نشرت صحيفة «هآرتس» مقالاً حول «الجدل» الذي أحدثه منح جائزة نوبل في الكيمياء لعام 2018 للعالم جورج بي سميث. وقد استفزني المقال لكتابة هذا النقاش الذي يدور حول ما هو معادٍ للسامية (اللاسامية) وما هو عكس ذلك. ووفقاً للتقارير، فإن الدكتور سميث ليس فقط عالماً بارعاً أدى عمله وأبحاثه إلى التوصل إلى عقاقير جديدة يمكن أن تعالج السرطان ومجموعة من أمراض نقص المناعة، بل إنه أيضاً مؤيد صريح للحقوق الفلسطينية ومنتقد للسياسات الإسرائيلية. ويشير مقال «هآرتس» إلى أن الدكتور سميث كان منذ فترة طويلة «هدفاً لجماعات مؤيدة لإسرائيل» وأنه مدرج على «موقع بعثة الكناري الإلكتروني المثير للجدل» – والذي يستخدمه أنصار إسرائيل لمضايقة وإسكات المنتقدين.
وفيما كنت أقرأ المقال باحثاً عن دليل على خطايا سميث، وجدت مقاطع تقول إنه «كان يتمنى ألا يتم طرد السكان اليهود في إسرائيل ولكن وضع حد للنظام التمييزي في فلسطين».
وعند نقطة أخرى، تنقل «هآرتس» مقطعاً من مقال افتتاحي كتبه سميث يدين السياسات الإسرائيلية في غزة، والذي اختتمه بالتعبير عن تأييده لحركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض عقوبات (بي دي أس)، واصفاً إياها بـ«دعوة المجتمع المدني الفلسطيني للمجتمع العالمي لنبذ الشركات والمؤسسات الإسرائيلية حتى تتخلى إسرائيل عن أعمال العنف التي تمارسها ضد الفلسطينيين والشعب الفلسطيني، بما في ذلك المنفيين، وأن تحقق المساواة الكاملة مع اليهود في وطنهم المشترك».
لقد قرأت كل ذلك في سياق هذه الحملة المثيرة للقلق، والتي تتكشف هنا في الولايات المتحدة لإسكات المنتقدين لإسرائيل أو الرؤية الاستئثارية للصهيونية السياسية. إنه جهد متعدد الجوانب وممول بشكل جيد، ويتمثل أحد عناصره في موقع بعثة الكناري الغامض الذي ينشر أسماء وصور وخلفيات المؤيدين للطلاب والأساتذة الفلسطينيين – ويطلقون عليهم معادين للسامية أو مؤيدين للإرهاب. وهو يفعل ذلك بغرض معلن وهو الإضرار بحياتهم المهنية. كما تُستغل قائمة موقع بعثة الكناري لتشويه سمعته هؤلاء النشطاء بهدف تخويف السياسيين من الانخراط معهم. وتستخدم الحكومة الإسرائيلية هذه القوائم لمنع دخول الأميركيين الفلسطينيين أو اليهود الأميركيين التقدميين بشكل خاص والذين يسعون لرؤية أسرهم أو الدراسة أو التدريس أو ببساطة، زيارة هذا البلد.
وبينما تبذل الكناري قصارى جهدها للحفاظ على سرية عملياتها وقيادتها وتمويلها، فقد كشفت المقالات الأخيرة في الصحافة اليهودية أن المشروع يحصل على الدعم المادي من بعض الكيانات الخيرية اليهودية الأميركية.
وبالإضافة إلى موقع بعثة الكناري، هناك الحملة التي تسعى إلى تجريم التأييد لحركة بي دي إس، أو معاقبة مؤيدي الحركة التي تخضع إسرائيل للمساءلة عن انتهاكاتها المنتظمة لحقوق الفلسطينيين. وهذا الجهد يتم تمويله بشكل كبير من قبل شخصيات مثل «شيلدون أديلسون»، وأيضاً، كما نعلم الآن من خلال ما كشفته مؤخراً صحيفة يهودية أميركية بارزة، من قبل ملايين الدولارات التي تم تمريرها إلى الحملة من حكومة إسرائيل.
