«أوعا خيّك»، هو الشعار الذي رفعه كل من «التيار الوطني الحر» وحزب «القوات اللبنانية»، بعد ما سمي «مصالحة» بينهما، تكرّست في «اتفاق معراب» قبل حوالي عامين، وتُرجم بتأييد انتخاب العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية بعد أن أُقفلت بوجه رئيس القوات سمير جعجع أبواب الوصول إلى القصر الجمهوري لاعتبارات سياسية محلية وأخرى إقليمية ودولية، فارتأى أن يصل عون إلى الرئاسة الأولى، وأن لا يحصل عليها النائب سليمان فرنجية الذي كان حظي بتأييد كل من الرئيس نبيه برّي والرئيس سعد الحريري والنائب وليد جنبلاط، مع رغبة من «حزب الله» أيضاً، الذي كان مرشحه الأول العماد عون.
أنهت المصالحة الخلافات التي وقعت بين التنظيمين المسيحيين الأقوى والتي اتّخذت طابعاً عسكرياً في مطلع نهاية ثمانينات القرن الماضي، والتي سُميت «بحرب الإلغاء»، عندما كان العماد عون رئيساً للحكومة العسكرية التي تشكّلت في نهاية عهد الرئيس أمين الجميّل في أيلول 1988 وقائداً للجيش في الوقت نفسه.
الثنائي المسيحي
هذه المصالحة التي سُميت مسيحية، لكنها لم تشمل كل القوى السياسية المسيحية، جرى التخوف منها من أن تكون «ثنائية مسيحية»، على غرار «الثنائية الشيعية» بين حركة «أمل» و«حزب الله» اللذين عرفا حرباً دموية بينهما إمتدت على نحو عام، ووصلت إلى كل بيت شيعي، وعلى خلفية مَن يملك القرار داخل الطائفة الشيعية، ولمن السيطرة على ساحتها، حيث إنتهت الخلافات الدموية بينهما بقرار سوري–إيراني، أعطى ورقة المقاومة لـ«حزب الله» والعمل السياسي داخل السلطة اللبنانية لحركة «أمل»، وهو ما منع تجدد الصدام بينهما، وتوافق على تقاسم للمقاعد النيابية، ثم الوزارية بعد مشاركة «حزب الله» في الحكومات منذ العام 2005، والذي ابتعد عن المحاصصة في الوظائف داخل الإدارات والمؤسسات.
فـ«الثنائية الشيعية»، رتّبت خلافاتها ونظّمتها، لا بل لم تعد تظهر كثيراً فصمدت على مدى ربع قرن، ولم يحصل أي إشكال سياسي، لأن الطرفين منضويان تحت سقف خط سياسي ونهج مقاوم وتحالف إقليمي مع سوريا وإيران، وهو غير متوفر بين «التيار الحر» و«القوات اللبنانية»، اللذين تباعد السياسة بينهما في العلاقة مع «حزب الله» وتأييد مقاومته من قبل «التيار الحر» الذي يؤيّد النظام السوري وعلى رأسه الدكتور بشار الأسد، وهو ما لا توافق عليه «القوات اللبنانية» بتاتاً، مما بدأ يؤثّر على «ربط النزاع» بينهما أو «تنظيم الخلاف السياسي» وكل منهما بحاجة إلى ذلك، لترتاح «الساحة المسيحية» من الخلافات بينهما، والتي كانت تتأثر بها الجامعات والثانويات والبلدات والقرى، حيث حقّق «تفاهم معراب» إيجابيات في تبريد التوتر وتخفيف الاحتقان السياسي.
المشاركة في السلطة
ومع انتخاب العماد عون رئيساً للجمهورية قبل عام، والذي اعتبره جعجع أنه من صناعته، وأنه يحق له أن تكون مشاركته في السلطة وازنة، وكان الامتحان الأول في تشكيل الحكومة إذ استبعدت «القوات اللبنانية» عن إحدى الحقائب السيادية وهي كانت تطمح لوزارة الدفاع أو المالية، لكنها جوبهت بالرفض من قبل الرئيس عون ومعه رئيس «التيار الحر» الوزير جبران باسيل، اللذين رفضا إعطاء حجم للقوات في الحكومة، كما أن الرئيس نبيه برّي رفض التخلي عن وزارة المالية، التي كرّس «عرفاً» وهو أن يكون وزيرها شيعياً، ليبقى توقيعه على المراسيم، وهكذا لم تتمكن «القوات اللبنانية» من تحقيق ما كانت تشتهيه فحصلت على منصب نائب رئيس للحكومة ووزارة الصحة للوزير غسان حاصباني ووزير للشؤون الإجتماعية بيار أبي عاصي وميشال فرعون وزير دولة للتخطيط، وهو ليس قواتياً، بل قدّم نفسه حليفاً لها، وكان قبل ذلك في «كتلة المستقبل النيابية».
جعجع مصدوم أم مخدوع؟
وشعر جعجع، بالصدمة من تصرف رئيس الجمهورية معه، وكأن له ديناً معه، لم يفه، وهو يعلم أن مَن رشّح عون وأوصله إلى رئاسة الجمهورية هو «حزب الله» وليس رئيس القوات الذي استلحق نفسه، كي يظهر أمام المسيحيين أنه ضحى برئاسة الجمهورية للحفاظ عليها، لأن «حزب الله» لا يريد حصول انتخاباتها ولا يقبل بعون رئيساً، حيث أظهرت الوقائع، عكس ما كان يزعمه جعجع الذي سأل نفسه هل هو خدع نفسه عندما وافق على عون الذي لم يغيّر من أدائه السياسي تجاه المقاومة بعد أن أصبح رئيساً للجمهورية، بل بات أكثر تشدداً، وهو ما أزعج السعودية التي توقعت أن يبدل عون موقفه وموقعه، كما فعل غيره من رؤساء جمهورية، لكنه كان ملتزماً مع مَن وقّع معه «ورقة تفاهم» في كنيسة مار مخايل في 6 شباط 2006، وهو «حزب الله» وأمينه العام السيد حسن نصرالله الذي وصف في خطابه الأخير الرئيس عون بالوطني وليس «بالعميل لحزب الله»، وفق وصف مسؤولين في الإدارة الأميركية له.
