دمشق، باريس – اختارت دول أوروبية وخليجية بالاضافة الى الولايات المتحدة، توقيت الانطلاق الفعلي لخطة مبعوث الامم المتحدة والجامعة العربية الى سوريا كوفي أنان، للتشويش عليها من خلال التشكيك بها واستعادة الحديث عن خيارات تسليح المعارضة السورية اذا لم تطبق دمشق الخطة.
وقد انطلقت مهمة المراقبين الدوليين في سوريا رسمياً، الخميس الماضي، مع توقيع وزارة الخارجية السورية ووفد من الامم المتحدة، في دمشق، اتفاقاً أولياً حول آلية عمل المراقبين الدوليين لوقف اطلاق النار في سوريا يشكل أساساً للبروتوكول بين الجانبين، والذي سيرعى عمل البعثة الموسعة على الارض،
وطلب الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، بعد ساعات من تقديمه رسالة الى مجلس الأمن الدولي يوصي فيها بنشر 300 مراقب، من الحكومة السورية توفير “حرية حركة كاملة” لمراقبي الأمم المتحدة وتسهيل “عملية إنسانية ضخمة” لمساعدة السكان. وأعلنت الجامعة العربية عقد اجتماع لوزراء الخارجية الخميس المقبل لبحث التطورات في سوريا والسودان.
وأعلن مندوب روسيا لدى الأمم المتحدة فيتالي تشوركين أن “مجلس الأمن الدولي قد يتبنى قرارا جديدا حول سوريا قريبا”. وقال بعد اجتماع مجلس الأمن “أعتقد أن بإمكاننا أن نتصرف بسرعة كبيرة. لقد أكدت بعض الدول الأعضاء في مجلس الأمن أنها تودّ الحصول على تقرير إضافي حول الأوضاع الميدانية في سوريا الأسبوع المقبل”.
ومن ناحيتها، أعلنت وزارة الخارجية السورية، في بيان، انه “تم التوقيع رسمياً في مبنى وزارة الخارجية والمغتربين على التفاهم الاولي الذي ينظم آلية عمل المراقبين”. وأضافت “يأتي هذا الاتفاق في سياق الجهود السورية الرامية إلى إنجاح خطة المبعوث الدولي كوفي أنان بهدف تسهيل مهمة المراقبين ضمن إطار السيادة السورية والتزامات الأطراف المعنية”. واشارت الى ان الاتفاق يتضمن أيضاً “مراعاة تامة لمعايير القانون الدولي الناظمة لعمل هذا النوع من البعثات الدولية”.
وفي سياق آخر، استمع مجلس الأمن إلى تقرير من مساعد انان، جان ماري غيهينو بشأن الوضع في سوريا. ونقلت مندوبة الولايات المتحدة سوزان رايس، التي ترأس بلادها مجلس الامن خلال الشهر الجاري، عن غيهينو قوله إن “الحكومة السورية لم تف بعد بالتزاماتها”، خصوصاً انها لم تسحب بعد قواتها واسلحتها الثقيلة من المدن التي تشكل معاقل للمعارضين. واعتبرت ان عمل طليعة المراقبين المنتشرين ميدانياً سيكون بمثابة “اختبار” لرغبة دمشق. وقالت “من الضروري ان يتمكنوا من الوصول الى النقاط الساخنة”، خصوصاً في حمص وهو ما لم يفعلوه حتى الآن.
استعادة خطاب التدخل العسكري
وفي باريس، كرر وزير الخارجية الفرنسي ألان جوبيه الموقف الفرنسي من التلويح بالتدخل العسكري في سوريا. ورد الوزير الفرنسي “على تلويح وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون بحلف شمال الأطلسي وتذكيرها في افتتاح اجتماع وزراء الخارجية الأربعة عشر في “المجموعة الرائدة لأصدقاء سوريا” بأن “النزاع السوري يدور على درج الحلف وتفكير الأتراك باستخدام الفقرة الخامسة من ميثاق الحلف”، التي تتيح تدخلهم لحماية حدود بلد عضو يتعرض للنيران السورية عبر الحدود .
وكشف الاجتماع، الذي ضم وزراء ما سمي “المجموعة الرائدة” في باريس، هشاشة الإجماع القائم حول خطة أنان، وتضارب دوافع من صوّتوا قبل أسبوعين على إيكال الأمين العام السابق للأمم المتحدة المهمة الصعبة، لإيجاد مخرج سياسي للقضية السورية.
