شكل النصر العربي الأميركي الثلاثي في انتخابات ديربورن وديربورن هايتس وهامترامك، يوم الثلاثاء الماضي، علامة فارقة في تاريخ الجاليات العربية في منطقة ديترويت الكبرى، ليس فقط بسبب الإنجاز الانتخابي غير المسبوق بتصدر السباقات البلدية في المدن الثلاث، بل أيضاً بسبب المسؤولية الكبيرة التي ستُلقى على عاتق المسؤولين المنتخبين للنهوض بمستقبل مجتمعاتنا، وكلنا أمل بأن يكونوا على قدرها.
في المحصلة الانتخابية، فاز النائب في مجلس ميشيغن التشريعي عبدالله حمود عن جدارة برئاسة بلدية ديربورن، كما احتفظ رئيس بلدية ديربورن هايتس، بيل بزي، بمنصبه لأربع سنوات إضافية بعد تعيينه فيه مطلع العام الجاري، أما في هامترامك فاقتحم الطبيب أمير غالب، غمار العمل السياسي معتلياً أرفع منصب تنفيذي في المدينة، في أول تجربة انتخابية يخوضها.
في ديربورن، وبعد جهود سياسية حثيثة وتجارب انتخابية ناجحة حققها العرب الأميركيون على مدار السنوات السابقة، جاء فوز عبدالله حمود كأول عربي وأول مسلم يتولى رئاسة البلدية ليظهر حجم التحولات الديموغرافية والسياسية في المدينة التي كانت معروفة خلال مراحل طويلة من تاريخها بتحيزها ضد الملونين والأقليات، لاسيما إبّان حكم رئيس البلدية الأسبق أورفيل هابرد، ذي النزعة العنصرية ضد السود والعرب، إضافة إلى رئيس البلدية مايكل غايدو، الذي رفع خلال حملته الانتخابية عام 1985 شعار «المشكلة العربية» ولم يتوان عن وصف العرب بأنهم يعانون من مشاكل صحية بسبب قلة النظافة.
ومن المفارقات اللافتة، أن سياسات هابرد الذي ترأس بلدية ديربورن لمدة 36 عاماً (1942–1978)، ظلت متجذرة على المدينة حتى الأمس القريب، حيث أن تمثاله البرونزي الذي نُصب بتمويل من مؤيدي سياساته البغيضة في عام 1989 بقي شاهداً على عنصرية ديربورن حتى حزيران (يونيو) عام 2020، حين أزيل من حديقة متحف المدينة التاريخي، مثل غيره من النصب التذكارية العنصرية التي أزيلت على خلفية الاحتجاجات الغاضبة لمقتل الإفريقي الأميركي جورج فلويد في صيف العام الماضي.
وما من شك في أن فوز حمود التاريخي، ودخوله التاريخ كأول عربي وأول مسلم يتولى منصب رئيس بلدية ديربورن، يندرج ضمن التغيير العاصف لمواصفات المدينة التي بات تنوعها الثقافي والعرقي من أبرز سماتها السياسية والمدنية. وقد كان حمود أول المدركين لطبيعة نصره الساحق هذا، عندما أشار في خطاب النصر، الثلاثاء الماضي، إلى أن ديربورن تقف –اليوم– على أعتاب «حقبة تاريخية جديدة».
والمرحلة الجديدة، تكشف بما لا يدع مجالاً للشك عن الوزن الانتخابي للعرب الأميركيين الذين يشكلون نصف سكان المدينة، والذين باتوا ركناً أساسياً في المشهدين السياسي والحكومي بعدما أثبتوا لعقود، أنهم ركن أساسي في المشهدين الاقتصادي والثقافي لمدينة ديربورن.
وفي هذا الإطار، لم يكن مفاجئاً أيضاً انتخاب أربعة أعضاء من أصول عربية في المجلس البلدي الجديد، الذي سيترأسه العضو الحالي مايك سرعيني إثر تصدره السباق بفارق شاسع عن أقرب منافسيه.
