الحرب ستكون داخل المستوطنات والجيش الإسرائيلي سيقع فـي كماشة
نصرالله يعتبره «بالوناً انتخابياً» وإذا نفذ فالمعركة ستغير مجرى التاريخ
بعد انتصار العام 2000، الذي حققته المقاومة بدحر قوات الاحتلال الاسرائيلي من جنوب لبنان في 25 ايار، من دون قيد او شرط، لم ترم المقاومة سلاحها، ولا استكانت لخطر العدو الاسرائيلي وأطماعه، فهي درست المشروع الصهيوني جيداً، الذي يقوم على توسيع احتلاله لتحقيق حلمه التوراتي بإقامة «اسرائيل الكبرى»، وطرد الأهالي من المناطق المحتلة وتحويلها الى مستوطنات واستدعاء اليهود من اصقاع العالم اليها.
هذا المشروع الذي نفذ على الارض في فلسطين، ثم في سوريا وسيناء وأجزاء من الاردن ولبنان، اقامت المقاومة بوجهه خطة نظامية معاكسة، ونجح «حزب الله» كاحد تنظيمات المقاومة في لبنان، في ان يبني قوة عسكرية مدربة ومجهزة ومؤمنة بقضية تحرير الارض، فحقق انجازات كبرى، توجت بانتصاره العام 2000 ثم في العام 2006، الذي ظن العدو انه في عدوانه صيف ذلك العام، يمكنه ان يوجه ضربة للمقاومة بعد ست سنوات من خروج قواته من لبنان، بطريقة مذلة، حيث فتحت البوابات عند الشريط الحدودي ليفر الضباط والجنود ومعهم عملاؤهم من ميليشيا لحد، لكن حسابات قادتهم السياسيين والعسكريين لم تكن كما ظنوا، انه باستطاعة سلاح الطيران ان يدمر قواعد الصواريخ، خلال ثلاثة ايام، هذا ما ابلغه رئيس الاركان وقائد سلاح الطيران دان حالوتس الى رئيس حكومته ايهود اولمرت، لكن النتائج على ارض الميدان جاءت معاكسة، فلم تدمر الصواريخ التي كانت تسقط يومياً على المستوطنات الصهيونية في المناطق القريبة والبعيدة من حيفا الى القرب من تل ابيب نفسها، ولم تستطع قوات البر التي تقدمت باتجاه مارون الراس وعيتا الشعب وبنت جبيل من تحرير الجنديين الاسرائيليين اللذين اسرتهما المقاومة في 12 تموز، ولم يوافق اولمرت على التفاوض عليهما لاطلاق سراح سمير القنطار، واختارت اسرائيل الحرب المدمرة على لبنان، فقصفت المدن والقرى والجسور والطرقات والمرافئ والمطار وحاصرت الشواطئ ببوارجها، لكن صواريخ المقاومة تمكنت من إبعادها بعد ان نجحت في اصابة البارجة «ساعر» اصابات مباشرة.
انهزمت إسرائيل في حربها التي دامت 33 يوماً ولم تحقق اي هدف من اهدافها العسكرية والسياسية، ولا في استرجاع الأسيريين، ولا في منع المقاومة من استعادة قوتها وسيادتها، حيث اعترف قادة العدو وعلى رأسهم وزير الدفاع ايهود باراك: ان القرار 1701 لم يكن انتصاراً دبلوماسياً لاسرائيل، لانه في ظله تمكن «حزب الله» من زيادة ترسانته الصاروخية التي بلغت الاربعين الف صاروخ، والى امتلاكه صواريخ مضادة للطائرات، قد تسقط طائراتنا وطيارينا فوق ارض لبنان وتأسرهم، وهذا ما سيمنع او يخفف من طلعاتنا الجوية كما يقول باراك، الذي هاجم القوات الدولية بانها لم تقم بواجبها في منع «حزب الله» من التسلح، فكان رد قوات «اليونيفيل» انها ستمنع المقاومة من اسر اي طيار في حال سقوط طائرته، وقد شكل هذا التصريح استنكاراً لبنانياً واسعاً، في وقت لا تقوم هذه القوات بمنع الاختراقات الاسرائيلية الجوية في سماء لبنان، حيث سجلت آلاف الطلعات منذ وقف العدوان الاسرائيلي قبل عامين.
ويبدو ان العدو الاسرائيلي لم يبتلع هزيمته بعد في لبنان، وهو يعد العدة لحرب جديدة، حيث اشار تقرير لجنة فينوغراد الى الإخفاقات التي رافقت الحرب، وطالبت بسدها، وقامت القيادة العسكرية بتنفيذ ما طلبه منها التقرير، وأجرت مناورات عسكرية وميدانية، تركز البعض منها على الجبهة الداخلية التي شهدت اثناء عدوان تموز تضعضعاً، فهجر اكثر من مليون مستوطن منازلهم، وتبين ان الاستعدادات للحرب لم تكن كاملة، فالملاجئ غير مجهزة، وعمليات الانقاذ بطيئة في الدفاع المدني والإطفاء، لان الكيان الصهيوني لم يكن يتوقع الرد الصاروخي الكثيف والبعيد المدى من المقاومة، حيث شعر سكان إسرائيل لأول مرة بمعنى الحرب في تاريخ الحروب الإسرائيلية-العربية، التي كانت تنتهي في ساعات وايام قليلة، في حين ان الحرب على لبنان استمرت اكثر من شهر، وبقيت الصواريخ تسقط على المستوطنات حتى الدقائق الأخيرة لوقف الأعمال العسكرية.