ففي حين سلم الغربيون بها باعتبارها السبيل الوحيد لكي ينخرط الروس في عمل جماعي ضد سوريا، رأى الروس فيها منقذاً لهم من تهديدهم بالعزلة في مجلس الأمن، لو واصلوا استخدام “الفيتو”، الذي لا يملكون غيره سلاحاً في مقاربة الأزمة السورية، واعتبروها مدخلاً متوازناً للعودة إلى السياسة واحتواء الدعوات إلى التسلح والعسكرة وسبيلا للضغط على النظام.
وتراشق وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، قبيل بدء الاجتماع في باريس، مع المجتمعين، واصفاً مؤتمرهم بأنه محاولة لاحتواء خطة انان، ولامهم على تحدثهم علناً عن حتمية فشل الخطة. ورفض أن يكون للاجتماع في باريس أو “أصدقاء سوريا” حق تقييم تنفيذ الخطة، الذي يعود إلى مجلس الأمن. وعبّر جوبيه عن استيائه من الطريقة الروسية في الحديث عن الاجتماع. وقال إن لافروف رفض الدعوة التي وجهت إليه لحضوره.
وفي الكلمات التي ألقاها وزير الخارجية القطري الشيخ حمد بن جاسم آل ثاني ووزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون اتضح التباين مع الموقف الروسي في التعاطي مع خطة انان.
ففي اجتماع عقد تحت عنوان دعم خطة انان ذهب حمد إلى المطالبة بخطة بديلة جاهزة في حال فشل الخطة الحالية. وعبر عن “نفاد صبر المجموعة من طريقة النظام السوري في التعاطي مع الخطة واستمرار عمليات القتل”.
وكان أمير قطر حمد بن خليفة آل ثاني قد قال الإثنين، أن احتمال نجاح خطة مبعوث جامعة الدول العربية والأمم المتحدة كوفي أنان للتوصل إلى حل للأزمة السورية، لا تتعدى نسبته 3 بالمئة!. وأشار إلى أن الدوحة “أيّدت في الماضي فائدة التدخل العسكري لإنقاذ دماء الشعب السوري”، وهي الفرضية التي “تضاءلت نتيجة لموقف روسيا”. ورأى أمير قطر أن موقف مجلس الأمن “غير أخلاقي إزاء شعب يقتل كل يوم ويتلقى الصمت فقط”.
ودعت كلينتون إلى العودة إلى إجراءات دولية يضعها مجلس الأمن تحت الفصل السابع، قبل أن تقر بصعوبة الحصول على ما تطلب بسبب الفيتو الروسي الأكيد، وعدم وجود بدائل للخطة التي يدعمها الروس، الطرف الوحيد القادر على التحدث إلى النظام السوري والضغط عليه.
ودعا وزير الخارجية السعودي الامير سعود الفيصل المجتمع الدولي الى “مساعدة السوريين في الدفاع عن انفسهم”. وقال “أتعجب لكون النظام الذي يقمع يستطيع الاستمرار في تسليح نفسه في حين لا تملك الضحايا البريئة وسائل الدفاع عن نفسها”. واضاف “ما دام المجتمع الدولي عاجزاً عن وقف النزف، فإن الحد الادنى للامور يفترض ان تساعد الدول المختلفة السوريين في الدفاع عن أنفسهم” في إشارة على تشبث الرياض بمواصلة تسليح المعارضة السورية.
بانيتا: سوريا ليست ليبيا والجيش مع الأسد
ومن ناحيته، قدم وزير الدفاع الأميركي ليون بانيتا الصورة الأكثر وضوحاً حول تفكير الإدارة الأميركية في الملف السوري. وقال، خلال جلسة استماع أمام لجنة القوات المسلحة في مجلس النواب، “مقاربتنا انه يجب أن نبقي كل الخيارات على الطاولة مع إدراك حدود القوة العسكرية على أن نكون مستعدين لأي إجراء مطلوب”. واعتبر ان سوريا ليست كليبيا، حيث كان هناك اجماع دولي للتدخل ومعارضة ليبية اكثر تنظيماً ولديها سيطرة على الارض. ورأى ان “المشكلة هنا ان (الرئيس السوري بشار) الاسد يبدو انه لا يزال يحافظ على ولاء المؤسسة العسكرية حتى لو كان هناك انشقاقات”. ورأى أن “أفضل سيناريو هو أن يلتزم النظام السوري بوقف إطلاق النار وبالإصلاحات بحيث يخرج الأسد… والسيناريو الأسوأ هو قيام حرب أهلية في سوريا”. وقال إن المعارضة السورية “متفرقة”، معتبراً أنه “لا يمكن الاعتماد على الانشقاقات في صفوف الجيش النظام”.
Leave a Reply