعني موت روح الإنتماء للوطن في أوساط الشباب الذين يجلدون ذاتهم بأسلوب خاطئ لا يمكن القبول به أبدا.
من السهل ان يكتب أي مسؤول في السلطة عن حالة البلاد، متناولا من “برجه العاجي” أي موضوع قيل له أن يكتب عنه سواءً إقتنع بما كتب أم لم يقتنع، فهو في بداية الأمر ونهايته “عبد مأمور” حسب مقال جميل لأحد الكتاب في موقع “مأرب برس”، حتى ان الكتابة في حد ذاتها عن أوضاع البلاد أصبحت “منجزاً من منجزات النظام”، الذي تحول أركانه فجأة إلى كتاب تنشر مقالاتهم في صحف الحكومة بأسمائهم وصورهم، كعلي عبدالله صالح وعبدربه منصور وعبدالعزيز عبدالغني واللوزي وبورجي والشاطر إلى ما لا نهاية من الأسماء.
الكتابة تمثل في حد ذاتها، كما أعتقد، إمتداد للكاتب وما يحمله من قيم ومبادئ وأفكار، ولأنها كذلك فإن كتابات أركان السلطة تمثل امتدادا لسلبيتهم المطلقة، إذ أنهم هربوا من عجزهم في إدارة البلاد إلى الشكوى والنواح، وكشفوا بوضوح عن عقلياتهم التي دمرت البلاد وحطت من قيمتها بين دول العالم، وأهانت أبنائها بين شعوب الأرض حتى صار المواطن اليمني من أرخص البشر في الدنيا.
قلت لنفسي بعد أن انتهيت من قراءة ما كتبه بورجي، وماذا أبقيتم لنا حتى نرفع رؤوسنا أيها السكرتير؟ دون أن أفكر ولو للحظة واحدة عن ماذا قدمه النظام حتى نعتز بأنفسنا، لأنني مؤمن بيقين أن جلد ذاتنا ناتج طبيعي لتصرفات سلطة غيبت بإصرار عوامل العزة، وأدمت بقساوة معاني الكرامة، وباعت بجشعها وبشاعة طمعها سمعتنا بثمن بخس، حتى أننا سنحتاج بعد رحيل هذه السلطة زمنا طويلا ونضالا متواصلا لاستعادة مكانتنا ووضع أنفسنا كشعب في المكان الطبيعي بين شعوب المعمورة.
لقد تابعت بعض ردود الكتاب الاعزاء على مقال بورجي، والتي حملت كلاما واضحا وصريحا يستحق الإشادة والتقدير، وأنا هنا سأحاول إضافة نقطة لصالح الزملاء، من اجل أن يعلم بورجي وغيره، أنهم وإن تملكوا دون أي حق دستوري أو قانوني مكنة الإعلام الحكومي واستخدموها في بث أفكارهم السامة، فإننا نمتلك الحق والخير والصدق للوقوف مع وطننا والدفاع عنه ضد من أدمنوا على جلده وأثخنوا جسده بالجراح، حتى وقع على ركبتيه من هول وحشيتهم، ثم بكل بجاحة واستخفاف سبقوا شعبنا في البكاء بعد ان أشبعوه ضربا، محاولين بكلماتهم إعلان برائتهم من ذلك كله، لكن يبدو انهم بحاجة للعلم والإطلاع بأنهم مدانين ولا يمكن أبدا مغالطة الواقع والتاريخ مهما قالوا وعملوا.
ما يجب على بورجي وأركان النظام معرفته أن افتخار الإنسان بوطنه واعتزازه بذاته، ينتج عن مكانة ذلك الوطن في أوساط الشعوب وما الذي قدمه للعالم حتى يصبح محل الأنظار، ووحدها الأنظمة من تصنع تلك المكانة، وعليه فقد مثلت كرة القدم لوحدها صورة الأوطان ورفعت من أسهم دول كثيرة في بورصة الدول ومكانتها رغم ان تلك الدول لا تملك قوة عسكرية واقتصادية تهيمن بها على الآخرين، حتى أن أسماء معينة قرنت بأوطانها كماردونا الذي يعني الأرجنتين، وبيليه وزيكو وكاكا الذين أشهروا البرازيل، ويمكن لبورجي مراجعة التاريخ الكروي لأفريقيا، حيث أن نجاح فرق أفريقية في المونديال العالمي خلال الخمسة عشر سنة الأخيرة رفع من قيمة تلك الدول كالكاميرون ونيجيريا ومصر والجزائر، ورسمت تلك القيمة الرياضية صورة إيجابية عن تلك الدول، فيما تبدو الصورة معكوسة تماما حال وجود منتخب ضعيف، حيث ترتسم صورة سيئة في عيون الناس الذين ينظرون لدولة المنتخب المهزوم دائما بسخرية.