وفي ذات السياق، يأتي احتفاظ رئيس بلدية ديربورن هايتس بيل بزي بمنصبه لأربع سنوات إضافية كإنجاز غير مسبوق، بعدما حقق في كانون الثاني (يناير) الماضي اختراقاً تاريخياً بتعيينه بغالبية أصوات المجلس البلدي، رئيساً للبلدية كأول عربي وأول مسلم يتولى هذا المنصب في المدينة التي يشكل العرب حوالي ثلث سكانها.
ورغم احتدام المناكفات السياسية في أروقة البلدية، نجح بزي في تأكيد جدارته على قيادة المدينة خلال وباء كورونا وإبان الفيضانات الكارثية الصيف المنصرم، ما أهّله لاكتساح صناديق الاقتراع في سباق رئاسة بلدية ديربورن هايتس رغم أن حملته الانتخابية تعرضت للعديد من الاتهامات المجحفة من قبل منافسته، رئيسة المجلس البلدي دينيز مالينوسكي ماكسويل.
كذلك شهدت ديربورن هايتس فوز مرشحين عربيين بعضوية المجلس البلدي، ما يعتبر مؤشراً بالغ الدلالة على تنامي الحضور السياسي للعرب الأميركيين في المدينة، حيث أعيد انتخاب مو بيضون لولاية جزئية تنتهي أواخر العام 2023، إضافة إلى انتخاب حسن أحمد لولاية كاملة مدتها أربع سنوات، تنتهي أواخر العام 2025.
مدينة هامترامك، هي الأخرى شهدت زلزالاً سياسياً بفوز الطبيب اليمني الأصل، أمير غالب، بسباق رئاسة المدينة مطيحاً برئيسة البلدية الحالية كارين ماجاوسكي، التي تقود المدينة منذ العام 2005.
الأهمية الكبرى لفوز غالب على ماجاوسكي لا تتأتى –فحسب– من خلال الفارق الكبير بين الأصوات، حيث حصد غالب 3,232 صوتاً مقابل 1,485 صوتاً فقط لماجاوسكي، وإنما لكونه وضع حداً لمئة عام من حكم السياسيين ذوي الأصول البولندية للمدينة الأكثر تنوعاً عرقياً وثقافياً في ولاية ميشيغن.
كذلك بيّن المشهد الانتخابي في هامترامك، مدى النضوج السياسي في أوساط الجالية العربية بمدينة هامترامك، التي نجحت –أيضاً– بإيصال اثنين من أبنائها إلى عضوية المجلس البلدي، وهما الناشط السياسي خليل الرفاعي، وطالب الهندسة بـ«جامعة وين ستايت» آدم البرمكي، وكلاهما من أصول يمنية.
في المشهد العام، يمكن القول إن العرب الأميركيين تجاوزوا الامتحان الصعب عبر الانتصار الثلاثي الذي ترددت أصداؤه في جميع أرجاء الولايات المتحدة والعالم، وأكدوا مرة أخرى مدى انخراطهم وتأثيرهم السياسي في المجتمعات التي يتركزون فيها، لكن يبقى الامتحان الأصعب للمسؤولين الذين حظوا بثقة الناخبين، بتحملهم مسؤولية قيادة مجتمعاتنا نحو المزيد من النهوض والازدهار.
فرغم أهمية الانتصارات الانتخابية، سيواجه المسؤولون العرب المنتخبون استحقاقاً أكبر وأكثر دلالة، لإثبات جدارتهم بثقة الناخبين وقدرتهم على معالجة التحديات المستعصية في مدننا وتحسين جودة الحياة لكافة السكان بغض النظر عن أعراقهم وأصولهم الإثنية.
وإننا –في «صدى الوطن» ليحدونا الأمل الكبير بأن يكون النجاح حليفهم الذي سيرافقهم في السنوات الأربع القادمة!
«صدى الوطن»
Leave a Reply