واشنطن – بدأت معالم السباق الديمقراطي للرئاسة تتضح بعد انتخابات «الثلاثاء الكبير» التي أجريت في 14 ولاية أميركية الأسبوع الماضي، وأسفرت عن عودة نائب الرئيس الأميركي السابق جو بايدن إلى الواجهة بعد تحقيق سلسلة انتصارات كبيرة متقدماً على أقرب منافسيه السناتور بيرني ساندرز. فيما جاءت نتائج التصويت مخيبة للملياردير النيويوركي مايكل بلومبرغ الذي قرر الانسحاب من السباق، وتبعته السناتور إليزابيث وورن بقرار مماثل.
السباق الديمقراطي الذي بات منحصراً بين ثلاثة مرشحين فقط –بعد انسحاب كل من وورن وبلومبرغ وپيت بوتيجدج وأيمي كلوبوتشار وتوم ستاير– يتصدره بايدن بحصوله على 566 مندوباً، مقابل 501 لساندرز، فيما تستمر النائبة الديمقراطية عن ولاية هاواي، تولسي غابارد، في السباق رغم فوزها بمندوب واحد فقط.
يذكر أن عدد المندوبين المطلوب للفوز بترشيح الحزب الديمقراطي للرئاسة هو 1,991 مندوباً. وقد تم حتى الآن تحديد 1,215 مندوباً من أصل 3,979.
وستقام يوم الثلاثاء القادم، 10 آذار (مارس) الجاري، جولة انتخابية جديدة لا تقل أهمية عن «الثلاثاء الكبير»، حيث سيجري الاقتراع في ستّ ولايات هي: ميشيغن وأيداهو وواشنطن وميسوري ومسيسيبي ونورث داكوتا، بإجمالي 365 مندوباً.
نتائج الثلاثاء الكبير
تمثل نتائج «الثلاثاء الكبير» فوزاً كبيراً لبايدن في مواجهة بقية المرشحين، فقبل أسبوع فقط كانت حملته على وشك الانهيار بعد النتائج الضعيفة في أول ثلاث جولات (آيوا ونيوهامبشير ونيفادا)، بيد أن فوزه بولاية ساوث كارولاينا –السبت الماضي– أعاده بقوة إلى سكة المنافسة، فضلاً عن انسحاب مرشحين اثنين لصالحه قبل انتخابات «الثلاثاء الكبير» (بوتيجدج وكلوبوتشار)، قبل أن يقدم بلومبرغ على خطوة مماثلة فور صدور نتائج الاقتراع.
وعلى خطى هيلاري كلينتون في انتخابات 2016، اعتمد نجاح بايدن بشكل رئيسي على الناخبين الأفارقة الأميركيين والناخبين الديمقراطيين التقليديين، حيث كان الفوز من نصيبه في ولايات نورث كارولاينا وساوث كارولاينا وفيرجينا وألاباما وأركنسو وماين وماساتشوستس ومينيسوتا وتينيسي وأوكلاهوما وتكساس.
أما ساندرز الذي يعتمد على قاعدة شبابية واسعة ودعم التيارات التقدمية، فقد فاز بأكبر ولاية، وهي كاليفورنيا، إضافة إلى فوزه بكولورادو ويوتاه وفيرمونت التي يمثلها في مجلس الشيوخ الأميركي. وكان قد فاز بالجولات السابقة في ولايتي نيوهامبشير ونيفادا.
وعلى الرغم من النجاح الذي حققته حملة ساندرز إلا أنه تلقى ضربة كبيرة من بايدن بخسارته ولايتين في الغرب الأوسط كان قد فاز بهما في سباق 2016، وهما أوكلاهوما ومينيسوتا، مما قد يؤثر سلباً على حظوظ ساندرز في ولايات أخرى مثل ميشيغن وإنديانا وويسكونسن التي كان قد فاز بها أيضاً السناتور اليساري بمواجهة كلينتون قبل أربع سنوات.
غير أن أبرز انتصار حققه ساندرز في «الثلاثاء الكبير»، كان تصدره السباق بولاية كاليفورنيا بحصوله على 210 مندوبين من أصل 415 يمثلون حصة الولاية في المجمّع الديمقراطي.
أما أكبر الخاسرين في «الثلاثاء الكبير» فكان رئيس بلدية نيويورك السابق الملياردير مايكل بلومبرغ، الذي كان يعول على فشل حملة بايدن ليكون هو المرشح الوسطي الذي يحل مكانه بمواجهة المرشح اليساري ساندرز، غير أنه بعد المفاجأة التي حققها بايدن، وجد نفسه مضطراً للانسحاب من السباق «لتوحيد الصفوف».
ورغم إنفاقه مئات ملايين الدولارات من جيبه الخاص على تسويق حملته، متجاوزاً معدل إنفاق أي مرشح رئاسي آخر، إلا أن بلومبرغ الذي تقدر ثروته بنحو 58 مليار دولار لم يفز في أي من الولايات التي ترشح فيها عدا أقليم «ساموا» الأميركي الذي أنفق فيه أقل من ألفي دولار فقط.
وأنفق بلومبرغ أكثر من 60 مليون دولار في ولايات «الثلاثاء الكبير»، في حين لم يتجاوز إنفاق بايدن مليون دولار على هذه الولايات كما لم يكن لديه العديد من المتطوعين على الأرض.
