دخلت الأزمة السورية مرحلة دقيقة يراهن فيها الأميركيون وخصوم نظام دمشق، على إنهاك الدولة السورية وتدمير مقدرات البلاد في حرب لا نهاية لها، ولكن رياح الميدان السوري تأتي معاكسة تماماً لما تشتهيه أشرعة الرئيس الأميركي وحلفائه الدوليين والإقليميين.
وبعد جولة «التهديد» بهجوم على دمشق عبر الحدود الأردنية، اعتبرته دمشق مجرد تهويل، حاول أوباما، الأسبوع الماضي، التأكيد أن روسيا وإيران و«حزب الله» هم من «يخسرون في الحرب السورية». ولكن في الواقع كانت القوات النظامية تتقدم على محاور القلمون وريف دمشق وحلب حيث اقتربت كثيراً من فك الحصار على سجن حلب المركزي الذي يبقى عصياً على المسلحين رغم حصاره منذ أكثر من عام.
وفي إشارة الى عدم رغبة واشنطن في التورط عسكرياً في النزاع السوري، قال أوباما، في مقابلة مع مجموعة «بلومبرغ» نشرت الأسبوع الماضي، «أيدنا المساعدات العسكرية لمعارضة معتدلة في سوريا… لكن في حقيقة الأمر إذا كنت تبحث عن تغيير الوقائع العسكرية على الأرض، فإنّ طبيعة المشاركة من جانب القوات العسكرية الأميركية يجب أن تكون مهمة لدرجة ستفرض طرح عدد من الأسئلة بشأن (مبررات) سلطتنا الدولية لفعل ذلك».
وأضاف «سنستمر بالقيام بكل شيء للتوصل إلى حل سياسي، للضغط على الروس والإيرانيين، مبيّنين لهم أنه ليس في مصلحتهم المشاركة في حرب دائمة». وتابع «أنا دائماً أستمتع عندما أسمع عبارة أنّ إيران بطريقة أو بأخرى انتصرت في سوريا… هذا يستنزفهم لأنه عليهم إرسال مليارات الدولارات. وكيلهم الرئيسي، «حزب الله»، الذي كان لديه موقع قوي ومريح في لبنان، يجد نفسه اليوم مهاجماً من قبل المتطرفين السنّة، وهذا ليس جيداً لإيران. هم يخسرون بقدر أي شخص آخر. والروس يجدون صديقهم الوحيد في المنطقة وسط الأنقاض وفاقداً للشرعية».
وفي سياق آخر، أعلنت وزارة الخارجية الاميركية، تقاعد السفير الأميركي في سوريا روبرت فورد، الذي كان المسؤول الاميركي الرئيسي عن الاتصالات مع قادة المعارضة السورية، واعتبرت ذلك «خسارة» للدبلوماسية الاميركية.
وأعلنت الناطقة باسم وزارة الخارجية الاميركية جينيفر بساكي «تقاعد روبرت فورد بعد عمل استمر ثلاثين عاما» ومغادرته وزارة الخارجية الاميركية، في خطوة يراها المراقبون طبيعية بعد الفشل الذي منيت به السياسة الأميركية في سوريا.
طغت الانجازات العسكرية على المشهد السوري لهذا الأسبوع فقد وصلت قوات الجيش الى يبرود من جهتيها الشمالية والشرقية منطقتي الصناعية والكراجات ونادي يبرود الرياضي وذلك بعد ان سيطرت القوات على القرى والتلال المحيطة بالمدينة التي باتت بحكم الساقطة عسكرياً.
في إعادة لعملية «الكماشة» التي تم تطبيقها في غوطتي دمشق والتي أعيد إسقاطها بعد على كافة جبهات القتال في سوريا، يقوم الجيش السوري بتضييق الخناق على حلب سعياً نحو إطباقها، كذلك يدق الأسافين في نعوش مسلحي يبرود بعد أن بات الإطباق شبه مكتمل.
وفي شرق البلاد، سيطر الجيش على منطقة حويجة المرعية القريبة من مطار دير الزور سيطرة تامة مما يسهل حركة النقل في المطار ويساهم في زيادة خطوط الامداد للجيش في دير الزور، ترافق ذلك مع تحقيق تقدم ميداني في حلب شمالاً. ويذكر أنها سادت في الآونة الأخيرة مصالحات متفرقة في مناطق عدة من سوريا لاسيما في محيط دمشق. وقد كتب لبعض هذه التجارب النجاح النسبي نظرا لعدم تدخل جهات متطرفة على خط التهدئة.
وفي حمص اشتدّت المواجهات بين الجيش السوري والجماعات المسلّحة في بلدة الزارة إحدى آخر معاقل المسلحين في ريف حمص، وأدّت الى مقتل عشرات المسلّحين بينهم لبنانيون من «جند الشام» قوات الجيش سيطرت على كل مزارع البلدة الجنوبية، وصولاً إلى حي اليمني، بعد اختراق الخط الدفاعي الأول في البلدة يوم الخميس الماضي.
وترافقت هذه الإنجازات الميدانية مع تصريحات للرئيس بشار الأسد بأن الحديث عن فتح جبهة على الحدود الجنوبية تهويل إعلامي حول خطط الغزو من الأراضي الأردنية.
وقال الرئيس السوري بشار الأسد إن إسرائيل تسعى لكي تفرض حقائق جديدة في الجولان تخلّ بتوازن القوى واتفاقية فصل القوات، وهي تريد بذلك أن تضع سوريا أمام خيار عسكري يسمح لها بالتحول إلى طرف سياسي في الأزمة السورية.
وأشار الأسد الى أن الجيش السوري يواصل عملياته، ويكثفها منذ شهر، لذا لا يوجد خطر ولا حتى معركة كبرى، فهناك تهويل إعلامي حول خطط الغزو من الأراضي الأردنية ،ولعل التهويل مقصود كجزء من الحرب النفسية، كمحاولة لشدّ عصب المجموعات المسلحة المنهارة، أو حتى كمسعى لعرقلة المصالحات الميدانية الجارية. وأكد إنهم يعرفون جيداً أن الطريق إلى دمشق مغلق كلياً، ولم يعد هناك عاقل يفكر في الضغط على العاصمة أو ريفها، لكنهم يسعون إلى تلافي انهيار شامل سريع.
وشدد الأسد على أن الخطورة تكمن في نية الكيان الإسرائيلي إقامة شريط مجاور للجولان المحتل، يقع تحت سيطرة «الإرهابيين»، شيء شبيه بما أقامه الاحتلال الإسرائيلي في جنوب لبنان: كيان عميل، من خلاله يتدفق المسلحون بأعداد غير مسبوقة من الأراضي الأردنية إلى الحمّة، ومنها يتولى جيش الاحتلال الإشراف على تصنيفهم وتدريبهم وترتيب انتقالهم تحت حمايته إلى المنطقة المنزوعة السلاح، وفقاً لاتفاقية فصل القوات بين سوريا وإسرائيل؛ وهي منطقة لا توجد فيها قوات سورية، ولا إسرائيلية، لكنّ الإرهابيين الذين يحشدهم الاحتلال في هذه المنطقة يمثلون امتداداً له، وهو ما يشكل، بالتالي، توسيعاً للمنطقة المحتلة.
Leave a Reply