مئات القتلى والمفقودين وآلاف الجرحى وخسائر بأكثر من 15 مليار دولار
وفيقة إسماعيل – «صدى الوطن»
كارثة بكل ما تعنيه الكلمة، حلّت بالبلد الصغير المنهك، لتزيد طين أزماته بلة، وتثقل كاهل أهله بمزيد من الأعباء والضغوط. فقد هز مرفأ بيروت انفجار ضخم لم يشهد له العالم مثيلاً منذ قنبلتي ناغازاكي وهيروشيما في نهاية الحرب العالمية الثانية، مخلفاً مئات القتلى والمفقودين وآلاف الجرحى ودماراً هائلاً أصاب حوالي نصف أحياء العاصمة.
تأويلات كثيرة تناولت ما حصل عصر يوم الثلاثاء الماضي، ووجد فيها البعض فرصة للإطباق على خناق حكومة الرئيس حسان دياب المكبلة بإرث الدولة العميقة، والعاجزة عن تنفيذ غالبية وعودها،
عند حوالي السادسة، دوّى انفجار هائل هز مدينة بيروت وترددت أصداؤه في كل أنحاء البلاد، وصولاً إلى قبرص التي تبعد أكثر من 235 كلم عن الساحل اللبناني.
سبب الانفجار –رسمياً– هو مخزون كبير من مادة نيترات الأمونيوم الموجودة في المرفأ منذ عام 2014، فيما سارع المسؤولون إلى تقاذف الاتهامات بالإهمال الذي أدى في نهاية المطاف إلى الكارثة. وبالطبع، نال «حزب الله» نصيباً وافراً من الاتهامات، بأن ما انفجر لا يعدو كونه مخزناً للصواريخ والمواد المتفجرة التابعة له.
وفي حين لا يمكن استبعاد أية فرضية، ينتظر اللبنانيون على أحر من الجمر نتائج التحقيق الذي تجريه اللجنة المكلفة وعلى رأسها رئيس الحكومة حسان دياب أملاً بتحديد المسؤوليات ومعاقبة المهملين والمقصرين. وقد أقرت الحكومة اللبنانية حالة الطوارئ في مدينة بيروت لمدة أسبوعين، وكلفت الجيش بإجراء مسح فوري وشامل للأماكن المتضررة إلى جانب ضبط الأمن في المدينة المنكوبة.
حجم الأضرار الهائل
بلغ محيط نصف قطر الانفجار عدة كيلومترات بحسب التقارير الأولية. أبنية ومنشآت اقتصادية وحكومية كثيرة تضررت، وآثار الدمار خيمت على بيروت، وبدت شوارعها والمناطق المحيطة بالمرفأ، أشبه بساحة حرب من جراء الدمار الكبير الذي أحدثته الموجة الانفجارية القوية داخل مرفأ بيروت. وانتشلت فرق الإنقاذ اللبنانية جثامين عشرات القتلى وواصلت البحث عن المفقودين وسط أنقاض المباني.
وفي أحدث حصيلة للضحايا، أودى الانفجار بحياة ما لا يقل عن 137 شخصاً وأكثر من 5000 جريح.
وقال محافظ بيروت في مقابلة أجريت معه يوم الأربعاء الماضي إن إجمالي الخسائر الناجمة عن الانفجار قد يراوح بين 10 و15 مليار دولار، موضحاً أن الرقم يشمل الخسائر المباشرة وغير المباشرة ذات الصلة بالتجارة.
وستبحث الحكومة اللبنانية عن مساعدات دولية تخفف عن اللبنانيين وطأة الانفجار وتبعاته بعد أن سعت في المدة الأخيرة للحصول على تمويلات تخرجها من أزمتها.
مرفأ بيروت خارج الخدمة
يعد مرفأ بيروت أهم مرفأ في لبنان، ومن أهم موانئ الحوض الشرقي للبحر الأبيض المتوسط. ونظراً لموقعه الاستراتيجي، كان يُستخدم لاستيراد المواد الأساسية من دول العالم وتصديرها إلى دول الشرق الأوسط. ويعد أيضاً ركيزة أساسية للاقتصاد اللبناني؛ إذ أنه يلعب دوراً أساسياً في تحريك العجلة الاقتصادية في البلاد.
ويتعامل مرفأ بيروت مع 300 مرفأ عالمي ويُقدر عدد السفن التي ترسو فيه بنحو ثلاثة آلاف ومئة سفينة سنوياً. وهو يتألف من أربعة أحواض يصل عمقها إلى 24 متراً، إضافة إلى حوض خامس كان قيد الإنشاء. كما يضم 16 رصيفاً والعديد من المستودعات وصوامع تخزين القمح التي توفر أفضل شروط التخزين… ولكنها كلها باتت خارج الخدمة.
السلطات اللبنانية أعلنت أن 2,750 طناً من نترات الأمونيوم كانت مخزنة في ميناء بيروت منذ ست سنوات دون إجراءات سلامة، قد انفجرت، مما حمل الخبراء على الدهشة والتحذير. ونترات الأمونيوم، عبارة عن مادة كيميائية صناعية تستخدم في صناعة الأسمدة، وتستخدم كمتفجرات في المحاجر والمناجم، وأعجبت الزمر الإرهابية في اختيارها مكوناً أساسياً في تجميع العبوات الناسفة، نظراً لتوفرها بشكل أو آخر في السوق.
وهي شديدة الخطورة لو طالها التلوث، أو تم خلطها بالبنزين أو جرى تخزينها بشكل غير آمن ويمكن أن يؤدي تعرض كمية كبيرة من نترات الأمونيوم لحرارة شديدة إلى حدوث انفجار قوي.
