لا تهمني فرنسا ولا شؤونها منذ ان أصبَحَتْ في خانة العدو الإسرائيلي في عهد السيِّء الذِكر فرانسوا ميتران، أبو الاشتراكية الصهيونية التي ينتمي اليها حزب جنبلاط مع حزب العمل الإسرائيلي، إلى مدّٓعي الديغولية الموظف عند الحريرية جاك شيراك إلى اليميني المتطرف الثمل نيكولا ساركوزي إلى “الأسطل” فرنسوا هولاند داعم الوهَّابية السعودية ونتاجها الداعشي.
ولا يهمني وضع فرنسا لانها حاضنة الفرانكوفونية الإستعمارية التافهة ولأنها مازالت تمثِّل أُمَّا حنوناً لبعض الفئات اللبنانية رغم ما فعلَتْه خلال استعمارها البغيض المجرم المباشر وغير المباشٓر. هذا الإستعمار غير المباشٓر الرمزي شهدناه من خلال إضاءة مسخ الوطن لصخرة الروشة بعٓلٓم فرنسا بعد الهجمات الإرهابية في باريس مع أنَّ نصف لبنان قابعٌ في العتمة نتيجة أزمة الكهرباء التي لا مثيل لها في العالم، متجاهلاً الهجمات التكفيريَّة الإنتحارية التي استهدفت الضاحية الجنوبية وبالأخص برج البراجنة في كانون الأول من عام 2015!
السبب الوحيد الذي سأتناول فيه موضوع فرنسا هو الإنتخابات الرئاسية فيها والتي تشير إلى ما يُنذِر بالشر ويضعها على أعتاب المجهول في حال نجح أي واحد من المرشَّحَين النهائيين وتأثير فوز أحدهما على وضعنا في المنطقة!
لا شك أنَّ نتائج إنتخابات الجولة الأولى أسفرت عن نجاح نوع من نمط سياسي (trend) برفض الناخبين للمؤسسة الحاكمة التقليدية أو ما يُسمى «الإستابلشمنت» (establishment) وتأييد طبقة من خارج نادي السياسيين الراهنين وأحزابهم التي حكمت مُدداً طويلة، محملين إياهم المسؤولية عن تردي واهتراء الأوضاع في كل المجالات الإقتصادية والاجتماعية والسياسية. لهذا السبب تمكَّن إيمانويل ماكرون من الفوز على غيره من عُتاة السياسة مع أنَّه لا يملك خبرة كافية عدا عن عمله القصير الأجل كوزير للاقتصاد في عهد هولاند وهو قد أسس لتوِّه بالعام الماضي فقط حزباً سياسياً «أون لاين» تقريباً سمَّاه «إلى الأمام». كذلك نجحت زعيمة اليمين المتطرف ماري لوبان في الوقوف بوجه ماكرون مع أنها لم تستلم منصباً حكومياً في حياتها. وإذا وصل أحدهما لقصر الإليزيه فسيكون الحدث تاريخياً بامتياز نتيجة عدم تمكَّن أيٍ من الأحزاب التقليدية التي حكمت البلاد بعد الحرب العالمية الثانية من تسلَّم السلطة.
وبالرغم من أنّٓ استطلاعات الرأي تُظهِر تقدم ماكرون على لوبان إلا أن فوز دونالد «ترامبو» الرئاسي تدل على إمكانية حصول مفاجآت في آخر لحظة. وقد يتم نسخ التجربة الترامبية في فرنسا حيث بدأ منذ الآن تشبيه لوبان به في لحظات تاريخية حرجة. لذا من غير المستبعد أنْ تصبح لوبان رئيسة فرنسا الجديدة إذا امتنع عدد كبير من الناخبين عن التصويت أو إذا اقترع آخرون بورقة بيضاء وقد يبلغ عددهم 4 ملايين جلهم من أقصى اليسار الذين صوتوا لجان لوك ميلانشون وجزء مُعتَبر من أحزاب اليمين الذين أدلوا بأصواتهم لفرنسوا فيون ونيكولا اينيون ولينوا هامون. ولوبان قادرة على تجييش الرأي العام ضد ماكرون «مرشَّح العولمة المتوحشة» القادم من عالم المصارف والطفل المدلَّل لعائلة روتشيلد المسيطِرة على عالم المال في العالم، كما باستطاعتها البناء على تجربة «بريكزيت» في بريطانيا ضد تسلُّط وهيمنة الإتحاد الأوروبي الذي تسعى لسحب فرنسا منه. الشيء الوحيد الذي لا يلعب لصالحها هو مدى قدرة النفوذ الإسرائيلي الذي يتهمها بمعاداة السامية ويتهم والدها بإنكار «الهولوكوست».
نجاح ماكرون قد يعني استمرارية لسياسة هولاند التعيسة من خلال تعزيز العلاقات مع بني سعود لأنه مصرفي يتعامل بالحسابات المالية الضيقة والرياض تشكِّل سوقاً للاستثمار العسكري ممَّا يعني إبقاء الوضع في سوريا على حاله وعدم تجفيف مصادر تمويل الإرهابيين ورهن مستقبل لبنان لدى الوهابيين. أمَّا لوبان فلها موقف مبدئي من سوريا جاهرٓتْ به في لبنان عندما اختلفت في لقاء لها مع سعد الحريري حول وضعية الرئيس بشَّار الأسد واعتبرت أنه مهما قيل عنه فإنه يُحارب «داعش» والإرهاب التكفيري عامةً. لكن تجربة ترامب في الحكم خلال المئة يوم الأولى، أظهرت أنّٓ الكلام الذي يُقال قبل تسلُّم السلطة يختلف تماماً بعدها وترامب قال عن سوريا وإيران وروسيا أكثر من لوبان لكن الإنجاز الوحيد له في فترة 100 يوم الفاشلة من حكمه كان العدوان المسرحي على دمشق!
في هذه المعمعة يقف لبنان غير متحضر كالعادة لما قد يحصل من تطورات داهمة فلم يجر التوافق كما يجب على قانون انتخاب نسبي عادل بل يتم التداول بقوانين مذهبيَّة حجرية ترسِّخ الانقسام والمتاريس الدينية والانتساب للطائفة لا للوطن.
لكن هذا ليس بجديد على بلد العجائب الفاشل حيث رئيس حكومته لم يُنجِز شيئاً للناس عدا وصوله للسلطة على أكتاف المطرودين والمصروفين بلا تعويض من مؤسساته. لكن حتَّى بالمقاييس اللبنانية المقلوبة لم يحدث أنّْ وقف مقاوم واحد على الحدود ليهز كيان العدو فيأتي الرد من رئيس حكومة البلد المُعتدى عليه، مُستحضِراً البيان الوزاري «النووي»! ذلك أنَّ هذا البيان الوزاري هو «السلاح» الوحيد الذي يطمئن سعد من العدو الإسرائيلي حسب قوله للإعلام، لكنَّه نسي تضمين إعلان بعبدا ودبلوماسية فؤاد السنيورة وصيصان كوندليسا رايس واستراتيجية دفاع «شاي مرجعيون» وصلابة الأمم المتحدة لردع تل أبيب!
Leave a Reply