وليد مرمر – لندن
لم يعد خافياً على أي متابع للشأن اليمني التآلف والتعاضد العضوي بين نظام آل سعود وإرهابيي تنظيمي «القاعدة» و«داعش» تحت ألوية «المقاومة الشعبية» و«الجيش الوطني» وفصائل أخرى، سيما في المعركة الدائرة حالياً على تخوم مدينة مأرب. ولا يخفي تنظيم «القاعدة» وجود مقاتليه في هذه المعارك إلى جانب التحالف الدولي–العربي في إصداراته الإعلامية. وكانت صحيفة «واشنطن بوست» قد كشفت في وقت سابق أن «تنظيمي داعش والقاعدة في اليمن قد استقطبا مقاتلين أجانب من السعودية ومصر وباكستان ودول أخرى، وعين التنظيمان بعضهم في مناصب قيادية للقتال بجانب قوات هادي وما يسمى الجيش الوطني في مأرب والبيضاء». ونقلت الصحيفة عن زعماء قبليين ومسؤولين محليين قولهم «إن التحالف كان يموّل ويسلَح القبائل المرتبطة بكل من داعش والقاعدة لمحاربة الجيش واللجان الشعبية، وهو ما نتج عنه خلافات بين داعش والقاعدة ظهرت عندما بدأ التحالف بنقل كميات أكبر من الأسلحة إلى رجال القبائل المنتسبين إلى تنظيم القاعدة».
ولقد تم الكشف في تحقيق نشرته شبكة «سي أن أن» في فبراير عام 2019 عن «قيام كل من السعودية والإمارات بتوصيل وتهريب أسلحة وعتاد عسكري أميركي إلى أيدي تنظيم القاعدة الإرهابي في اليمن».
وكانت قوات الجيش اليمني واللجان الشعبية قد تمكنت في أغسطس من عام 2020 من الحصول على الكثير من الوثائق التي فضحت معلومات فائقة الأهمية حول حقيقة الحرب على الإرهاب وداعميه ومموليه، وقد ساعدت هذه الوثائق بتمهيد الطريق نحو معركة تحرير مأرب الجارية حالياً. وقد تم الاستيلاء على هذه الوثائق بعد تحرير البيضاء، وتطهيرها من الإرهابيين بمشاركة القبائل المحافظة في عملية عسكرية استمرّت لمدة أسبوع تم خلالها إسقاط «إمارة البيضاء ومنطقة يكلا في مديرية قيفة» المعقل الرئيسي لتنظيم «القاعدة» لأكثر من 12 عاماً.
ولقد أكد هذه الحقيقة محمد عبد السلام رئيس الوفد الوطني اليمني عندما صرح: «في مأرب الكثير من المعسكرات التي تتبع للإماراتيين والبحرينيين والسعوديين ودول أخرى، وأعلامهم ترفرف عليها، وهذا احتلال حقيقي حيث تنطلق من هناك عمليات عناصر «القاعدة» و«داعش» خصوصاً الذين كانوا موجودين في البيضاء، على مدى 12 عاماً. ولقد قام جهاز الأمن والمخابرات بالكشف عن معلومات دقيقة حول اشتراك التنظيمين بالقتال إلى جانب التحالف الدولي–العربي. وأنا قدمت شخصياً للسفراء كشفاً فيه أكثر من 80 اسماً لعناصر تنظيم القاعدة وبيوتهم وإحداثيات مواقعهم ومراكز سيطرتهم ومراكزهم الإعلامية، وأسماء البعض منهم داخل ما يُسمى بقوائم المطلوبين في لوائح الإرهاب الأميركية والدولية».
ولكن وبالطبع لم تحرك هذه الدول التي تدعي محاربة الإرهاب ساكناً. وهذا من البديهيات حيث أنها هي من صنعته ودربته ومولته كما اعترفت بذلك هيلاري كلينتون. وكدأبهم في تلال القلمون، وسوريا والعراق، يكون أتباع «المحور الإيراني» في اليمن هم دائماً رأس الحربة في التصدي لمشاريع «القاعدة» و«داعش» الإرهابية.
وفيما يحكم مجاهدو الجيش اليمني واللجان الشعبية و«أنصار الله» الطوق على مواقع المرتزقة والإرهابيين في مأرب، هبّ نظام آل سعود هبّة واحدة ليستجدي العالم للتدخل لدى الحوثيين من أجل إيقاف الحرب والبدء بالعملية السلمية، الآن وقد بلغ سيل «العرم» الزُّبى!
ولكن ألم يخسر التحالف الدولي–العربي معظم حروبه مع الحوثيين، فلماذا هم الآن أعجز من تحمل خسارة أخرى في مأرب؟
إن لمحافظة مأرب أهمية إستراتيجية بالغة الأهمية. فهي تُعد مع محافظة تعز آخر المحافظات التي كانت تتبع لليمن الشمالي والتي ما زالت جزئياً تحت سيطرة الاحتلال السعودي–الإماراتي. لذا فإن استراجاعهما سيضمن للحوثيين، على الأقل، حدود اليمن الشمالي التاريخية في حال آلت الأمور إلى التقسيم، وهو ما تسعى إليه السعودية جهاراً وخفية.
