اللبنانيون فـي العشرة ايام الاخيرة من الاستحقاق الرئاسي ينتظرون ربع الساعة الاخير
ساركوزي حاول اقناع بوش بالرئيس التوافقي بعد تأييد سوريا
دخل لبنان في مهلة العشرة الايام الاخيرة من الاستحقاق الرئاسي، وبدأ اللبنانيون يحبسون انفاسهم من «الشر المستطير» الذي حذرهم منه الرئيس نبيه بري، اذا لم يحصل توافق على مرشح رئاسي، لمنع حصول الانفجار السياسي والدستوري والامني.ومع انشغال اللبنانيين بهذا الحدث الدستوري الذي يتوقف عليه مصيرهم ومستقبل وطنهم، فان العالم ايضاً مهتم بما قد يحصل، واحتلت الازمة اللبنانية وانتخابات رئاسة الجمهورية جدول اعمال القمم الدولية والمؤتمرات الاقليمية، كما في القمة الاميركية- الفرنسية التي جمعت الرئيسين جورج بوش ونيكولا ساركوزي، ومؤتمر اسطنبول لدول جوار العراق.فالجلسة المحددة في 21 تشرين الحالي لانتخاب رئيس الجمهورية، لن تحصل في موعدها، لان التوافق حول مرشح تسوية لم يتم التوصل اليه، وان النصاب القانوني لها لن يتأمن بحضور ثلثي اعضاء مجلس النواب، لان الكتل النيابية المعارضة لن تؤمن النصاب، للاغلبية النيابية التي هي بدورها قد لا تستطيع تأمين انتخاب رئيس من مرشحيها بالنصف زائداً واحداً، والتي تهدد باللجوء اليه خلال العشرة ايام الاخيرة من ولاية الرئيس اميل لحود، وهو ما سيكون بداية لنشوب ازمة وطنية، تهدد وحدة لبنان، لان المعارضة لن تقف مكتوفة الايدي، وقد ترد على التحدي وضرب الوفاق من قبل قوى 14 شباط، بانتخاب رئيس ثان للجمهورية وتشكيل حكومة ثانية، وهذا ما لوح به اكثر من قيادي معارض، في الوقت الذي كان السفير الاميركي في بيروت جيفري فيلتمان يطمئن الفريق الحاكم، بان المعارضة اضعف من ان تلجأ الى اي رد سلبي، فهي لم تتمكن من اسقاط حكومة السنيورة، ووقفت على تخوم السراي لان القرار العربي والاقليمي والدولي منعها من تحقيق اهدافها، حتى ولو بتشكيل حكومة وحدة وطنية تضمن المعارضة فيها الثلث، وهو ما وقفت ضده الاكثرية مدعومة من الادارة الاميركية، التي رفضت تقديم تنازلات لحلفاء سوريا في لبنان، لمنع عودة النفوذ السوري ومعه الايراني الى داخل السلطة، وتنفيذ انقلاب مضاد، وما لم تحصل عليه المعارضة في الحكومة لن تناله في رئاسة الجمهورية، التي لن يفرط بها الرئيس الاميركي جورج بوش الذي اعلن انه يدعم وصول مرشح من «ثورة الارز».فعدم وصول اللبنانيين الى توافق داخلي، سواء عبر الحوار الماروني-الماروني الذي رعته البطريركية المارونية بين اطراف المعارضة والموالاة، وتوقف عند اسم المرشح الرئاسي، الذي رفض البطريرك صفير الدخول بطرح او اقتراح اسماء مرشحين، وقد انتظر الاطراف اللبنانيون لا سيما الرئيس بري والنائب سعد الحريري، ان يقوم سيد بكركي بالتسمية فيؤيدانه، فيوفر عليهما عناء الحوار بينهما للاتفاق على اسم بين قوى المعارضة او الموالاة، حيث يقف كل منهما عند موقفه لجهة التمسك بمرشحه مما عطل التوصل الى التوافق، بالرغم من الحركة العربية والاقليمية والدولية، التي اكدت دعمها لتمكين اللبنانيين من الاتفاق على مرشح رئاسي يلقى دعم مختلف القوى السياسية.وادى التشجيع الاميركي لاجراء انتخابات بالنصف زائداً واحداً الى عرقلة الحوار اللبناني الداخلي، اذ رفضت وزيرة الخارجية الاميركية كونداليزا رايس وصول رئيس للجمهورية من خارج الاغلبية النيابية، او يفرض عليها تغيير برنامجها، وهي كانت توجه رسالة تحذير بذلك الى حلفائها اللبنانيين لاسيما النائب سعد الحريري الذي ايد المرشح التوافقي، وانفتح على حوار مع النائب العماد ميشال عون فالتقيا في باريس واتفقا على سبعين بالمئة من المواضيع بعد ان عاود رئيس تيار المستقبل الحوار مع الرئيس بري والتزما العمل على حصول التوافق.فرئيسة الديبلوماسية الاميركية ازعجها ان يتقدم الحوار بين اللبنانيين، وان يتم الوصول الى التوافق، كما اربكتها الحركة الفرنسية ايضاً باتجاه لبنان والمنطقة، والتي ايدت انتخاب رئيس يلقى دعماً واسعاً من كل الشرائح اللبنانية، ولا يكون ضد طرف داخلي او ضد بلد، وهنا اشارة ان لا يكون ضد سوريا، التي اتفق وزير خارجيتها وليد المعلم مع نظيره الفرنسي برنارد كوشنير في لقاء جمعهما على هامش مؤتمر اسطنبول، بعد شبه قطيعة منذ اكثر
