وفيقة إسماعيل – «صدى الوطن»
منذ عقود ومنطقة الشرق الأوسط في واجهة التوتر والتأزم، وربما كان لبنان أحد أبرز ساحاتها المعقدة، لاسيما وأنه يجاور فلسطين –التي من المفترض أنها قضية العرب الأولى– فيما تتعاظم كل يوم، على أرضه، قوة «حزب الله» الذي لطالما أرّق إسرائيل ووجه لها الصفعة تلو الصفعة فارضاً معادلة ردع لم تخضع إسرائيل لمثلها منذ احتلال فلسطين.
موقع لبنان المتميز على ساحل المتوسط الغني بالغاز والنفط سبب إضافي ليكون مطمعاً وهدفا لدول عديدة ترغب في أن يكون لها موطئ قدم فيه كمنطلق لنفوذ قديم عفا عليه الزمن.
بناءً على ما سلف يتواصل توافد الزوار الغربيين إلى بيروت إثر انفجار المرفأ الكارثي، حيث يتوقع وصول مساعد وزير الخارجية الأميركي ديفيد شينكر، بعد وزير الخارجية الكندي، فيما أعلن قصر الإليزيه رسمياً عودة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى لبنان في الأول من أيلول المقبل.
أيام قليلة تفصل عن موعد الزيارة الفرنسية المرتقبة، في وقت تتجه فيه الأوضاع الداخلية نحو مزيد من التعقيد والعرقلة. إذ كان لافتاً تقاطع تصريحات طغت عليها السوداوية، وتتعلق بأصل وجود الكيان اللبناني، أطلقها عدد من المسؤولين.
وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان، قال إن على اللبنانيين تأليف حكومة سريعاً لأن الدولة اللبنانية مهددة بالاختفاء، أما رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري فقد نقل عنه زواره قوله إنه وللمرة الأولى خائف على لبنان، ويرى في ما يحصل خيبة أمل لدى كل اللبنانيين الحالمين بمعالجة الأزمة، وهو الذي كان قد نصح رئيس الحكومة السابق سعد الحريري بالذهاب إلى قصر بعبدا وإطلاع الرئيس عون على موقفه، لكنه رفض.
بدوره، رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب، قال إن المطلوب وبسرعة حكومة تتخذ القرارات التي تعالج الأزمات وتستكمل ورشة الإصلاحات التي أطلقتها حكومته ونفذت بنوداً عديدة منها.
وفي إطار المشاورات المتواصلة لتأليف الحكومة والاتفاق على اسم رئيس لها، حُكي أن رئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل، أبدى استعداده للسير في ترشيح نواف سلام المقرب من الأميركيين، بغية تحسين علاقته بواشنطن، والتي ساءت بسبب قربه من «حزب الله» ودفاعه عن المقاومة في المحافل الدولية عندما كان وزيراً للخارجية. وقد أفاد مكتب باسيل بأن الاجتماع الأخير مع الرئيس بري تمحور حول ضرورة الإسراع في تأليف حكومة فاعلة ومنتجة.
السعودية تشترط
موقف الحريري الرافض لترؤس الحكومة العتيدة، أسهم في تعقيد المشهد المعقد أصلاً، بعد إصراره على سحب اسمه من التداول، وإن ترك الباب موارباً، ولم يقطع الطريق نهائياً على مبدأ العودة، بل جعلها مشروطة بإطلاق يده في التشكيلة الوزارية برمتها، وهو الذي تلقى رسالة سعودية مفادها أنه إذا أراد دعم الرياض، فعليه أن يؤلف حكومة خالية من أي تأثير لـ«حزب الله» أو «التيار الوطني الحر»، وإلا فإنه سيلاقي مصيراً مشابهاً لمصير حكومة دياب،
وقد توالت نصائح دولية للحريري بضرورة الابتعاد عن المشهد والإفساح في المجال أمام ترشيح نواف سلام. لكن أجواء «الثنائي الشيعي» الرافض لترشيح سلام، أفضت إلى استبعاد الأخير مبدئياً، مع توجه نحو تسمية الوزير السابق والنائب الحالي عن مدينة طرابلس فيصل كرامي.
إذن، أجواء ملتبسة تحيط بتأليف الحكومة، فبعد أن عمّ التشاؤم وقال الرئيس بري إنه قام بكل ما بوسعه، عادت عجلة الاتصالات إلى الدوران مع اقتراب موعد زيارة الرئيس الفرنسي المغطاة أميركياً، والذي يطالب بجملة إصلاحات لإنقاذ البلاد.
الاستشارات النيابية
وفي غمرة الضغوط التي يتعرض لها موقع الرئاسة، أكد رئيس الجمهورية اللبنانية ميشال عون في حديث لصحيفة «باريس ماتش» الفرنسية أنه ليس في وارد الاستقالة من منصبه، مشدداً على أن الخطوة الأساسية في محاربة الفساد قد بدأت عبر التدقيق الجنائي الذي سيشمل مصرف لبنان والإدارات الرسمية.
مصادر مطلعة أكدت لـ«صدى الوطن» أن الرئيس عون ينوي خلال الأيام القليلة المقبلة الإعلان عن موعد الاستشارات النيابية، وكان قد أعطى مهلة 14 يوماً للحريري وبطلب من بري، للحصول على الضمانات التي يريدها، لكن الحريري رفض قبل انتهاء المهلة، معلناً عدم تمكنه من الحصول على تلك الضمانات، لكن عون يتوقع منه طرح اسم إحدى الشخصيات خلال المشاورات، مما يمنح تلك الشخصية الغطاء السني المطلوب.
