يوم ٢٢ أيار (مايو) كان يوم ولادة الجمهورية اليمنية التي انبثقت عن اندماج دولتي اليمن الشمالي مع اليمن الجنوبي وكانت هذه الوحدة ثمرة اتفاقيات ومحادثات بين الطرفين منذ استقلال اليمن الجنوبي من الاحتلال البريطاني في العام 1967.
كان اليمن الجنوبي منذ اليوم الأول للاستقلال تواقاً الى الوحدة مع اليمن الشمالي في الطريق الى وحدة عربية شاملة.
ومن اجل تحقيق ذلك الحلم المنشود قدم اليمن الجنوبي الكثير من التنازلات، منها الاكتفاء بمنصب نائب الرئيس وان تكون العاصمة صنعاء رغم ان مساحة الجنوب ضعف مساحة الشمال وثروات الجنوب تقدر بـ80 بالمئة من اجمالي الثروة للدولة الوليدة، ناهيك ان سكان اليمن الجنوبي كان يقدر بـ20 بالمئة من اجمالي سكان دولة الوحدة.
كان الشعب الجنوبي مستعدا لتقديم اكثر من هذه التنازلات من اجل الحلم المنشود، بينما كانت الكثير من القيادات والمشايخ ورجالات الدين في الجهة الاخرى ضد فكرة الوحدة مع الجنوب بحجة ان الجنوب دولة شيوعيه… الخ.
ولغرابه الامر ان تلك القيادات الشمالية الرافضة للوحدة حينها هم من يتشدق باسم الوحدة الآن ويرفع شعار الوحدة او الموت، ويصدر الفتاوى الدينية التي تعتبر كل من يطالب بالانفصال مرتداً.
ومنذ اليوم الاول لتحقيق الوحدة بين الجنوب والشمال بدأ الطرف الشمالي بالتنصل من كل اتفاقيات الوحدة مستعينا لهذا الغرض بـ”عناصر ارهابية” للقيام بعمليات الاغتيالات للقيادات الجنوبية التي انتقلت الى العاصمة صنعاء لتادية عملها.
ذهبت كل اتفاقيات الوحدة أدراج الرياح ولم يلتزم الطرف الشمالي بأبسط الامور المتفق عليها وظهرت الازمة بين الشريكيين، وبدأ اعتكاف الرئيس الجنوبي في مدينه عدن عاصمة الجنوب المرة تلو الاخرى. وفي المرة الاخيرة تدخل الأخوة العرب في محاولة منهم لانقاذ النموذج الوحيد للوحدة العربية، والذي من خلالة تم التوقيع على اتفاقيه العهد والاتفاق في عاصمة الاردن (عمان) بحضور الملك حسين بن طلال ملك الاردن والرئيس ياسر عرفات والرئيس الجنوبي الاسبق علي ناصر محمد وكثير من الشخصيات العربية واليمنية. وقوة هذة الاتفاقية تكمن في انها صادرة ومعتمدة من الاجماع الوطني لكل فئات الشعب اليمني شمالا وجنوبا. كان ذلك في شهر رمضان من العام1994 .
كان اهم بند من هذة الاتفاقية هو تقديم كل “العناصر الارهابية” المتورطة في عملية الاغتيالات للعدالة، وكانت هذه القشة التي كسرت ظهر البعير، لأن زعيم هذه الجماعات هو الاخ غير الشقيق للرئيس اليمني. وكان من بين بنود الاتفاق ايضاً عدم اللجوء أو الاحتكام للقوة المسلحة ومن يعلن الحرب كأنه يعلن الانفصال.
مرة أخرى، لم يلتزم الطرف الشمالي بكل ما جاء في بنود اتفاقية العهد والاتفاق، وهذه المرة تطورت الامور الى الأسوأ وبشكل دراماتيكي واخذت تسير الى الكارثة. وفي قرار مفاجى من “ميدان السبعين” في صنعاء يوم 27 نيسان (ابريل) 1994 أعلن الرئيس اليمني الحرب على الجنوب وبدأ بضرب القوات الجنوبية المتواجدة في الشمال وتدميرها كاملا والبدء بالهجوم البري باتجاه العاصمة الجنوبية، عدن، معقل الرئيس الجنوبي.
