مريم شهاب
في كل عام، تخصص الولايات المتحدة شهر شباط، لإحياء ذكرى تاريخ الأفارقة الأميركيين والإضاءة على ما تعرّضوا له من مآسي الرق والعبودية منذ قرون، حين كان المؤسسون البيض الأوائل يخطفون أبناء القارة السمراء بعد صيدهم بالشباك كما يتصيدون الحيوانات وينقلونهم إلى الأرض الجديدة على متن السفن، خصوصاً الذكور الأقوياء منهم.
بعضهم كان يموت خلال الرحلة الطويلة عبر المحيط الأطلسي، ومنهم من كان ينجو من الموت ليجد نفسه عبداً مملوكاً بموجب وثيقة ملكية لمالك أبيض يتحكم به كيفما يشاء، جيلاً بعد جيلاً.
في شباط، تُعرض أفلام وتعقد ندوات وتقام محاضرات ومعارض عن معاناة السود ونضالاتهم منذ زمن العبودية مروراً بالفصل العنصري وصولاً إلى معركة الحقوق المدنية التي انتهت بتحررهم ونيلهم لحقوقهم الكاملة كمواطنين أميركيين.
في حقبة العبودية، ولدت هارييت توبمان سنة 1820. مثل عائلتها ومثل غيرهم من السود في ذلك الوقت، نشأت في بيئة قاسية من الفقر والجوع والإهانة والتنكيل والعمل المتواصل بلا رحمة أو شفقة من أسيادهم البيض.
في سنة 1849، نجحت توبمان في الفرار ممن استعبدها وتسبّب لها بإعاقة لازمتها طوال حياتها بعدما أصابها بالخطأ في رأسها أثناء ضربه لعبد آخر.
هربت توبمان في سن 13 عاماً من مقاطعة دورشيستر بولاية ماريلاند إلى فيلادلفيا التي كانت تهب عليها نسائم التحرر وإلغاء الرق، لكنها سرعان ما عادت لإنقاذ عائلتها من أغلال العبودية حتى لو كلفها ذلك المخاطرة بحياتها.
لم تكتف توبمان بتهريب عائلتها وحسب، بل قامت بقيادة المئات من العبيد إلى الحرية من خلال تهريبهم في مجموعات عبر منازل آمنة وأنفاق سرية وسكك حديدية على مدار ثماني سنوات، وأكثر من عشرين رحلة محفوفة بالمخاطر دون أن تفقد أياً من الهاربين معها.
كانت تخوض الأنهار والبحار وتقطع الغابات، مسافات طويلة جداً بين ولايات الشمال والجنوب وصولاً إلى مقاطعة أونتاريو في كندا، من أجل تهريب بني جلدتها وحمايتهم من صيادي العبيد الهاربين من أسيادهم، ومن الحر والبرد والمرض والجوع…
كان دليلها النجم الشمالي، وإيمانها الذي ساعدها على اجتياز رحلات سرية صعبة على الأقدام وعبر الغابات والأنهار حتى استحقت لقب «موسى»، نبي الله الذي قاد العبيد اليهود إلى الحرية وأنجاهم من فرعون مصر.
نضالات توبمان لم تتوقف بعد الحرب الأهلية الأميركية وإلغاء العبودية بل استمرت في طلب الحرية والمساواة حتى وفاتها عن تسعين عاماً.
سُئِلت توبمان عن أصعب مشكلة واجهتها في رحلاتها السرية، هل كانت الغابات والمسالك الصعبة، أم صيادي العبيد الهاربين، أم أسياد العبيد أنفسهم؟ فأجابت بأن أكبر مشكلة كانت تواجهها هي إقناع «العبد» بأنه إنسان، وأن الحرية ثمينة جداً وتستحق التضحية والموت من أجلها.
في سنة 2016، أعلنت وزارة الخزانة الأميركية وضع صورة هارييت توبمان على عملة ورقية جديدة من فئة 20 دولاراً، بدلاً من صورة الرئيس الأسبق آندرو جاكسون الذي كان يمتلك بنفسه العشرات من العبيد، وكانت بذلك ستصبح توبمان أول شخصية سوداء يتم تكريمها بوضع صورتها على الأوراق النقدية. غير أن الإدارة الحالية ارتأت تأجيل طباعة الورقة الجديدة التي كان من المقرر إصدارها خلال العام الحالي، إلى العام 2028.
Leave a Reply