بعد انفجار البركان المصري، بدا رئيس الحكومة العراقية نوري المالكي مهزوزا، على نحو أثار حفيظة محبيه. أرادوا له أن يبدو متماسكا كرئيس لدولة ديمقراطية شعبية تحررت للتو من سطوة ديكتاتور مماثل، وأن يبقى على صورته السابقة، المتسمة بقوة الشكيمة والكياسة، المتمتعة بثمرة جهاد حزبي وصراع أمني طويل.
إلا أن الرئيس المالكي بدا مخيبا لآمال محبيه، فقد سارع للتخلي عن نصف امتيازاته المالية الهائلة لخزينة الدولة. وأعلن أنه لن يرشح نفسه لدورة ثالثة، واعترف بحقيقة المظاهرات التي تشتعل في العراق، احتجاجا على عجز الحكومة عن توفير الخدمات الأساسية، وتسرطن قياداتها بالفساد الإداري والمالي.
وطالب الرئيس المالكي من قواته التعامل مع المتظاهرين العراقيين بأسلوب حضاري! ولا ندري ما هو تعريفه للأسلوب الحضاري، ونعرف أن الحكومات المتحضرة، إذا ما واجهها المتظاهرون بحجج دامغة بالتقصير أوالفساد فإنها تسارع بتقديم استقالتها، أو أن تسارع إلى محاكمة المقصرين.
إلا أن الرئيس المالكي، كان قد قدم الأمثولة تلو الأخرى على براعته في لعب دور محامي الشياطين المفسدين، كما حدث في وزارة التجارة، التي لم يزل الشعب، الذي فيه سبعة ملايين ممن هم تحت خط الفقر، يعاني من فساد أو تقصير وزيري التجارة السابقين، وهما من المقربين منه ربما دفاعا عن حزبه أو سلطته أو المقربين منه. دافع المالكي، وانتصر الفساد، رغم ما يشاع عن تشكي المالكي من تحلق “الحرامية” حوله!
لا يخفى مظهر انكسار المالكي وهزاله المعنوي، فقد سأله المذيع في الفضائية الرسمية (العراقية)، إن كان يستشعر تعباً؟ ولم ينكر الرئيس حالته، إلا أنه أدار وجهة السؤال وأجاب: العراق.. يستاهل التعب.
المالكي ابن الحركة الاسلامية الثورية في العراق، ووارث الشهداء، ومحط آمال عراقيين في الزعامة الوطنية النزيهة، ربما يشعر في قرارة نفسه بندم عميق، أو أسف بالغ. لأنه جازف برصيد حزبه الكبير من دماء شهداء، وعذابات سجناء ودموع أيتام وآلام مشردين وأفكار مبدعين، جازف بكل هذا في لعبة قمار مع اللاعب الأميركي المتمكن على طاولة مؤتمر لندن. على أمل أن يكسب السلطة والمستقبل المشرف لشعبه وحزبه الإسلامي! في دولة يعز بها الإسلام وأهله ويذل بها النفاق وأهله.. ولكن رؤية الحال تغني عن المقال. إنها الفوضى الخلاقة!
ربما، يشعر بالأسف لأن تعبه في تعديل الوضع الأمني، لم ينتج في نهاية الأمر سوى عن تكوين هش مخترق، ينجم عنه توالي التفجيرات المروعة وتهريب الإرهابيين السجناء وفراغ الوزارات الأمنية الحساسة من الوزراء في حكومته. بل تحولت إلى عش لأعداء الدولة. وأي فشل هذا؟ ومن يتحمله سواه؟ وإذا كان قد فشل وهو رئيس الوزراء وماسك الملف الأمني ورجل المهمات الأمنية في حزبه أيام المعارضة.. إذا كان بكل هذه المواصفات والصلاحيات الرئاسية والإمكانات المالية، قد فشل، لماذا لا يستقيل؟ ربما مما يتعب المالكي البحث المضني عن الإجابة..
ربما هو يشعر بالأسف الشديد لأن تعبه في تشييد بناء كبير لدولة القانون والمؤسسات، ظهر بعيوب كبيرة تشرحها مناشير المحاصصة وأَرَضة الفساد ونخر المقربين منه لأرضية مكتب الرئيس، الذي بدا أنه يجري من تحته الكثير من الماء.
ربما يهتز المالكي، لأن القادة من قدامى منتسبي حزبه، حزب الدعوة الإسلامية، الذين هم خارج السلطة الآن، هزهم الانفجار العربي والمصري، فأعلنوا جهارا نهارا، البراءة من حكومة المالكي، رفيقهم القديم، وأطلقوا، على موقعهم، موقع “الوسط” على شبكة الانترنت، الدعوة لجمع الوثائق التي تدين الفساد والخيانة في حكومة المالكي، القائد لأحد أجنحة حزب الدعوة، دعوة السلطة الآن لإجراء محاكمة مبكرة.
إن هؤلاء القادة الأعضاء في “الدعوة-الأم”، عبروا عن خطوتهم هذه، لإنقاذ الحزب وتجنيبه الانهيار، في حال انهار المالكي فيه وحزبه في السلطة.
أليس في هذا ما يهز المالكي، وزلزال مصر يرج الأجواء؟ بالطبع إن المالكي، ليس وحده المسؤول عن الثغرات في سد الدولة، ولا الرئيس مبارك وحده هو المسؤول في مصر. ولكن الرئيس هو عنوان رسالة الدولة التي يتغير اتجاهها بتغييره.
الانتفاضة قد تخرج من مصر من النفق، ولكن الانتفاضة في العراق قد تدخله النفق. ولم يزل في الوقت متسع.. في العراق، حفظه الله، وأعان المالكي وسدد خطاه..
Leave a Reply