عد عكسي
هذا على الصعيد السياسي، أما على الصعيد الاقتصادي، فإن القنبلة التي فجرها حاكم «مصرف لبنان» رياض سلامة لا تزال تتردد أصداؤها في البلد المنكوب، والتي مفادها أن الاحتياطي النقدي الذي يمتلكه المصرف ويدعم بواسطته السلع الأساسية من قمح ودواء ومحروقات لا يكفي سوى لثلاثة أشهر!
خبر، كان له وقع الصاعقة على رؤوس اللبنانيين، فارتفاع الأسعار الذي اكتوى بناره اللبنانيون منذ مطلع تشرين الأول مع بداية الحراك وتفاقم إلى مستويات غير مسبوقة لم يعرف اللبنانيون مثيلاً لها حتى في عز أيام الحرب الأهلية، وسط اشتداد جائحة كورونا وآثارها الاقتصادية، جراء إقفال المؤسسات وتسريح للعمال والموظفين بالجملة.
أرقام صادمة
بعد أن تمكن لبنان من كبح الموجة الأولى من كورونا وبلغ مرحلة صفر إصابات، أدت خطوة فتح البلد التي رأى فيها كثيرون تسرعاً له عواقب وخيمة، عادت الجائحة لتجتاح لبنان من أقصى جنوبه إلى أقصى شماله، وسط إمكانات طبية محدودة جداً، ما دفع بالسلطات الرسمية إلى إعادة فرض الإقفال التام مع بعض الاستثناءات لمدة خمسة عشر يوماً، مع مواصلة التعبئة العامة حتى نهاية العام الحالي.
فقد تجاوزت أرقام الإصابات اليومية حوالي 600 حالة، إضافة إلى ازدياد عدد الوفيات اليومي بنحو مضطرد. مما أثار جواً من الهلع في الشارع اللبناني وسط غياب الإجراءات الوقائية.
وقد أدى ارتفاع وتيرة الإصابات إلى مطالبة البعض بإقفال المطار أو على الأقل إلزام القادمين من الخارج بالعزل الصحي.
توتر حدودي
وفي خضم الأزمات التي يعيشها لبنان، يستمر التوتر بين إسرائيل والمقاومة في المنطقة الحدودية، حيث توعد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، «حزب الله» بعقاب وخيم في حال هاجم دولة الاحتلال محملاً لبنان مسؤولية أي عملية تستهدف إسرائيل.
وتأتي هذه التطورات بعد التهديد المباشر والواضح الذي أطلقه الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصر الله بالرد على سقوط أحد عناصره في سوريا الشهر الماضي إثر غارة إسرائيلية قرب مطار دمشق.
ومنذ نحو أسبوعين حصل تبادل لإطلاق النار عند الحدود بين عناصر من الجيش الإسرائيلي نفسه، بعد أن رأت إحدى المجندات ظلاً اعتقدت أنه عملية تسلل، وهو ما كان مدعاة سخرية كبيرة في الداخل الإسرائيلي قبل غيره، ودفع إلى التشكيك بقدرات الجيش الإسرائيلي.
ويبدو أن السيناريو الذي حصل ليل الثلاثاء الماضي كان مشابهاً لسابقه من حيث الشكل والمضمون، ولكن إسرائيل هذه المرة تجرأت على استهداف قرى حدودية لبنانية، ميس الجبل وحولا، وقصفتها بالقذائف الفوسفورية الأمر الذي أدى إلى احتراق مساحات حرجية واسعة، ولولا العناية الإلهية لكان سقط العديد من الضحايا المدنيين.
وقد زعم الإعلام الإسرائيلي أن خلية قناصة تابعة لـ«حزب الله» أطلقت رصاصتين من منزل في بلدة حولا نحو قوة عسكرية، لكنهما أخطأتا الهدف. وككل مرة، استغلت إسرائيل التوتر الحدودي لمطالبة مجلس الأمن الدولي بتعزيز مهام قوات اليونيفل وتقويتها، وتوسيع رقعة انتشارها.
المطلوب ذهنية جديدة
اليوم ومع الانهيار الاقتصادي المريع وزلزال الشارع الذي انفجر في 17 تشرين ثم انفجار المرفأ في الرابع من آب، وتمزّق بنيان الدولة اللبنانية المهترئ الذي يأكله الصدأ، يبدو أنه لم يعد كافيا الذهاب إلى صيغة سياسية جديدة، بل بات لزاماً على المسؤولين اللبنانيين تبنّي ذهنية جديدة تقوم على المسؤولية الوطنية لا على المكاسب الشخصية.
قد يقول قائل إن الأوان قد فات –ربما الأمر كذلك– لكن إكرام الميت دفنه لا التمثيل بجثته.
سياسيو لبنان يتصرفون بكل أريحية ويأخذون وقتهم في كل شيء، من مشاورات ومداولات ولقاءات، ويكملون الأداء السياسي السيء الذي انتهجوه منذ عقود، دون التنبه إلى أن الهيكل إذا سقط سيسقط على رؤوس الجميع، ولن تعصمهم أموالهم من غضب شعب لم يعد لديه الكثير ليخسره.
Leave a Reply