لذلك فإن الاستعدادت العسكرية الاسرائيلية للحرب من جديد قائمة منذ اللحظة الاولى لصدور قرار مجلس الامن الدولي 1701 بوقف العمليات الحربية، حيث أعيد تأهيل دبابة «الميركافا» من الجيل الرابع التي دمّرتها قاذفات «الكورنيت» في سهل الخيام ومرجعيون ووادي الحجير ومارون الراس وعيتا الشعب، كما تم استدعاء الاحتياط في الجيش لإعادة تدريبه إضافة الى تمتين الجبهة الداخلية التي انهارت وفقدت ثقتها بالجيش الذي اعتبرته لا يقهر، فاذا ببضعة آلاف من رجال المقاومة يمنعونه من تحقيق أهدافه ويلاحقونه بقذائفهم وصواريخهم، وعندما شاهد الاسرائيليون جيشهم ينكسر امام المقاومة دبّ اليأس فيهم وفقدوا الامل في البقاء في الدولة التي قيل إن «الله وعد شعبه المختار فيها»، وقد تم بناؤها على انها «اسبرطة الشرق الأوسط»، والثكنة العسكرية التي لا يتم اقتحامها، او زعزعة الأمن فيها، لكن هذه المقولات سقطت في الحرب على لبنان، وبات على قادة العدو ان يبرهنوا امام مواطنيهم أنهم سيعيدون لهم ثقتهم بدولتهم وبجيشهم، مستغلين مناسبة الانتخابات الإسرائيلية المبكرة، التي فرضتها فضائح اولمرت المالية مع آخرين من القيادة الذين ابتلوا بفضائح جنسية والتهرب من دفع الضرائب واستخدام السلطة لحسابات شخصية وفئوية.
وارتفعت وتيرة التهديدات الإسرائيلية للبنان مع افتتاح الموسم الانتخابي داخل إسرائيل، والتنافس على الرئاسات والزعامات داخل الأحزاب الاسرائيلية، حيث يحاول كل من ايهود باراك وتسيبي ليفني وبنيامين نتنياهو ان يقدم برنامجه الانتخابي على اساس رد الاعتبار للجيش الاسرائيلي، وأكثر الذين يرفعون من منسوب التهديد للبنان هو باراك صاحب شعار الفرار من لبنان عام 2000، ويحمله الاسرائيليون المسؤولية الى ما وصل اليه الوضع مع لبنان بعد خروج القوات الاسرائيلية منه، وكان عليه قبل ان يسحبها منه ان يضمن ان لا وجود للسلاح وأن الحدود ستكون آمنة.
وباراك المهزوم في لبنان، يحاول أن يزايد على المهزوم الآخر اولمرت، والاثنان يتوعدان لبنان بعدوان جديد عليه، وانهما لن يوفرا البنى التحتية فيه، ولا اي منطقة لبنانية، وما تم تحييده في صيف 2006 لن يتكرر، وهو عملياً لم يحصل، لأن بيروت حمتها المقاومة وليس قرار اولمرت او الادارة الاميركية، اذ هدد الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله بان قصف بيروت سيقابله قصف تل ابيب وحتى المنشآت الحيوية في حيفا وغيرها، وهذا ما شكل رادعاً للقيادة الاسرائيلية ان تتريث في ضرب العاصمة وهي تهدد بان اي حرب مع لبنان لن توفرها هذه المرة، بعد أن سيطر «حزب الله» على الحكومة كما يقول اولمرت وزملاء له في حكومته، وان الحكومة اللبنانية الجديدة اعترفت في بيانها الوزاري بحق المقاومة في تحرير الارض المحتلة وهذا يرتب على الدولة اللبنانية مسؤوليات، كما قال باراك ووزير البيئة الاسرائيلي جدعون عزرا الذي اعتبر ان الدولة اللبنانية اصبحت هدفاً، وسنهاجم البنية التحتية المدنية في حال قام «حزب الله» بشن حرب عليه.