وفي حرب غير متكافئة تم الاعداد لها مسبقا من طرف واحد استمرت قرابة 70 يوما استخدمت فيها كل الاسلحة البرية والبحرية والطيران الحربي اضافة الى راجمات صواريخ و”الكاتيوشا” وصواريخ “لونا” وصواريخ “سكود” حتى سقطت عدن وامتلأت شوارعها بالدبابات الشمالية في يوم 7 تموز (يوليو) 1994.
ذلك اليوم بقي ذكرى مشؤومة لأبناء اليمن الجنوبي، لأنه في ذلك اليوم قتلت الوحدة الطوعية بين الشمال والجنوب. ومنذ ذلك اليوم الذي شكل نقطة تحول في التاريخ المعاصر لجنوب الجزيرة العربية، بدأ النظام يمارس سياسته العنصرية ضد كل ما هو جنوبي ويثبت شعار “الوحدة أو الموت”، اضافة الى نهب ثروات الجنوب بكل انواعها ونهب ممتلكات الدولة وتحويلها الى ملكية خاصة للمتنفذين من الشماليين.
أبان تلك الحرب بين جنوب وشمال اليمن (صيف 1994) كان للمجتمع الدولي دور لا بأس فيه، رغم الكثير من محاولات التعتيم ومحاولة كسب الوقت تاتي مارستها قيادة الشمال التي كانت تتحكم بوزارة الخارجية والسلك الدبلوملسي لدولة الوحدة.
ورغم ذلك اصدر مجلس الامن قراري رقم 924 و931 اللذين نصا على عدم جواز فرض الوحدة بالقوة والجلوس الى طاولة المفاوضات، اضافة الى ان العاصمة عدن تعتبر خطاً أحمر للقوات الشمالية. لم تلتزم القوات الشمالية بهذين القرارين واستمرت الحرب الى ان فرضت على الجنوب الوحدة بقوة السلاح وجنازير الدبايات فتحولت من وحدة بين دولتين الى ضم والحاق.
بعد 16 عاما من سياسة التهميش والاقصاء والحرمان في ظل الوحدة اليمنية المزعومة والخالية من أبسط الحقوق في المواطنة تحت سياسة التمييز العنصري ومحاولات طمس الهوية الجنوبية كانت المفاجأة، ليعلن الجنوب عن ميلاد انتفاضة عارمة تُرجمت ثورة سلمية ليعرفها العالم باسم “الحراك الجنوبي”. هذه الحركة السلمية لم يسبق لها مثيل في عالمنا العربي، فكانت بمثابة المعجزة التي ولدت من رحم المعاناة محطمة حواجز الخوف.
سبق ميلاد “الحراك الجنوبي” الكثير من اللقاءت بين ابناء الجنوب توجت هذة اللقاءت باتفاق التصالح والتسامح الذي من خلاله اعلنوا دفن الماضي الأليم بكل مآسيه والى الابد.
مع انطلاقة “الحراك” وشعب اليمن الجنوبي يخرج وبصوره شبة يومية في مظاهرات واعتصامات سلمية ترتفع احيانا الى درجة العصيان المدني في بعض محافظات الجنوب فتتم المواجهة بصدور عارية مع “قوات الاحتلال” التي تقتل وتجرح وتعتقل المئات في ظل تعتيم إعلامي واسع.
للأسف الشديد احتفل النظام اليمني مؤخراً بالذكرى العشرين (للوحدة اليمنية المغدور بها). التي أصبح الجنوبيون يرون فيها وحدة مفروضة عليهم بقوه السلاح.
في الولايات المتحدة، وبالذات في ولايات ميشيغن ونيويورك وكاليفورنيا، قاطعت الجالية الجنوبية تلك الاحتفالات التي نظمتها سفارة الجمهورية العربية اليمنية، ليثبتوا للعالم ان الشريك الحقيقي في الوحدة لا يعترف بها، وإنها وحدة مفروضة عليهم بقوة السلاح.
إن الجالية الجنوبية في الولايات المتحدة تقف وتساند شعب اليمن الجنوبي في قضيتة العادلة وهي ستظل وفيه له دائماً وستظل تطالب السلطات الاميركية بالضغط على حكومة صنعاء لإعطاء شعب اليمن الجنوبي حقة في تقرير مصيره.
Leave a Reply