مهما كانت نتائج الإنتخابات النيابية في لبنان، والتي ستجرى يوم الأحد في السادس من هذا الشهر مترامنةً مع صدور هذا العدد، فلن تغير في الوقائع الميدانية على الأرض ولن تُحدِث تغييراً كبيراً في خارطة القوى السياسية ذلك أن التنافس المفروض أن يكون ديمقراطياً هو ليس بين أحزاب وهيئات وفعاليات نقابية وتيارات شعبية بل بين الطوائف والملل والنحل من دون طروحات جديدة تفيد الناخبين ولا برامج اجتماعية واقتصادية تواكب العصر والتطور الذي هو أول أسباب الإنتخابات.
وليس صدفة أن يحل الإستحقاق الإنتخابي في 6 أيار الذي «طحلونا» به منذ كنّا صغاراً على مقاعد الدراسة، أنه عيد ما يسمَّى بالشهداء. وقد قيل لنا أن الذين قتلهم جمال السفّاح (من دون باشا) كانوا يخططون لاستقلال لبنان ولكن مراجعات كثيرة في التاريخ بعد ذلك أظهرت أن هذه كذبة جديدة من أكاذيب مسخ الوطن اخترعها أسوةً بتاريخه المزوَّر لتجميل وجهه بعد حصوله على الإستقلال المزعوم من دون نقطة دم. أولئك «الشهداء» أذكر أن وليد جنبلاط ذات يوم تهكم عليهم ونعتهم بالعملاء لأنهم كانوا يسعون للتخلص من المستَعْمِر العثماني واستبداله بالفرنسي وجنبلاط هو «الأدرى» في هذا المجال. وهذه على كل حال نتيجة كل الثورات في لبنان منذ ثورة «الفلاحين» بقيادة طانيوس شاهين وحتى ثورة اليقطين بقيادة جان بولتون وقرطة حنيكر لاستبدال الوصاية السورية بسعودية وهابية وتكفيرية وغربية، ذلك لأن كل مولود ينتج عن الكيان المسخ هو مشوَّه على شاكلته إلى أن «زمط» عصر المقاومة–النقطة الوحيدة المشرِّفة والمضيئة في هذا البلد، لأسباب لا يسع ذكرها في هذه العُجالة!
فالقانون الإنتخابي الجديد صدر عن نظام فاشل فكان نسخة طبق الأصل عنه. فقد أبصر النور بعد مخاض عسير «كطرح» وجهيض كالنظام، بعد تمديدين ونصف للنواب وهو يشبه صوم الجبل إلا أنه أكثر «عجيبة» وتشويهاً، عدا عن أن قانون أينشتاين أسهل منه فخلط الحابل بالنابل وأخترع الصوت التفضيلي وعزز الطائفية وحرم المغتربين، خصوصاً في الغرب، من أن «يتهنوا» بالإقتراع لأول مرة في تاريخهم.
ثم بدل أن يتنحى مسؤولا الانتخابات وزيراً الداخلية والخارجية عن الترشح، تراهما ينخرطان في الحملات المسمومة والطائفية والمذهبية والفتنوية الخطيرة التي استعادت لغة الحرب القديمة البغيضة! فنهاد المشنوق أطلق العنان للسانه السليط متحاملاً على إيران ومتهماً، في آخر تخرّصاته، المقاومة بأن تدخلها في سوريا هو الذي جلب الدواعش إلى لبنان مستعملاً الطريقة الترامبية لتزوير الحقائق الدامغة التي تفيد أن المقاومة كانت آخر من تدخَّل وأن جماعته أول من أرسل السلاح (عن طريق الجراح وصقر) إلى سوريا.
لكن هذا كله في كوم وقيام جماعة الخرزة الزرقا بالاعتداءات على المرشحين كوم آخر. فبعد ضرب وهتك عرض المرشح في بيروت الزهيري جاء دور الأحباش مما تسبب بوقوع قتلى أبرياء ولو كان لدى المشنوق ومعلمه ذرة من كرامة لكانا استقالا من منصبيهما بعد هذه المجزرة التي حصلت في الطريق الجديدة لكنهما لم ولن يفعلا لأنهما ينتميان إلى «مدرسة» بني سعود حيث ألفباء مبادئها إلغاء الخصم وهي مدرسة يتسلط عليها اليوم من لا يعرف التمييز بين الإسترخاء والإستخراء أو بين أيام معدودات وأيام معلومات! الحمدالله لا تتواجد المقاومة في الطريق الجديدة وإلا كان المشنوق قد اتهم الولي الفقيه وإيران بالمشكلة التي أهدرت الدم بهذا الرخص كرمى لكرسي نيابي حقير. الدماء التي سالت يتحمل مسؤوليتها سعد الحريري والمشنوق كما تحمل السنيورة من قبلهما دماء الشهيد علي المحمود الذي قُتِل غيلة أثناء التظاهرة الحاشدة ضد السنيورة وحكومته غير الشرعية!
أي بلد في العالم تقدٍّم له المقاومة حريته وتحرره على طبق من ذهب فلا تلقى من وحوش السياسة فيه إلا الجحود والنكران وقلة الوفاء بل التآمر مع أعداء الخارج وحتى إسرائيل ضدها؟! في كل بلدان الدنيا تُزف المقاومة زفاً للسلطة مثل مقاومة ديغول والڤيتكونغ والكوبيين أما عندنا في مسخ الوطن تجد من كثرة المؤمرات والأموال الطائلة التي «تشتي» على أخصام المقاومة، السيِّد نصرالله مضطراً للظهور على الشاشة عدة مرات لكي يشجع المناصرين على الإقتراع ولا يستهينوا بذلك بسبب تربُّص الأعداء وكأنه أصبح مندوباً إنتخابياً حتى لا يترك الفرصة للطاعنين بالظهر والطوابير الخامسة وأحصنة طروادة!
المقاومة يجب أن تكون منزَّهة عن تناولها بهذا الشكل المعيب وأن تكون نقطة جمع وقاسماً مشتركاً بين كل اللبنانيين الذين ينعمون اليوم بالأمن والإستقرار بعد اجتثاث جذور الإرهابيين التكفيريين وردع العدو الإسرائيلي الذي مازال يعربد يومياً في سماء لبنان ويستفز سيادته من دون كلمة واحدة من أدعياء العروبة والوطنية لأنهم مشغولون بالحملة الإسرائيلية السعودية ضد إيران ظناً منهم أنها ضعيفة لكنهم لا يعرفون الصبر الإيراني الذي انتصر رغم تكالب قوى الغرب وحصارها لعقود.
إن المراهنين على خيار تل أبيب وبن سلمان لن يفلحوا لأن أوراقاً كثيرة ومربحة بيد طهران ومحور المقاومة وسوف تتوضح أكثر، بعد الانتخابات وقرار ترامب في 12 أيار بشأن الإتفاق النووي. المنطقة مقبِلة على تغيير ذري ومن يعش يرَ!
Leave a Reply