ثانياً، تُعتبر مأرب العاصمة النفطية لليمن. وهي ذات أهمية جيو–سياسية واقتصادية كبيرة. فجغرافياً، تشكل مأرب صلة الوصل نحو محافظات جنوبية ثرية مثل شبوه وحضرموت. وهي المصدر الرئيسي للنفط الخام في اليمن الذي يمثل 70 بالمئة من موازنة الدولة، كما وتضم المحافظة محطة مأرب التي تزود البلاد بثلث الطاقة الكهربائية التي تحتاجها. وفي مأرب أيضاً منشآت حيوية لشركة «صافر» التي تدير مصفاة نفطية، وهي تُعتبر أهم وأكبر مصدر لإنتاج النفط (20 ألف برميل يومياً) والغاز الطبيعي المسال والغاز المنزلي في اليمن.
ولذلك، هناك تخوف حقيقي من أن تعمد قوات التحالف والإرهابيين التابعين لها إلى تفجير هذه المنشآت لكيلا تقع في أيدي الجيش واللجان والحوثيين الذين لا يألون جهداً لمنع وقوع هذا السيناربو الرهيب، ولهذا اقترحوا على القبائل المحلية في مأرب أن تشكل لجاناً تكون مهمتها الحفاظ على المنشآت وهو ما تحول السعودية دون حصوله.
لقد ابتدأت عملية تحرير مأرب عمليا في يناير 2019 عندما سقطت جبال نهم في أيدي الحوثيين بعدما كانت قوات التحالف قد استولت عليها في أغسطس 2016. وهذا الإنجاز عُدّ حينها تقدّماً عسكرياً كبيراً ذلك أن سلسلة جبال نهم تقع على بعد 40 كم شرق العاصمة صنعاء، وهي تُعتبر المدخل نحو محافظتي الجوف ومأرب. ثم تتابعت الانتصارات وتقدم «أنصار الله» والجيش واللجان نحو محافظة الجوف، فتوالت هزائم «عاصفة الحزم» ليحكم الحوثيون الطوق على محافظة مأرب من معظم الاتجاهات وهي الجوف، والبيضاء وجبال نهم.
فما هي إذن السيناروهات المتوقعة في «أم المعارك اليمنية» في عاصمة ملوك سبأ؟
يبدو أن الضغوط الدولية ستزداد على الحوثيين وحلفائهم لإيقاف معركة تحرير مأرب تلبية لطلب النظام السعودي وحفظاً لماء وجهه من الهزيمة المزرية المتوقعة التي تنتظره هناك. وفيما لو تم ذلك فسيتم بشروط حوثية عالية السقف، ذلك أن المنتصر هو من يفرض شروط الهدنة. ومن المتوقع أن يكون للحوثيين عندها حصة وازنة من الثروة النفطية مع تأمين مشاركة القبائل المتعاونة معهم في الحكم. وهذا السيناريو سيكون عبارة عن هدنة هشة بانتظار الحسم المنتظر فيما لو تعثرت المفاوضات على بقية الملفات الشائكة، وهذا أمر متوقع.
أما السيناريو الثاني فهو استمرار المعارك حتى تحرير مأرب من قوات التحالف ومرتزقتهم وهذا يعني عملياً إعلان انتصار اليمن على قوات التحالف وتحوله من معركة التحرير إلى الدفاع عن أرضه في مواجهة المحتلين. وسيكون بالتالي للحوثيين وحلفائهم اليد الطولى في تقرير مصير اليمن، خصوصاً ما يُعرف باليمن الشمالي منه لأنهم يشكلون القوة الأكبر ويسيطرون على أكثر المناطق أهمية اقتصادياً وجغرافياً باستثناء عدن التي ستكون قاب قوسين أو أدنى من نفوذهم.
لقد تنبأ الراحل محمد حسنين هيكل بهزيمة السعودية في المستنقع اليمني وها هي نبوءته قيد التحقق. وعندما ابتدأ العدوان السعودي على اليمن توقع محمد بن سلمان أن يدخل صنعاء وينهي الحرب في ثلاثة أسابيع. ولقد عجزت بعدها قوات التحالف الدولي–العربي بمشاركة إسرائيل (كما صرحت صحيفة «معاريف»)، عجزت حتى عن السيطرة على ميناء صغير كالحُديدة رغم الحصار والتجويع وارتكاب المجازر على مرأى من المجتمع الدولي.
ويوماً بعد يوم تنهار الدفاعات الأخيرة لنظام آل سعود ومرتزقتهم في مأرب وصولاً إلى دحرهم كما دحر الشعب اليمني تاريخياً كل الغزاة.
لقد حدث انهيار سد مأرب–وهو السد الأقدم في التاريخ (تم بناؤه بين عامي 1750 و1700 قبل الميلاد)–عندما حدثت فجوة كبيرة فيه أثناء الحرب بين مملكة سبأ مع شعب ريدان. وتسببت تلك الفجوة بحدوث سيل العرم الذي ذُكر في القرآن الكريم:
«لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ، فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُم بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيل».
وقد تسبب انهيار سد مأرب بفشل نظام الري بالمملكة وحدوث خسائر فادحة بالمحاصيل الزراعية وهو ما أدى إلى هجرة ما يقرب من 50 ألف شخص من اليمن لبلاد أخرى بشبه الجزيرة العربية ولقد استمرت الهجرة من اليمن لقرون لاحقة بعد انهيار السد.
فهل يكون انهيار سد مأرب الثاني بداية تحولات جيوسياسية في المنطقة، نتيجة لسياسات آل سعود و«إعراضهم» المستمر؟ وهل سيجرف «السيل» القادم من الشمال مخططاتهم الإرهابية التقسيمية كما جرفتها «سيول» أخرى في سوريا ولبنان والعراق إيذانا بقيامة اليمن السعيد؟
Leave a Reply