وهناك أيضاً تشريع قيد النظر حالياً في الكونغرس ويهدف إلى تجريم مقاطعة إسرائيل، استكمالاً لقيام 25 ولاية بالفعل بتمرير قوانين لحرمان المؤيدين لحركة «بي. دي. إس» من الرواتب أو العقود أو المزايا.
وأخيراً، في تكرار للجهود التي دفعت حزب «العمال» في المملكة المتحدة إلى تعريف الانتقادات الموجهة لإسرائيل بأنها معاداة للسامية، فقد أوضح اختيار ترامب لكينيث ماركوس لرئاسة مكتب الحقوق المدنية بوزارة التعليم الأميركية نيته للتحقيق في النشاط المعادي لإسرائيل في الحرم الجامعي باعتباره شكلاً من أشكال معاداة السامية. وهناك تشريع آخر قيد النظر في الكونغرس هو «قانون التوعية بمعاداة السامية». فكل من مشروع القانون هذا والإجراء الذي قام به ماركوس في وزارة التعليم يرمي إلى توسيع تعريف معاداة السامية ليشمل الانتقادات الموجهة لإسرائيل.
ومع التفكير في هذه التطورات، هناك العديد من الملاحظات التي ينبغي الإشارة إليها: إن معاداة السامية حقيقية وقبيحة وخطيرة، وإن انتقاد إسرائيل لا يعد معاداة للسامية، وإن الجهد المبذول للجمع بين الأمرين لا يخرس فقط الجدل المطلوب، بل أيضاً يصرف الانتباه عن الجهد المبذول للقضاء على معاداة السامية الحقيقية، وهي آفة أحدثت ألماً عظيماً ومعاناة هائلة في تاريخ البشرية.
تعرف معاداة السامية بأنها كراهية اليهود، بشكل فردي أو جماعي. وهي أيضاً إسناد نوايا شريرة أو صفات سلبية لأفراد أو لجماعة فقط لأنهم يهود. ومن ناحية أخرى، فإن انتقاد سياسة إسرائيلية لا يعد معاداة للسامية. وعندما انتقد د. سميث، المذابح التي ارتكبتها إسرائيل على حدود غزة أو إنكارها الممنهج للمساواة في الحقوق والعدالة للفلسطينيين، لم يكن يعزو هذا السلوك لدينهم أو حتى يقترح أن هذا السلوك يعود إلى كونهم يهوداً. فهو مثلاً لم يقل «إسرائيل تضطهد الفلسطينيين لأن هذه هي الطريقة التي يتصرف بها اليهود». ولم يقل كذلك إن اليهود هم المسؤولون عن هذه الأفعال – هذا سيكون معاداة للسامية. والسبب الوحيد لاستهداف «سميث» وأمثاله ممن ينتقدون سياسات الدولة هو إسكات أصواتهم.
وفكرة أن انتقاد إسرائيل يعد معاداة للسامية هي فكرة قديمة منذ عقود. ولكنها لاقت دفعة في السنوات الأخيرة من قبل حملة لإضافة أي انتقاد لإسرائيل لتعريف معاداة السامية، ولا تطبق نفس المعيار على الدول الأخرى. وهذا، في أحسن الأحوال، جهد بعيد الاحتمال لحماية إسرائيل. وبينما يزعم مؤيدوه أنه يستهدف فقط هؤلاء الذين يخصون إسرائيل بالانتقاد، فإنهم في الحقيقة يسعون إلى جعل إسرائيل هي البلد الوحيد الذي لا يمكن انتقاده. وخلاصة القول هو أن الجهد برمته يرمي لا إلى محاربة اللاسامية، بل إلى إسكات الانتقادات.
Leave a Reply