وليد مرمر
في صيف 1941 زحفت جحافل جيوش الألمان إلى موسكو التي ما لبثت أن بدأت تتكشف طلائع مبانيها لضباط وجنود الجيش. ولكن كان لهتلر وجنرالاته رأي آخر! فهم لا بد أنهم قد قرأوا الكتاب الصيني من القرن السادس قبل الميلاد «فن الحرب» لـ«سون تزو» وفهموه جيداً: «الحرب خدعة!»، هذه إحدى أهم تعاليم الكتاب.
وفيما كان السوفيات يستعدون للمعركة الحاسمة في موسكو، إذ بمئات الآلاف من الفرق الألمانية تنحرف جنوباً تجاه أوكرانيا، حيث وقعت «معركة كييف» التي وصفها هتلر بأنها «أعظم معركة في التاريخ» والتي أسفرت عن أسر نحو نصف مليون جندي سوفياتي، في أكبر عملية أسر في تاريخ الحروب.
ولقد تهيأ لقوات «أنصار الله» اليمنية قياديون قد قرأوا التاريخ ووعوه جيداً. ففيما تجتمع 17 دولة لردف ما يعرف بـ«التحالف العربي» بالعتاد والاستخبارات وفي أحيان كثيرة بالمشاركة الميدانية، وفيما كانت كل الأنظار متجهة إلى ما ستفضي إليه معارك ميناء الحديدة الاستراتيجية، إذ بمقاتلي الجيش واللجان الشعبية (الحوثيون)، ينقضون بغتة على شمال محافظة «الضالع» الجنوبية ويجتاحون مساحات واسعة منها بوقت قياسي. والمعلوم أن هذه المحافظة لو سقطت بأيديهم فلن يفصلهم حينئذ عن مدينة عدن الساحلية إلا محافظة لحج.
بالطبع، أرعبت هذه التطورات الميدانية ابن سلمان، فاجتمع بقياديي جيشه وحلفائه من السودانيين والإماراتيين، واستقر بهم الرأي على نقل المئات من مقاتلي «القاعدة» و«داعش» من البيئة التي قد وفرها لهم في حضرموت والمحافظات المجاورة، لصد هجوم الحوثيين المباغت، وبالحد الأدنى للحد من تقدمهم الذي كان وقعه كالزلزال على فتى اليمامة الأرعن. ثم سارع «سموه» إلى الإتصال بأصدقائه الأميركيين والأوروبيين محاولاً حشد أكبر تأييد ممكن لمشروع قرار سيتقدم به إلى مجلس الأمن ويقضي باعتبار جماعة الحوثيين منظمة إرهابية.
إن العبث السعودي في اليمن ليس جديداً أو طارئاً. فلقد عرضت قناة «الجزيرة» فيلماً استقصائياً بينت فيه وثائق وشهادات عن دور السعودية في عملية اغتيال الرئيس اليمني السابق إبراهيم الحمدي الذي تسلم السلطة سنة 1974 ولم يدم حكمه سوى ثلاث سنوات ونصف. لكنه وبرغم قصر فترة حكمه فقد كانت إنجازاته زاخرة ومآثره أكثر من أن تحصى. فقد قام الحمدي ببناء الجيش بعد أن قلص نفوذ القبائل والعشائر، وكان قريبا من الشعب متواضعاً، بسيطاً، متسامحاً، وشديداً في مناهضته للنخب وأصحاب النفوذ.
رفض الحمدي عرضاً بترسيم الحدود مع السعودية لعلمه بأن ضعف اليمن المقسم لن يجعله في موقع قوة في المفاوضات مع جاره الشمالي. وحاول الحمدي أن يجعل من اليمن لاعباً إقليمياً بعقد «قمة البحر الأحمر» في تعز في آذار (مارس) 1977، وبدأ بتشكيل ائتلاف دولي بمشاركة الدول المطلة على المنافذ المائية في المنطقة، وهي السودان والصومال واليمن الجنوبي. وقد سبق هذه الخطوة بقليل توقيع اتفاقية مع رئيس اليمن الجنوبي حينها ربيع علي (سالمين) في شباط 1977 لتشكيل مجلس مشترك يبدأ في خطوات عملية لتوحيد اليمن.
بالطبع، لم ترق تلك الإنجازات لآل سعود الذين يريدون للجارة الجنوبية أن تبقى بلداً متخلفاً منقسماً لا حول له ولا قوة، فلا تكون مثالاً جمهورياً يحتذى وسط ممالك الخليج. فاتخذ القرار بالتخلص من الحمدي بعد أقل من أربع سنوات على حكمه.
