وليد مرمر
«لقد كنت أعمل كتقني متخصص أو كمشرف عام كما يصفونني، ولكنك ستعلم حالما تصل بأن هناك القليل جداً من الإشراف وبأن العمل اليدوي هو أكثر مما تتصور. البريطانيون يفعلون كل شيء تقريباً من البداية للنهاية. من المفروض أن ندرب السعوديين. ولكنهم غير موجودين في أكثر الأحيان. لذا علينا أن نقوم بكل أعمالهم من الألف إلى الياء. نحن نؤدي إلى حد كبير ٩٥ بالمئة من العمل. البريطانيون لا يلمسون القنابل. ولكن هذا ليس إلا ٥ بالمئة من العمل. لقد أخبرونا دائماً بأننا لسنا مصنفين كـ«مرتزقة» لأننا لا نلمس المتفجرات. ولكن لو قمت بإصلاح البندقية ثم قاموا بإطلاق النار على الناس فما زلت مشاركاً في الجرم».
كانت هذه شهادة أحد العاملين لدى BAE Systems، شركة الصناعات الدفاعية البريطانية التي تشغل ٦,٣٠٠ عنصراً في السعودية، لبرنامج «ديسباتش» البريطاني في نيسان (أبريل) الماضي. وتدعي الشركة بأنه بما أن العاملين لديها لا يقومون بتحميل الطائرات بالقنابل التي تلقى على اليمنيين، فهم بالتالي غير مسؤولين عن جرائم الحرب التي ترتكب هناك.
شين بيل المارشال المتقاعد في سلاح الجو قال لبرنامج Dispatches البريطاني: هناك ألف سبب لوقف العمل مع السعوديين. ولكن لماذا تصر الحكومة البريطانية على الاستمرار؟ من الواضح أنه بسبب المال والنفوذ في الشرق الأوسط واستقرار أسعار النفط، يصبح الرقص مع الشيطان ضرورياً.
والرقص مع الشيطان هو بالضبط ما تفعله كل الدول التي توفر الدعم العسكري واللوجستي والمخابراتي للتحالف السعودي في عدوانه على اليمن غير آبهة بالتنديد المستمر من كل المنظمات الإنسانية والحقوقية.
لاري لويس، كبير المستشارين السابقين لوزارة الخارجية الأميركية والذي قضى أكثر من عام في مركز العمليات في الرياض حتى عام 2016، وهو خبير في الحد من الإصابات في صفوف المدنيين، وتم إرساله إلى هناك لمحاولة تحسين الاستهداف السعودي، فقد أعلن: «عندما كنت هناك لم تكن الولايات المتحدة والمملكة المتحدة حاضرتين في مركز العمليات بشكل منتظم، بل من خلال الدعوة فقط، وكان ذلك نوعاً من الاستثناء». وأضاف أن لدى السعوديين غرفة منفصلة وفي طابق آخر تُدار فيها العمليات.
يكشف لويس عن عيوب أساسية في عملية الاستهداف السعودية مصرحا: «لقد رأيت بيانات سرية توضح أن معظم الضربات الجوية لا تُحال إلى مركز العمليات، مما يعني أنها لا تخضع لفحص دقيق وتقييم للأضرار»، مؤكداً أنه يتم تحديد الأهداف لهذه «الضربات الديناميكية» «من قبل عناصر الميليشيات الموجودة على الأرض».
ليون بانيتا، وزير الدفاع الأميركي السابق والرئيس السابق لوكالة المخابرات المركزية، قال لـ«ديسباتشز»: «لقد كنت في بعض غرف العمليات هذه مع السعوديين، عندما تحاول كبحهم وإخبارهم بأن عليهم إيلاء مزيد من العناية، فإن الغرائز هي التي تتحكم. أي: تصرّف بسرعة ثم اطرح الأسئلة لاحقاً»! وتابع بانيتا: «إذا كانت الدول الغربية تسمح لبلد مثل المملكة السعودية بإلقاء القنابل على الأبرياء فببساطة لن تتمكن هذه الدول من الإدعاء بنظافة الأيدي. لن تكون لديك أيدٍ نظيفة عندما لا تقوم بتوفير الأسلحة فحسب، ولكنك توفر الأشخاص لمساعدة السعوديين فيما يتعلق بالاستهداف. هذا يعني أنك مشارك وأنك تتحمل بعض المسؤولية عن العواقب».
