وليد مرمر
«.. لم يلتزم حزب الله بإسقاط كل المسيرات.. فما حدا يقول يا سيد في «أم–كا» بالجو، إذا عنا سلاح نوعي مش رح نستهلكه على الطائرات المسيرة، فيكن تناموا مرتاحين، الرد مش اليوم. وقت ضربة القنيطرة كان الجو حامي وفي ستة شهداء ونطرنا عشرة أيام. فهلق مش مستعجلين أبداً، خلّي الإسرائيلي مستنفر..».
هذا ما نُقل عن أمين عام «حزب الله» السيد حسن نصرالله خلال لقاء علمائي داخلي مع قراء العزاء بمناسبة قرب حلول ذكرى عاشوراء. وتابع السيد نصرالله: «بحوزتنا مسيرات مثل التي أرسلوها إلينا وقد نرسل لهم مثلها ثم يستهدفونها بصاروخ ثمنه عشرات بل مئات آلاف الدولارات، عندها نخسر نحن بضعة آلاف الدولارات فيما هم سيخسرون الكثير».
لا شك أن السيد نصرالله كان يعلم بأن كلمته أمام مشايخ العزاء ستُسرب إلى الإعلام وسيعلم بها الإسرائيلي. لذلك فهو ربما قد تعمد إرسال معلومات مضللة عن نوايا «حزب الله» القادمة. وحرب التضليل الإعلامي قد برع فيها الإسرائيلي و«حزب الله» سواء.
بعض المراقبين يرى بأن التسريب الذي تعمدت إسرائيل إيصاله إلى وسائل الإعلام عبر «التايمز» اللندنية ما كان إلا للتعمية الإعلامية، وهو التسريب الذي تناقلته «رويترز» و«هآرتس» ووسائل إعلامية أخرى حول معلومات لمسؤول أمني إسرائيلي بأن الضربة التي نفذتها إسرائيل فجر الأحد الماضي في الضاحية طالت مكوناً أساسياً لبرنامج «حزب الله» الصاروخي ملحقة الضرر بـ«خلاط كوكبي»، أي خلاط صناعي الحجم تبلغ زنته 8 أطنان تقريباً، يُستخدم لصناعة دوافع تحسن أداء محركات الصواريخ وتزيد دقتها وبأن الجهاز ضرب قبل قيام «حزب الله» بنقله إلى موقع آمن بفترة وجيزة.
ولكن إسرائيل كانت قد أرسلت رسائل شبه رسمية لـ«حزب الله» عبر طرف ثالث ربما لامتصاص ردة فعل الحزب المحتملة وهي بأن الطائرة الأولى ما كانت إلا طائرة استطلاع قد خرجت عن نطاق السيطرة مما دعا إسرائيل لإرسال مسيرة ثانية مجهزة بالمتفجرات لتفجيرها فأخطأتها. وهذا يمكن أن يكون أقرب إلى الواقع اذا علمنا أن الطائرة إنما استهدفت مبنى الوحدة الإعلامية لـ«حزب الله» في معوّض، وهو مبنى ليس بذي أهمية استراتيجية تستدعي هذا الخرق الخطير. وهذه الرواية تؤيدها المعلومات التي أدلى بها السيد نصرالله في خطابه المتلفز وتعززها روايات شهود عيان بأن المسيّرة الأولى كانت تحلق بمحاذاة أسطح المباني وقد تم إسقاطها برمي الحجارة عليها، وأن المسيّرة الثانية انفجرت بعد ذلك بحوالي 45 دقيقة.
أما موقع «ديبكا» الإسرائيلي الاستخباراتي فقد أكد بأن العملية كانت محاولة لاغتيال ضابط اتصال إيراني رفيع المستوى وليست لقصف مصنع صواريخ كما أدعت «التايمز» اللندنية وتناقلته وسائل الإعلام الأخرى.
وكان قد سبق «حادثة معوّض» هجوم صاروخي على بيت يقيم فيه عناصر لـ«حزب الله» في «عقربا» بريف دمشق، مما أدى لمقتل اثنين من عناصره.
وقد أعلن السيد نصرالله في خطابه المتلفز بأنه لن يسمح بتغيير قواعد الاشتباك وبأنه حاسم في مسألة الرد على الخرقين الإسرائيليين متوعداً إسرائيل برد حتمي «في لبنان».
وفيما كانت الأمور تشير إلى انزلاق سريع نحو مواجهة يعلم الجميع خطورتها سارع الرئيس الأميركي دونالد ترامب بالطلب من الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في لقاء على هامش قمة مجموعة الدول السبع بمنتجع «بياريتز» في فرنسا بالتدخل لدى «حماس» و«الجهاد» في غزة لتحييدهما فيما لو تطورت الأمور إلى صراع عسكري. وبالفعل لبى السيسي طلب ترامب بدعوته وفد «حماس» للقاهرة يوم الثلاثاء الماضي، للتحذير من أن مصر سوف تغلق الحدود مع قطاع غزة بشكل محكم لو شاركت الفصائل الفلسطينية في الحرب المحتملة.
أما السفيرة الأميركية إليزابيت ريتشارد فقد التقت بشكل عاجل بالرئيس ميشال عون الذي كان قد أعلن أن إسرائيل قد أعلنت حرباً ضد لبنان، وقالت له أنه لو أصر على دعمه لـ«حزب الله» وأمينه العام فإن واشنطن ستعيد حساباتها بما خص بالمساعدة السنوية للجيش اللبناني.
وليلة الأربعاء، وفي تطور لافت وجّه الجيش اللبناني للمرة الأولى نيرانه (من بندقية أم–16) على مسيّرات إسرائيلية خرقت الأجواء اللبنانية وكانت تحلّق بشكل منخفض فوق بلدة عديسة الجنوبية.
من جانبها، حظرت إسرائيل الطيران المدني والعسكري في نطاق ستة كيلومترات داخل حدودها، وتراجع جيشها بحوالي سبعة كيلومترات عن الحدود خشية استهداف عناصره.
الصحافي علي شعيب من قناة «المنار» نشر بدوره صورتين قال إنهما من الحدود اللبنانية الإسرائيلية، وتبدو فيهما آليات عسكرية تسير قرب الحدود وبداخلها مجسمات بشرية (مانيكان)، مشيراً بطريقة فكاهية إلى أن عناصر «حزب الله» أذكى من أن يخدعوا بمثل هذه المهزلة.
لا يبدو أن أي طرف إقليمي أو دولي يحبذ حرباً شاملة بين إسرائيل و«حزب الله». وكلا الطرفين يعلم بأن هذه الحرب ستكون مكلفة للجميع. فإسرائيل أبلغت عبر أطراف محايدين «حزب الله» بأن أي رد على العمليتين ولو بشكل محدود، سواء على هدف عسكري أو مدني، سيكون مكلفاً جداً للحزب لأنه سيعرضه لضربة عسكرية كاسحة.
وتشير بعض التقديرات الاستخبارية إلى أن «حزب الله» سيبذل كل جهده من أجل توجيه ضربة ما ضد هدف إسرائيلي خلال الأسابيع الثلاثة المقبلة، وهي الفترة المتبقية قبل إجراء انتخابات الكنيست في 17 أيلول (سبتمبر) المقبل.
وفي انتظار الرد الحتمي، يحبس الجميع الأنفاس خشية رد إسرائيلي «كاسح» سيأخذ الطرفين إلى حرب شرسة يعلم الجميع بأن احتمال تمددها إقليمياً هو أكبر من أي وقت مضى.
Leave a Reply