وفي عصر المحمدين بن سلمان وبن زايد اليوم، فحدث ولا حرج! فقد تجاوزت انتهاكات السعودية والإمارات وحلفائهما من دول الغرب «الديموقراطية» في حربهم على اليمن، كل الأعراف والمواثيق الدولية. وقامت السعودية والإمارات بتغذية فكر «القاعدة» الإرهابي ودعم عصاباته بالمال والسلاح والعتاد والتدريب في معظم المحافظات غير المحررة. ثم قامت هاتان الدولتان العائمتان على ثروات تكاد لا تنضب، بتجنيد المرتزقة من الرجال والأولاد من النيجر وتشاد والسودان (14 ألفاً من السودان وحدها) لزجهم في الجبهات الأمامية مقابل اللجان الشعبية والجيش اليمني بعد أن قامت الإمارات بالسيطرة على كل الموانئ والشواطئ المحيطة باليمن من حدود عمان شرقاً وحتى ميناء الحديدة غرباً بما فيها أرخبيل جزر سومطرة بالغ الأهمية للملاحة البحرية.
ولقد حرصت دول العدوان منذ بداية «عاصفتها» على اليمن، على تدمير البنى التحتية الصحية والبيئية، وضربت بشكل مباشر مخازن الغذاء والدواء وآبار المياه، وشددت الحصار براً وبحراً وجواً لمنع دخول الأدوية والمستلزمات الطبية مسببة مجاعة حقيقية ذهب ضحيتها الآلاف. كما وأمعنت هذه الدول في قتل الآلاف من الأبرياء عبر قصف البيوت الآمنة والأسواق والأعراس وحافلات المدارس والمستشفيات والمساجد والمواقع الأثرية (تدمير سد مأرب البعيد عن جبهات القتال) بجميع أنواع الأسلحة المحرمة دولياً، كالعنقودية والفوسفورية فضلاً عن الكيميائية والجرثومية والبيولوجية ونشر الفيروسات والأوبئة والتي أدت إلى تفشي الكوليرا في المناطق الشمالية خصوصاً (أكثر من مليون حالة مسجلة وآلاف الوفيات). ثم تبع ذلك نشر وباء إنفلونزا الخنازير المصنع في المختبرات. وقد نشر موقع «غلوبال ريسيرش» للأبحاث تقريراً مفصلاً عن التعاون الأميركي مع السعودية في شن حرب بيولوجية ضد المدنيين في مناطق متفرقة باليمن، واستخدام الأمراض كسلاح لقتل المدنيين. وذكر التقرير أن هذه الأمراض هي بسبب (بكتيريا) تنتجها أسلحة كانت تصنعها الولايات المتحدة واليابان خلال الحرب العالمية الثانية.. وتنتشر هذه الأوبئة عبر الموارد المائية، وهذا ما يجري حالياً في اليمن.
أما مجلة «المحاربين القدامى اليوم» Veterans Today، فقد نشرت تقريراً خاصاً يتضمن معلومات تشير إلى أن تفشي الكوليرا في اليمن يرجع إلى ناقلات الأسلحة البيولوجية مشيرة إلى أن الفرق الإسرائيلية–العربية التي تعتبر القاعدة جزءاً لا يتجزأ منها والتي يمولها السعوديون قد ضربت آبار المياه الجوفية ببكتيريا الكوليرا المصنعة والمطورة مختبرياً في ليبيا من قبل شركة «بكتل» التي تعتبر إحدى أكبر الشركات الأميركية، والتي قامت ببناء مركز أبحاث للأسلحة الكيميائية في ليبيا في العام 2006، وقد قال مصدر لـ«ويكيليكس» من داخل إدارة الولايات المتحدة الأميركية حينها إن الولايات المتحدة كانت تدرك أن هذا هو مصنع الأسلحة البيولوجية الأكثر تقدماً على وجه الأرض.
إن ما يجري في اليمن هو حرب إبادة لا تبقي ولا تذر وهي بحسب الأمم المتحدة أسوأ كارثة إنسانية في العصر الحديث.
وليس ما تقوم به الدولتان المارقتان –السعودية والإمارات– وحلفاؤهما إلا نتيجة سياسة توسعية لترسيخ النفوذ ومصادرة الثروات ونهب المقدرات وتركيع الشعوب. فقد أفادت دراسات وتقديرات أولية بأن اليمن يعوم على آبار من النفط توازي ما تمتلكه معظم دول الخليج.
ولكن، رغم هذه الحرب الكونية على اليمن، فقد جاءت الانتصارات الميدانية الأخيرة للجان الشعبية لتؤكد نظرية أن لا دولة عبر التاريخ انتصرت على اليمن.
أخرج البخاري أن النبي (ص)، قال: «اللهم بارك لنا في شامنا وفي يمننا»، قالوا ونجد يا رسول الله؟ فأعاد «اللهم بارك لنا في شامنا وفي يمننا»، قالوا ونجد يا رسول الله؟ فقال: هناك الزلازل والفتن، وبها يطلع قرن الشيطان! والله أعلم.
Leave a Reply