كمال ذبيان – «صدى الوطن»
رغم ولادة حكومة حسان دياب، يتوجّه لبنان نحو مزيد من التعقيد الداخلي، وتزداد أزماته الواحدة بعد الأخرى مهددة أسس نظامه السياسي والاقتصادي والمصرفي، وسط مخاوف من حلول الفوضى لاسيما بعد ما ظهر من أعمال شغب ومواجهات عنيفة بين المتظاهرين والقوى الأمنية والعسكرية قبل وبعد الإعلان عن تأليف الحكومة الجديدة.
التأليف الحكومي
المشهد الغامض يزداد غموضاً ليس فقط لدى اللبنانيين بل أيضاً لدى القوى الدولية والإقليمية التي تخشى انزلاق لبنان نحو صراع مسلح كما حصل في سوريا والعراق وليبيا واليمن، في وقت يتخبط فيه فريق الأكثرية النيابية، الذي باتت كرة النار في حضنه بعد تسمية دياب لرئاسة الحكومة، حيث أظهر هذا الفريق خلافاته العلنية حول الحصص وشكل الحكومة وعدد الحقائب الوزارية التي رست في النهاية على عشرين.
الحكومة الجديدة التي يعوّل عليها أن تكون حكومة إنقاذ، ولدت بعد مخاض صعب في وقت تسابق فيه البلاد خطرَ الانهيار الاقتصادي والمالي. تأخير التأليف بإحراج «حزب الله»، لجهة عدم تمكنه كـ«مايسترو»، من ضبط إيقاع حلفائه، فراح كل طرف منهم يغرّد على ليلاه. إذ رفض رئيس «تيار المردة» سليمان فرنجية، أن يستأثر رئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل، بالحصة المسيحية، ويكون الثلث المعطّل معه، لأنه ضمن الحكومة الواحدة، ليس لأي طرف الحق في أن يطلبه، إذ يتّهم فرنجية، باسيل، بأنه يعمل لتهديم عهد الرئيس عون، بسبب طمعه وجشعه في السلطة، وقد رفض رئيس «المردة» المشاركة في الحكومة رغم موافقته على منحها الثقة، لكن «الثنائي الشيعي» (حركة «أمل» و«حزب الله»)، أصرا على وجود حليفهما الاستراتيجي في الحكومة، وقد جرت اتصالات ولقاءات عدة لتذليل العقبات والعقد فأعطي فرنجية ما طلبه (وزيرين).
وخلال مفاوضات الحلفاء في محور المقاومة، بدا أن فريق ما كان يسمى «8 آذار»، في مأزق ضمن بيته السياسي، إذ طالب رئيس «الحزب الديمقراطي» النائب طلال إرسلان بحقائب وازنة، كي لا يهضم حق الدروز، بعد أن رفض «الحزب التقدمي الاشتراكي» المشاركة في الحكومة، كما أن «الحزب السوري القومي الاجتماعي» لوح بعدم منح الثقة لحكومة دياب، فتحرّك «الثنائي الشيعي» دعماً لموقفه بتأييد توزير أمل حداد المقربة من الحزب.
ومع بروز العقد سالفة الذكر واشتداد وتيرة الاحتجاجات في العديد من المناطق، جرى تقديم صيغة حل بين الحلفاء، ليتم رفع عدد أعضاء الحكومة من 18 وزيراً إلى 20، بزيادة مقعدين لدرزي وكاثوليكي، فحصل فرنجية على حقيبتين وازنتين، فيما قرر «السوري القومي» عدم المشاركة في الحكومة.
العنف الثوري
تفاقم الخلافات داخل الفريق الواحد، استهزأ به وليد جنبلاط وآخرون متهمين فريق السلطة بالتناحر على قطعة الجبنة، بينما كانت النيران تتأجج في الشارع بعد أكثر من ثلاثة أشهر على التظاهرات التي بدأت سلمية وبدأت في الآونة الأخيرة تتخذ طابعاً عنفياً لعدم استجابة السلطة لمطالب الحراك الذي استشاط غضباً من استمرار العقلية المعهودة في المحاصصة والمحسوبية.
وظهرت أصوات داخل «الحراك الشعبي» تطالب بالعنف الثوري وبأن ثورة دون دم لا تنجح، وكانت أولى اختبارات الخروج من السلمية نحو العنف، بالتوجه إلى فروع مصارف وتحطيم واجهاتها وماكينات الصرف الآلي التابعة لها، وكان الأعنف ما حصل في الحمرا، حيث وقعت مواجهات عنيفة بين المتظاهرين وقوى الأمن أمام مصرف لبنان، وأصدر قطاع الطلاب والشباب في «الحزب الشيوعي» بياناً تبنّى فيه ما حصل في الحمرا ومناطق أخرى، وهو ما شجّع قوى في الحراك على التوجه إلى ساحة النجمة ومحاولة اقتحام مجلس النواب الذي فقد شرعيته بنظر المنتفضين، حتى بات النواب والوزراء الحاليون والسابقون يخشون التواجد في الأماكن العامة، لاسيما المطاعم والمحلات، كي لا يتم إحراجهم وطردهم أمام كاميرات الهواتف الجوالة.
الانزلاق الأمني
في ظل التطور الذي ظهر في أساليب الحراك، وانتقاله من السلمية إلى العنف، تزداد المخاطر المحيقة بلبنان، والتي لم تعد تقتصر على الهواجس الاقتصادية والمالية، بل تتعداها إلى مخاوف متنامية من إمكانية الانزلاق إلى الفوضى التي بدأت تظهر ملامحها مع دخول أطراف مثيرة للشبهات على خط الحراك، وسط تساؤلات حول توقيت وأهداف تحريكها، والجهة أو الجهات التي تحركها، لاسيما بعدما توجّه ما يسمى بـ«ثوار طرابلس» إلى بيروت، وبعضهم من «حراس المدينة» الذين يرفعون العلم التركي، في دليل واضح على التدخل التركي في الحراك، من الشمال.
هو السيناريو نفسه الذي حصل في سوريا ومازالت تبعاته مستمرة، عندما أدخل الأتراك مجموعات مسلحة إلى شمال سوريا وشرقها في حلب وإدلب وجسر الشغور ومعرة النعمان وغيرها، وبدأوا عملية الاستيلاء على المراكز الرسمية، وطرد مؤسسات الدولة منها، وهو المشهد الذي قد يتكرّر في لبنان، مع مجموعات منظمة تقوم بالتخريب، لإضعاف الدولة ومؤسساتها ونشر الفوضى في مناطق معينة.
موقف واشنطن من حكومة دياب
في أول تعليق أميركي على تشكيل الحكومة اللبنانية الجديدة، أكد وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو، الأربعاء الماضي، أن الولايات المتحدة تدعم مطالب المحتجين اللبنانيين بحكومة مستقلة وذات سيادة، وقال «نريد حكومة غير فاسدة تعكس إرادة شعب لبنان».
وفي مقابلة مع وكالة «بلومبيرغ»، علق بومبيو على إعلان تشكيل الحكومة في لبنان وعلاقتها بـ«حزب الله»، قائلاً: «كنا واضحين للغاية بشأن متطلبات مشاركة الولايات المتحدة» في إنقاذ لبنان، لكنه ذكر في الوقت ذاته أنه سيتعين إلقاء نظرة على أداء الحكومة.
وقال بومبيو إن لبنان تنتظره «أزمة مالية فظيعة في الأسابيع المقبلة. نحن على استعداد للمشاركة وتقديم الدعم، ولكن فقط لحكومة ملتزمة بالإصلاح. هذا مهم بالنسبة لأميركا».
Leave a Reply