وقد أكدت التقارير الدبلوماسية العربية والأجنبية، ان التهديدات الاسرائيلية جدية، وهو ما اشار اليه وزير الخارجية الفرنسي برنار كوشنير في اثناء زيارته الى لبنان، وساوى بين تهديدات اسرائيل و«حزب الله» التي وضعها امينه العام، في اطار المناورات السياسية الاسرائيلية الداخلية ولعبة الانتخابات، لكنه اكد انه مع التهديدات ومن دونها فان المقاومة في جهوزية تامة لوعيها لخطورة المشروع الاسرائيلي، وهي تضع في كل لحظة احتمال ان يشن العدو الاسرائيلي حرباً او اعتداء او تنفيذ عملية اغتيال، وهي لهذه الاسباب ترفض القاء سلاحها وتدعو للبحث في الاستراتيجية الدفاعية التي تشارك فيها الدولة بكل مكوناتها الجيش والمقاومة والشعب، وان ما اورده البيان الوزاري يقع في هذا الإطار، وهو ليس ذريعة لتشن اسرائيل حرباً جديدة عليها، كما هدّد قادتها، وقد رد عليهم السيد حسن نصرالله بالإشارة الى ان البيان الوزاري للحكومة السابقة تضمن فقرة حول المقاومة أكثر تشدداً مما ورد في البيان الحالي وان العدوان الذي يهدد به العدو متذرعاً بالبيان الوزاري للحكومة، ليس الا محاولة للهروب من المأزق السياسي والأمني الذي تعيشه اسرائيل حيث يضع الامين العام لـ«حزب الله» احتمال ان يتم نقل الازمة داخل الكيان الصهيوني الى شن حرب على لبنان، التي ستكون بداية نهاية اسرائيل، كما اكد قائد المقاومة في كلمته الاخيرة، متوعداً باراك بانه اذا ارسل فرقه العسكرية الخمس الى لبنان فستلقى مواجهة في كل القرى والمنازل والوديان والتلال والجبال، وسيقابلها آلاف من رجال المقاومة الذين اعدهم القائد الشهيد عماد مغنية بعد وقف عدوان تموز، ليواجهوا عدواناً محتملاً، فكما تم الاستعداد للحرب في العام 2006 فان المقاومة انهت تدريباتها وتجهيزاتها ومناوراتها، وباتت على اهبة الاستعداد للرد على اي عملية عسكرية اسرائيلية، التي يتوقع السيد نصرالله ان تكون اجتياحاً برياً، وليست في الجو، اي تغيير اسلوب الحرب في العام 2006، حيث اعتمد حالوتس على سلاح الطيران، ولم يدخل سلاح البر المعركة بكل قوته، وان العقيدة العسكرية الاسرائيلية الجديدة التي ستعتمد حسب مسؤولين اسرائيليين هي دخول قوات برية بمعدل خمسة ألوية، ولكن هذه المرة الى البقاع، حيث تشير التقارير العسكرية الصهيونية الى ان المقاومة نشرت صواريخها في البقاع الغربي وصولاً الى البقاع الشمالي والهرمل مروراً ببعلبك.
وتتحسب المقاومة لاجتياح بري تقوم به إسرائيل وفق ما يقول السيد نصرالله ويؤكد ان هذه الحرب ستكون فاصلة، ليس للبنان فقط، بل لوجود الدولة العبرية الذي اصبح على المحك، وكما اعلن الامين العام لـ«حزب الله» بعد عدوان تموز، انه في حال حصول حرب اسرائيلية جديدة على لبنان، فستحصل مفاجآت تغير وجه المنطقة والتاريخ، وتأخذ القيادة الاسرائيلية كلامه على محمل الجد، بعد التجارب التي خاضتها مع المقاومة، وكان آخرها الحرب الاخيرة التي انكشف فيها الجيش الاسرائيلي، الذي يتردد ضباط كبار فيه، في الدخول بمغامرة جديدة مع المقاومة، لانها ستكون مكلفة، وقد تكون آخر حرب يقوم بها هذا الجيش، وقد يفقد المبادرة، ويصبح في موقع الدفاع، وتتحول المعارك الى داخل اسرائيل، وهذا ما هو متوقع وفق تقارير عسكرية وامنية، تكشف ان المقاومة سترد على اي اجتياح اسرائيلي للبنان، بنقل العمليات الى داخل المستوطنات الصهيونية.
وهذا تطور اذا حصل، سيكون من المفاجآت التي وعد بها السيد نصرالله، وعندها سيهتز الكيان الصهيوني، ولن تبقى جبهته الداخلية متماسكة، وقد يترافق ذلك مع تحرك فلسطيني من داخل الاراضي المحتلة، فتتعطل حركة الجيش الاسرائيلي داخل لبنان، ويقع في كماشة، بين مقاومين في لبنان وفلسطين، هذا اذا لم يتم تحريك الجبهة السورية، حيث تكشف المعلومات عن ان سوريا لن تقف مكتوفة الأيدي اذا ما كانت المعارك تجري على حدودها في البقاع وعلى مرمى من عاصمتها دمشق، وهي أجرت ترتيبات عسكرية وميدانية، لمواجهة احتمال حصول حرب، تتحدث تقارير اسرائيلية عن انها ستكون واسعة وشاملة، وهذا ما يفسر إجراء الجيش الاسرائيلي مناورات في الجولان.
ان احتمال الحرب يبقى قائماً، وان حصولها كان دائماً يقع في ظروف داخلية اسرائيلية، لكن ما قد يؤخرها او يمنعها هي التطورات التي حصلت في القوقاز والتدخل الاسرائيلي السافر في جورجيا ضد روسيا، حيث لن يكون المناخ الدولي مؤاتياً لها لشن هذه الحرب.
Leave a Reply