الأسبوع الماضي، جاء في تقرير أممي أن الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا قد تكون متورطة في جرائم حرب في اليمن وأن الضربات التي نفذها التحالف بقيادة السعودية وأساليب التجويع تصل لحد جرائم الحرب. بل تحدث التقرير أيضاً عن انتهاكات فظيعة لحقوق الإنسان بما في ذلك أعمال قتل وتعذيب وعنف جنسي. وجاء في التقرير أن اليمن يشهد كارثة إنسانية بل أنها أسواء أزمة إنسانية في العالم وأن 80 بالمئة من اليمنيين يعتمدون على المساعدات الإنسانية وأنه يتحتم على جميع الأطراف التوقف حالاً عن إرسال السلاح إلى اليمن.
ولا يقتصر العدوان على اليمن على مشاركة الدول الثلاث المذكورة أعلاه، فالشهر الماضي أعلن نتنياهو خلال مقابلة أجرتها معه القناة التاسعة الإسرائيلية: «نحن نعمل ضد إيران في العراق واليمن وسوريا ولبنان». وهذا كان الاعتراف الأكثر صراحة من نتنياهو بالمشاركة الفعلية في حرب اليمن علماً بأنه كان قد ألمح في العام الماضي إلى «رغبة إسرائيل في المشاركة في تحالف عسكري لحماية مضيق باب المندب».
ومن جهتها كانت صحيفة «هآرتس» قد نشرت في فبراير الماضي أن إسرائيل «شريك غير رسمي في التحالف العربي باليمن وأن دورها يشمل الاستخبارات وتجارة السلاح والتدريب العسكري والشركات الأمنية التي توظف المرتزقة المأجورين من الخارج».
رئيس لجنة خبراء الأمم المتحدة الخاصة باليمن، كمال الجندوبي، أكد توثيق لجنته للانتهاكات التي ارتكبتها قوات التحالف السعودي–الإماراتي فيما يخص تطبيق قواعد الاشتباك.
واتهم الجندوبي خلال استعراض تقريره أمام الدورة ٤٢ لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في جنيف يوم الثلاثاء الماضي، كلاً من السعودية والإمارات ومصر بمنع دخول أعضاء اللجنة إلى المناطق التي يسيطر عليها التحالف في اليمن بعد نشره أول تقرير حول انتهاكات الحرب في أغسطس 2018. وأضاف الجندوبي أنه قدم للمفوضة السامية لحقوق الإنسان ميشيل باشيليت، قائمة سرية بأسماء الأشخاص الذين ارتكبوا «جرائم حرب» في اليمن، وخصوصاً من السعودية والإمارات العربية المتحدة، بانتظار أن ينشئ المجتمع الدولي «آلية للمساءلة».
في المقابل، كشف الجندوبي أن الحوثيين سمحوا لأعضاء اللجنة بدخول المناطق الخاضعة لسيطرتهم، للتحقيق في انتهاكات حقوق الإنسان.
وبالطبع، سارعت الأبواق السعود–ماراتية الإعلامية الكثيرة بمهاجمة كمال الجندوبي كدأبهم عندما أصدر تقريره السنة الفائتة متهمينه بالـ«أخونجية» وبانضمامه لحزب «النهضة» التونسي كمحاولة لذر الرماد في العيون والتعمية على الحقائق الساطعة المتعلقة بجرائم الحرب التي اقترفها ويقترفها التحالف ضد الشعب اليمني. ورغم إن التقرير لم يوفر الحوثيين من بعض الانتقاد إلا أنه بالنسبة لابن سعود يبقى منحازا لأنك في الحرب على اليمن، كحرب جورج دبليو بوش على الإرهاب، إما أن تكون معنا أو ضدنا!
Leave a Reply