من سنتين على هذا المستوى بين البلدين، اذ اكد الطرفان على تبنيهما للتوافق في انتخابات رئاسة الجمهورية وعدم التدخل فيها وترك حرية القرار للبنانيين وقد ردت رايس على النقاط الست التي اتفق عليها المسؤولان السوري والفرنسي، بانها اعلنت انها تريد رئيساً من فريق 14 شباط، وقد فرضت ان لا يشارك الوزير السوري في اجتماع بحث الوضع في لبنان، بالرغم من طلب الدول العربية بان يحضر الوزير المعلم، لان لسوريا تأثير ونفوذ في لبنان، والدليل ان الكل يدعو الى محاورتها او الطلب منها تسهيل اجراء انتخابات رئاسية في لبنان بموعدها وعدم حصول فراغ فيها.وقد فهم الوزراء الذين شاركوا في الاجتماع المخصص للبنان في اسطنبول، ان الوزيرة الاميركية، تريد مقايضة سوريا في الاستحقاق الرئاسي اللبناني، وان اميركا تحاورها حولها، اذا استجابت لطلباتها في العراق، لكن الردّ السوري كان، ان سوريا لا تتدخل في لبنان وهي ترفض التدخل الاميركي في الشوؤن اللبنانية وتحديداً الانتخابات الرئاسية.وهكذا وقفت ازمة الاستحقاق الرئاسي عند الحوار الاميركي- السوري الذي حصل في اسطنبول، بين رايس والمعلم، ولكن من دون الوصول الى نتيجة، لان القيادة السورية اعلنت انها لن تتدخل في لبنان، وهي ليس لها اسم مرشح ولم تتدخل مع اي طرف لبناني او غير لبناني، بطرح اسم اي مرشح، فالمعارضة اعلنت ان لها مرشح هو العماد عون وتقدمه كاسم توافقي، ولا يبدو ان هناك تواصل او اتصال بينه وبين القيادة السورية، التي تؤيد ما يتفق عليه اللبنانيون، وتدعم ما يلتقي عليه حلفاؤها.ومع عدم حصول تقارب اميركي-سوري، فان الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي قرر ان يتدخل مباشرة وبحوار عبر موفدين شخصيين له ارسلهم الى دمشق، فرفع مستوى التمثيل الفرنسي والحوار مع الرئيس السوري، الذي عقد اجتماعاً صريحاً وايجابياً مع الامين العام لرئاسة الجمهورية الفرنسية والمستشار الدبلوماسي لساركوزي، وقد سمعا منه تأكيد على انه لا يقف ضد اي توافق بين اللبنانيين، وليس لديه مرشح، كما انه مع حصول الاستحقاق في المهلة الدستورية.وقد فاجأ موقف الرئيس الاسد نظيره الفرنسي الذي ذهب به الى قمته مع الرئيس بوش وحاول اقناعه بضرورة دعم وصول شخصية يتفق عليها معظم اللبنانيين، لان مثل هذا التوجه هو الذي يؤمن حصول الانتخابات وفق الدستور وبموعدها وتفادي ليس الفراغ الرئاسي، بل وقوع ازمة سياسية ودستورية وحصول تدهور امني خطير يدمر لبنان ويدخله في المجهول.حاول ساركوزي اقناع بوش ان لا يقف بوجه التوافق اللبناني، لكنه لم يتلق جواباً قاطعاً، لان الرئيس الاميركي يريد ان يساوم على رئاسة الجمهورية ويفاوض عليها مع سوريا التي تدرك ان لا خيار امام الرئيس الاميركي الاّ الرضوخ لارادة اللبنانيين بالتوافق، والاّ فالبديل هو الفوضى التي اذا حصلت سيخسر الورقة اللبنانية التي يمسكها للتفاوض عليها على ازمات المنطقة مع ايران وسوريا، وهي تعطيه رصيداً داخل الولايات المتحدة، بان نموذج الديمقراطية قائم في لبنان، فاذا لم تحصل الانتخابات او اذا جرت خارج الدستور ووقعت الفوضى، فانه سيفقد ما يعتبره قاعدة متقدمة للمصالح الاميركية في المنطقة، وخط دفاع عن الامن القومي الاميركي، كما وصف بوش حكومة السنيورة.فالقمة الاميركية-الفرنسية كانت محطة انتظرها اللبنانيون ودول اخرى، لمعرفة الاتجاه الذي ستسلكه بشأن الازمة اللبناينة ومتفرعاتها ومنها الانتخابات الرئاسية التي تبين ان تبايناً نشب بين الرئيسين الاميركي والفرنسي، وان لكل منهما نطرة غير متطابقة مع الاخر، فالاول يريد رئيس تحد يواجه المعارضة وحلفاء سوريا وينفذ القرار 1559 بنزع سلاح المقاومة وتطبيق القرار 1701 بمنع تواجد المقاومة في الجنوب، والسير بالمحكمة الدولية في اغتيال الرئيس رفيق الحريري. في حين ان ساركوزي يؤيد وصول رئيس توافقي يلتزم تنفيذ القرارات الدولية، لانه اذا لم يأتي هذا الرئيس، فالقرارات ستبقى حبراً على ورق، والمحكمة قد تصبح في مهب الريح اذا عمت الفوضى لبنان.