وقال رونالد ألفورد المدير العام لشركة «ألفورد تكنولوجيز»، وهي شركة بريطانية متخصصة في التخلص من المواد المتفجرة: «هذا الانفجار يصنف بأنه أقل من قنبلة نووية، وأقوى من قنبلة تقليدية. ربما يكون هذا من بين أكبر الانفجارات غير النووية على مر التاريخ».
المساعدات الدولية
فور حدوث الانفجار، توالت التصريحات الإقليمية والدولية المتضامنة مع لبنان، وفيما حل الرئيس الفرنسي ضيفاً مفاجئاً على بيروت، أعلنت قطر عن جسر جوي من المساعدات للبنان، بدأته بإرسال مستشفيات ميدانية للتخفيف من الضغط على النظام الصحي المنهك
كذلك، أرسلت بغداد طائرة خاصة محمّلة بمساعدات طبية عاجلة لمواجهة آثار انفجار مرفأ بيروت.
وأعلنت سفارة طهران لدى بيروت، إرسال طائرة مساعدات من جمعية الهلال الأحمر الإيرانية، على متنها مستشفى ميداني، وطاقم طبي من الجراحين والمختصين، وكمية أدوية ومساعدات إنسانية واتصل رئيسها حسن روحاني بالرئيس اللبناني ميشال عون معزياً ومؤكدا استعداد بلاده لتقديم كل أشكال الدعم للبنان..
وقالت مصر إنها أرسلت طائرتي مساعدات طبية إلى لبنان بتوجيهات من الرئيس عبد الفتاح السيسي.
وأعلنت الرئاسة التونسية إرسال طائرتين عسكريتين تحملان مساعدات غذائية وأدوية ومستلزمات طبية إلى لبنان. كما أمر الرئيس التونسي قيس سعيد باستقبال 100 جريح لبناني لعلاجهم في المستشفيات التونسية.
وذكرت وزارة الطوارئ الروسية أنها أرسلت خمس طائرات للمساعدة في إزالة أنقاض انفجار مرفأ بيروت.
ومن تركيا، أعلن المتحدث باسم الخارجية حامي أقصوي، أن وزارة الصحة التركية تعمل على إرسال فرق إنقاذ إلى لبنان عبر إدارة الكوارث والطوارئ والهلال الأحمر، للمساعدة في عمليات البحث والإنقاذ إلى جانب موظفي إسعاف. ومن المقرر أن تصل إلى مطار رفيق الحريري طائرة محملة بالمساعدات مقدمة من الحكومة الصينية إلى الطاقم الطبي في لبنان.
زيارة ماكرون
أعلن الرئيس الفرنسي الذي زار بيروت في اليوم الذي أعقب الانفجار، أنه يريد تنظيم مساعدة دولية للبنان، قائلاً إنه إذا لم يتم تنفيذ الإصلاحات فإن لبنان سيواصل الغرق. واعتبر أن التضامن واجب بديهي، لأن لبنان تربطه علاقة مميزة وعلاقة أخوة مع فرنسا، وقد «رغبت في هذه الزيارة بأن أستمع لما سيقوله المسؤولون وبالتنسيق لتقديم المساعدة.» وأشار إلى أنه سيكون لفرنسا المزيد من الفرق الإنقاذية في لبنان ومساعدات لمعالجة الجرحى.
وفي الوقت نفسه، شدد ماكرون عل ضرورة وضع حد للفساد والبدء بالإصلاحات، كشرط للدعم.
إضافة إلى المساعدة الفرنسية التي أعلن عنها ماكرون، قرر الاتحاد الأوروبي إرسال نحو 100 إطفائي مختص إلى بيروت للمساعدة في عمليات البحث في المدينة وأعرب عن استعداده لتحريك مساعدة إضافية للبنان. وأعلنت السلطات الهولندية أنها أرسلت 67 عامل إغاثة إلى بيروت من بينهم أطباء ورجال شرطة ورجال إطفاء.
وقال وزير الخارجية البريطاني دومينيك راب إن بريطانيا ستقدم حزمة مساعدات لبيروت بقيمة خمسة ملايين جنيه إسترليني (6.6 ملايين دولار)، تشمل المساهمة في عمليات البحث والإنقاذ والدعم الطبي.
ووصلت إلى القاعدة الجوية في مطار بيروت، مروحيتان من قبرص (اليونانية) على متنهما فرق إنقاذ.
لبنان ومسلسل الأزمات
يشهد لبنان حالياً أسوأ أزمة اقتصادية في تاريخه، مع تدهور في سعر العملة الوطنية في مقابل الدولار الأميركي وشحّاً في عدد كبير من السلع، وقيوداً على الودائع المصرفية، وسيحتاج إلى وقت طويل ليتعافى منها، وقد تفاقمت مع ظهور جائحة كورونا، لتتعمق أكثر فأكثر مع الانفجار الكارثي الذي وقع في ميناء بيروت البحري. لا شك في أن مساعدات المجتمع الدولي ستسهم في منح بعض الأوكسيجين للاقتصاد اللبناني وتمنع عنه الاختناق التام، لكن مصدر الحل الوحيد والمؤكد هو اللبنانيون أنفسهم، الذين عليهم أن يساعدوا أنفسهم قبل أن يطلبوا مساعدة الآخرين، وبالتالي فإن المراقبين يجمعون على أن الوضع السياسي، لن يتحسن في هذا البلد، ما دام مسؤولوه يتناتشون مقدراته ويتعاملون وفق نظام المحاصصة البغيض وكل منهم يحتمي بطائفته.
Leave a Reply