التشكيلات الدبلوماسية
ومع التباعد في الموقف السياسي، ظهر خلاف بين «التيار الحر» والقوات على التعيينات في مؤسسات الدولة وإدارتها، والتي استبعدت عنها القوات، ورفض الوزير باسيل المحاصصة المسيحية معها، فأقدم على تشكيلات في وزارة الخارجية للسفراء والموظفين، غاب عنها مؤيدون للقوات، مما اضطر وزراؤها في الحكومة إلى طرح سؤال في إحدى جلسات مجلس الوزراء عن الآلية التي اعتمدت فيها التشكيلات الدبلوماسية، ولم تلقَ الجواب، حيث تسلّم سفراء في «التيار الحر» السفارات المهمة في الدول الكبرى كفرنسا وأميركا حيث المركزين لمسيحيين.
.. والقضائية
ولم تمر بضعة أشهر على التشكيلات الدبلوماسية، حتى ظهرت القضائية والتي تخلو من أي قاضٍ رشحته «القوات اللبنانية» لمراكز معينة، ليحصد «التيار الحر» الحصة القضائية كاملة في المحكمة العسكرية وفي جبل لبنان ومحكمة التمييز ومراكز قضائية أخرى، حيث كشفت الممارسات عن محاصصة تعتمد في إدارات الدولة ومؤسساتها بين القوى السياسية، حيث لم يختلف الأداء عن العهود السابقة، والحكومات المتعاقبة، وقد أعلنت «القوات اللبنانية» ذلك صراحة، وهدّدت بالاستقالة من الحكومة وهي كادت أن تصل إلى ذلك.
صفقة البواخر
ومع ما سمي صفقة البواخر لتوليد الكهرباء، فقد رفضتها «القوات اللبنانية» وطلبت بإعتماد مناقصة شفافة حولها، واستجابت الحكومة، وطلبت من وزير الطاقة سيزار أبي خليل، التقدم بدفتر استدراج عروض، بعد أن دار سجال بينه وبين الوزير القواتي غسان حاصباني، حيث تحاول «القوات اللبنانية» الظهور بمن يحارب الفساد ووقف الهدر غامزة من وزراء «التيار الحر» الذين يرفعون شعار «الإصلاح والتغيير» و«يعملون عكسه»، وهو ما انعكس إيجاباً على القوات التي واجه وزيرها ملحم رياشي، وهو أحد راعاة إتفاق معراب مع النائب ابراهيم كنعان، رفضاً من «التيار الحر» حول تعيين شخص اقترحه لرئاسة مجلس إدارة تلفزيون لبنان من بين أسماء تقدموا عبر مجلس الخدمة المدنية، فتم رفضه لأن الوزير باسيل اقترح اسماً آخر، وكذلك الأمر لمركز مدير الوكالة الوطنية للإعلام، حيث ارتفع الخلاف بين الطرفين، وسحب رئيس الجمهورية يده عن الموضوع وطلب من رياشي حله مع باسيل الذي لم يوفر «القوات اللبنانية» من الهجوم عليها حول ما جرى في جرود عرسال بتصدي المقاومة للإرهابيين ثم الجيش في جرود القاع ورأس بعلبك وطرد تنظيم «داعش» منها، حيث شكّكت القوات بالجيش، فردّ عليها رئيس «التيار الوطني الحر» بكلام قاسٍ مما خلق أجواء متوترة بين قاعدتي الطرفين.
الانتخابات النيابية
وقد بدأ يظهر أن «إتفاق معراب» قد لا يصمد حتى الانتخابات النيابية، إذ التنسيق معدوم بينهما، ويقوم كل طرف بتسمية مرشحيه، في أكثر من قضاء بالرغم من أن المدة الزمنية المتبقية عن موعد الانتخابات هو نحو ستة أشهر، إلا أن المؤشرات تؤكّد على أنهما متجهان نحو لوائح متنافسة ليحصد كل طرف كتلة نيابية تؤهّله لأن يطرح مرشحه لرئاسة الجمهورية، وإن كان هذا المجلس لو جرت الانتخابات في موعدها في 16 أيار 2018، فلن يكون هو مَن سينتخب رئيساً للجمهورية، إذ تنتهي ولايته قبل نحو ستة أشهر، إلا إذا حصل طارئ صحي للرئيس الحالي قبل انتهاء ولايته.
اهتزاز الثقة
كل هذه العوامل، أدّت إلى اهتزاز الثقة بين «التيار الحر» و«القوات اللبنانية»، وبات «اتفاق معراب» أمام الامتحان، إذ يشعر «القواتيون» بتهميشهم من قبل «العونيين»، وأنهم يخوضون معهم «حرب إلغاء» من نوع آخر، بالرغم من كل محاولات الطرفين نفي ذلك وبأنهما ليسا حزباً واحداً، وتحصل خلافات في وجهات النظر، لكن هذا التبرير لا تعكسه الوقائع على الأرض إذ أن «التيار الحر» ورئيسه باسيل، يعمل على قطف حصاد وصولهم إلى السلطة، ولا يعنيهم «الأخ القواتي» الذي يتوجس من أخيه «العوني»، تحت شعار «انتبه من أخيك».
Leave a Reply