فالتمايز بين الموقف الفرنسي والاميركي، ظهر ايضاً في اسطنبول بين الوفد الاوروبي والعربي من جهة، والاميركي من جهة ثانية، وان «اجندة» الطرفين كانت مختلفة وفرضت رايس بياناً على المجتمعين الذين رضخوا لها برفض الرئيس التوافقي، لكن بعد خروجهم من الاجتماع، كانت لهم مواقف تؤيد التوافق حول الاستحقاق الرئاسي.وقد يكون هذا التمايز لصالح لبنان، ويحد من جنوح الفريق الحاكم نحو انتخاب رئيس بالاكثرية المطلقة ، بعد ان اعلنت اطراف عربية واقليمية ودولية، انها لن تؤيد حصول مثل هذه العملية الانتخابية، ولن تعترف برئيسين او بحكومتين اذا ما اندفع الطرفان المتصارعان بإتجاههما، وجرى تنبيه الاميركيين من قبل الاوروبيين وبعض الدول العربية، بأن الانتخاب يجب ان يكون بنصاب الثلثين في الدورة الاولى، وهذا يعني التوصل الى توافق، وخارج هذا السياق الدستوري، فان لبنان متجه نحو الخراب، وهو ما بات يعرفه القاصي والداني، وعبرت عنه مواقف اطراف عديدة، كان آخرها تحذير مجلس المطارنة الموارنة في بيانه الشهري الذي تخوف من انزلاق لبنان نحو الهاوية، وايضاً القلق الصادر من جامعة الدول العربية، ومن فرنسا واسبانيا وايطاليا ودول اوروبية اخرى، ومن الامين العام للامم المتحدة بان كي مون الذي اعلن في تقريره حول تنفيذ القرار 1701، ان الامور اذا ما استمرت على ما هي عليه في لبنان من تعقيد وتشنج وعدم التوافق، فان قيام حكومتين وادارتين هو ما ينتظر اللبنانيين، وهذا ما يقلقهم، اذا استمرت الاكثرية على تهديدها بأنها تفضل انتخاب رئيس بالنصف زائداً واحداً على حصول فراغ في رئاسة الجمهورية، وقد اعلن مندوب الولايات المتحدة في الامم المتحدة زلماي خليل زاده ان بلاده لا تمانع بحصول الانتخابات بالاغلبية التي يجب ان يكون الرئيس منها، وفي كل دول العالم، فانها هي التي تحكم، دون معرفته بطبيعة النظام السياسي الطائفي، وان الديمقراطية اللبنانية هي ديمقراطية طائفية مركبة يسمونها ديمقراطية توافقية.ورغم كل التعقيدات التي تحيط بالانتخابات الرئاسية، والارتباطات التي تتشابك فيها مصالح محلية وخارجية، فان ثمة من يتوقع ان تحصل مفاجأة في الربع الساعة الاخير، وقد اعتاد اللبنانيون ان يتم انتخاب رئيس للجمهورية في هذا الوقت، واحياناً من خاج الاسماء المتداولة، وبما يشكل مفاجأة، حيث
تتحدث المعلومات عن ان القرار الاقليمي والدولي باجراء الانتخابات قد اتخذ ولا تراجع عنه، وان الاتصالات تتركز على الاسم الذي يمكن ان تتقاطع عنده الاطراف، حيث ما زالت اسماء مرشحين من خارج صفوف الموالاة او المعارضة تتقدم، و يبرز اسم رياض سلامة (حاكم مصرف لبنان) الذي يحظى على تأييد داخلي وخارجي، كأحد المرشحين المحظوظين، وكذلك دميانوس قطار وجوزف طربيه وسيمون كرم الذين يوحي بهم البطريرك صفير.لكن ثمة مشكلة تواجه هؤلاء وهي ان القوى السياسية لا تريد اسماء مرشحين اكاديميين او تكنوقراط، بل اشخاصا لهم تاريخهم السياسي وتمثيلهم الشعبي.وهكذا فان الاستحقاق الرئاسي في الايام العشرة الاخيرة من المهلة الدستورية، يعيش ازمة الاتفاق على رئيس، قد يبقى حتى الربع الساعة الاخير، واذا انقضى الوقت ولم تحصل ولادة الرئيس التوافقي، فان فخامة المجهول وفخامة الفراغ وفخامة الانفجار سيكون رئيساً للبنانيين.
Leave a Reply