إذن كيف يمكن لنا، “رياضياً”، أن نفتخر بمنتخبنا المتعود على الخسارة بكم من الأهداف حتى أن تلك الخسائر طبعت في نفوسنا الهزيمة كجزء بسيط من هزيمتنا الكبرى في كل المجالات، وأنا هنا لا ألوم المنتخب واللاعبين بل اللوم يقع على النظام وحده فلا يمكن أبدا أن يقدم المنتخب شيء في ظل منظومة فاشلة في كل شيء.
إننا اليوم كيمنيين نعاني بألم لا حدود له في أوساط الشعوب العربية بالتحديد، حيث ينظر إلينا باستخفاف واستهزاء لأن النظام وضعنا في خانة “التسول”، وصار اليمني قبل التعريف بنفسه يستعد نفسيا لاستقبال كلمات موجعة من الآخرين، حتى أن تاريخنا المشرق لم يعد يشفع لنا أبدا، بل على العكس أصبح الكثير يشككون في ما ورد فيه، وهنا بالذات سأعود قليلا إلى تاريخنا القريب لأوضح فكرة إستقيتها من موضوع العزيز طارق عثمان الذي قال أن اليمني في عهد الحمدي رحمه الله، كان يرفض التنازل عن جنسيته معتزا ومفتخرا بانتمائه، فيما هو اليوم يدفع عشرات الآلاف من الدولارات ليتمكن من الحصول على جنسية اخرى لأنه يجد فيها حقوقه وكرامته.
يبكي اليمني بحرقة وهو خارج بلده ذليلا مهانا، لأنه لا يجد من يدافع أو يسأل عنه، بل إنه تحول إلى دافع ضرائب فقط للقنصليات والسفارات بالعملة الصعبة، فيما كان في عهد الأئمة والحمدي يمشي بأنفة وكبرياء لأنه يمني، ولعل الجملة الشهيرة (راجع الحمدي) والتي كان يتفوه بها المهاجرون اليمنيون في الخليج خير دليل على من المسؤول عن الحفاظ على عزة وكرامة المواطن الذي كان طوال التاريخ يتساوى مع الشعوب القريبة منا في الحقوق والواجبات والمواطنة، لكنه بمباركة النظام اليوم فقد ذلك ووضع في خانة العبودية والإستعباد.
كيف يمكن لنا أن نكف عن جلد ذاتنا ونظام البلاد يتفنن في الإطاحة بكل شيء يزرع الفخر في النفس، فهو من وضعنا في مصاف الدول الأكثر جهلا من أجل حفنة من المال، وهو من سوقنا كفقراء من أجل المال، وهو من قدمنا كإرهابيين من أجل المال، وهو من.. ومن.. ومن، من أجل المال.. والمال.. والمال؟
كيف يمكن لنا أن نرفع رؤوسنا والنظام يقتلنا بطائرات الغير ورصاص الآخرين؟ وكيف يمكن لنا ان نفتخر بأنفسنا والنظام يلعننا ليل نهار كثعابين خطرة، مخوّنا خصومه ومشككا في أصولهم وأعراضهم وكرامتهم؟! وكيف يمكن لنا أن نقارع الشعوب والنظام اول من يعينها علينا، بل كيف يمكن لنا أن نزايد على الآخرين بكفاءة رجالنا وعبقرية أهلنا والنظام يستبعد كل شريف ويحارب كل مبدع ويغتال كل وجه مشرق مقابل تصعيد وتولية كل من يبعث على الخزي والعار!
رد علينا أيها السكرتير وقل لنا أين البردوني في قاموس السلطة وأين أيوب طارش في مفهومها، وقل لنا كيف صار رجال الفكر خلف قضبان السجون وما مكانة من يرفع من قيمة الوطن في نظر سلطتكم الجاهلة؟!
قل لنا كيف يمكن لنا أن نتجرأ على المباهاة بوطننا، والكثيرون منكم يا أركان النظام يتسابقون في الحصول على جنسيات أخرى؟ وكيف يمكن لنا ان نقول للآخرين عن شجاعتنا وقوتنا وطائرات ومدافع الجيران دكت قرانا ومدارسنا ونشرت الجثث فوق ترابنا ثم غادر وفد مشيخي للسلام والتسول على أمير سعودي هنأه الكثير على السلامة عبر رسائل حبرها كان دماء أطفالنا ونسائنا وأهلنا في صعدة المحروقة؟
إن الإنتماء للوطن بشموخ وكبرياء لا يمكن ان يتم أبدا في عهد نظام تلك أخلاقه وممارساته، ولا يمكن أن يحدث وذلك الوطن بتاريخه وعظمته مقزم في شخص الحاكم الذي أصبح هو الوطن وتحول بشهادة الاعلام الحكومي إلى كل شيء في البلاد وغدت أفعاله وأقواله منجزات وتاريخ وأمامه وحده وفي شخصه المقدس ذاب الوطن، وبأيادي بورجي ومن بجانبه دفنت كل مشاعر الإنتماء لليمن وسلبت معاني السمو والهيبة والفخر والإعتزاز.
Leave a Reply