بلومبرغ الذي ظهر ضعيفاً في المناظرتين الوحيدتين اللتين شارك فيهما، قال في تغريدة انسحابه: «قبل ثلاثة أشهر دخلت السباق لأهزم ترامب، والآن أغادره لنفس السبب، هزيمة ترامب تتطلب منا أن نتوحد خلف مرشح يمكن أن يفعلها»، معلناً دعمه للمرشح جو بايدن، كما فعل كل من بوتيجدج وكلوبوتشار.
وأضاف: «لا يمكننا تحمل أربع سنوات أخرى من تصرفات ترامب الطائشة وغير الأخلاقية».
ورد عليه ترامب ساخراً في تغريدة، الأربعاء الماضي، بالقول على لسان بلومبرغ: «قبل ثلاثة أشهر دخلتُ السباق لهزيمة دونالد ترامب وفشلتُ فشلاً ذريعاً».
وتابع: «لقد أهدر (بلومبرغ) مبلغ 700 مليون دولار ولم يحصل على شيء سوى لقب «ميني مايك» (مايك الصغير) والتدمير الكامل لسمعته».
وفي خسارة محرجة، حلت وورن في المركز الثالث في ولاية ماساتشوستس التي تمثلها في مجلس الشيوخ، بعد فشلها في اجتذاب أصوات اليسار من ساندرز، ليفوز بالولاية جو بايدن، بعد أن نجح في استمالة كبار السن والمعتدلين والأميركيين من أصول أفريقية وبعض الليبراليين.
وبعد نتائجها المخيبة أعلنت وورن انسحابها من السباق رافضة إعلان دعمها للمرشح اليساري الآخر، ساندرز. وجاءت النتائج الإجمالية مخيبة للسناتورة التي أبهرت الناخبين اليساريين في بداية السباق بتركيزها على المشكلات الأساسية للطبقة المتوسطة، ولكنها لم تحصد سوى 61 مندوباً.
تآمر على ساندرز؟
مع انسحاب العديد من المرشحين لصالح نائب الرئيس الأميركي السابق، ينحصر التنافس في السباق الديمقراطي للرئاسة بين المرشح الوسطي جو بايدن والمرشح اليساري بيرني ساندرز في إعادة للانتخابات التمهيدية في 2016 التي انتهت برجحان كفة هيلاري كلينتون التي انحازت لها مؤسسة الحزب الديمقراطي على حساب منافسها اليساري مما خلق حالة من الإحباط بين مؤيدي ساندرز الذين عزفوا عن التصويت في الانتخابات العامة.
ويبدو أن الديمقراطيين، هذه المرة أيضاً، يرصون صفوفهم خلف بايدن لقطع الطريق أمام ساندر الذي لا يحظى بدعم الناخبين المعتدلين الذين يعتبرونه مرشحاً غير قادر على إلحاق الهزيمة بالرئيس الجمهوري دونالد ترامب بسبب برنامجه «الاشتراكي».
فرغم دعم فئات واسعة من الديمقراطيين لساندرز، خاصة الشباب، إلا أن تقديم نفسه كمرشح «اشتراكي ديمقراطي» لا يلقى القبول الكافي لدى الشرائح الأخرى من الناخبين الذين يرون في بايدن مرشحاً أقوى في مواجهة ترامب.
وكان الرئيس ترامب قد أطلق على انسحاب عدد من المرشحين الديمقراطيين لصالح بايدن بـ«الحدث الانقلابي» على ساندرز، واصفاً ما حصل بأنه «تزوير للانتخابات».
وقال ترامب إن الانسحابات تصب في صالح بايدن وستذهب أصوات المرشحين المنسحبين إلى «جو النعسان». وأضاف: «الديمقراطيون يعملون بجهد من أجل تدمير سمعة واسم المجنون بيرني، وحرمانه من الفوز».
أما ساندرز فعلق على الانسحابات متسائلاً لماذا عليه أن يتفاجأ مما حصل «فكل ما هنالك أن سياسيي المؤسسة (الحزب) اجتمعوا على هذا الأمر معاً»، ملمحاً إلى تآمر حزبي لإقصائه.
وكان بايدن قد قال إن فوزه جاء بدعم من الطبقة المتوسطة والأميركيين من أصول أفريقية، مشيراً إلى أن هؤلاء هم يمثلون «المؤسسة» التي اتهمها ساندرز بأنها تسعى لهزيمته.
لكن ساندرز رد عبر «تويتر»، الأربعاء الماضي، قائلاً: «لا يا جو! «المؤسسة» هي أصحاب المليارديرات الـ60 الذين يمولون حملتك واللجان السياسية (السوبر باكس) التي تمول حملتك والتي تنفق الملايين على الإعلانات السلبية التي تهاجمني».
وأشارت تقارير إعلامية إلى أن الرئيس السابق باراك أوباما، الذي يدعم نائبه السابق، بايدن، لا يكتفي بالدعم فقط، بل ينسق عبر اتصالات هاتفية مع مرشحين آخرين لما سيسهل نجاح بايدن، وهو ما وصفته وسائل إعلام أميركية بـ«أيدي أوباما الخفية».
ونقلت شبكة «أن بي سي نيوز» عن مصادر قولها إن أوباما اجتمع مع بايدن بعد فوزه في الانتخابات التمهيدية بولاية ساوث كارولاينا السبت الماضي، ومع بوتيجدج يوم خروجه من السباق، الأحد المنصرم.
وتبع ذلك سفر بوتيجدج وكلوبوتشار، التي انسحبت أيضاً، إلى دالاس للمشاركة بدعم حملة بايدن هناك.
Leave a Reply