وليد مرمر – لندن
لبنان: السفيرة الأميركية في الحارة
وقفت وما في الموت شك لواقف
كأنك في جفن الردى وهو نائم
بيت الشعر هذا هو للشاعر العباسي، المتنبي، والبيت من قصيدة شهيرة له مطلعها: على قدر أهل العزم تأتي العزائم/ وتأتي على قدر الكرام المكارم. وقد اختارته رشا الأمير شقيقة لقمان سليم ليُكتب على ضريحه الذي نصب في وسط بيت العائلة في منطقة الغبيري–حارة حريك. ولكن ما الفرق بين «وقوف» لقمان سليم ووقوف سيف الدولة الحمداني الذي أهداه المتنبي هذه القصيدة؟
لقد وقف سيف الدولة سداً منيعاً أمام توسع الدولة البيزنطية وكان بينه وبينها حروب كرّ وفرّ. أما صاحبنا لقمان فلقد كان مع غيره من «السياديين»، «دفرسواراً ثقافياً» يتم من خلاله التسلل إلى المجتمع عبر مشاريع واجهتها ثقافية وخلفيتها تهدف إلى جمع معلومات شاملة يعتبر تسريبها إلى أي جهة خارجية في المعايير الدولية تهديداً للأمن القومي، بغض النظر عن نوعية أو علاقة هذه الجهة الخارجية بلبنان. إجمالاً، تعتبر الولايات المتحدة دولة صديقة للبنان وهي تقوم بتمويل العديد من المشاريع البيئية والاجتماعية وكذلك تساهم في تسليح الجيش اللبناني. ولكن هذا لا يعطي مسوغاً لجهة غير حكومية بجمع معلومات دقيقة مهما كانت، بعنوان «الأرشفة» بغية تمريرها إلى أية دولة… حتى لو كانت صديقة.
فعلى سبيل المثال تتميز العلاقة بين الولايات المتحدة وإسرائيل بأنها وطيدة وتاريخية وراسخة، لكن هذا لم يمنع الولايات المتحدة من مقاضاة العديد من الجواسيس الإسرائيليين وزجهم بالسجون بتهم التجسس وسرقة وتسريب المعلومات لإسرائيل. وبما أن الشيء بالشيء يذكر فلقد قام الرئيس ترامب في آخر أيامه بالعفو عن الكولونيل الإسرائيلي المحكوم قضائياً، أفييم سيلا، المشغل للجاسوس الأميركي–اليهودي والمحلل المعلوماتي الخائن، جوناثان بولارد، الذي سرق أسراراً عسكرية وهربها إلى إسرائيل.
وبالعودة إلى دارة آل سليم على تخوم حارة حريك، فلقد تجمع ثلة من «السياديين» وسفراء دول أميركا وألمانيا وسويسرا وكندا لتشييع لقمان سليم في مشهد لافت وصفه النائب «المستقبلي» الشيعي، باسم السبع، «اقتحاماً حضارياً للمربع الأمني لحزب الله»! ولا أظن باسم السبع كان يظن بأن بضعة رجال أمن من حرس السفارة المدججين بالسلاح، الذين كانوا يرافقون السفيرة، دوروثي شيا، هم من أمّن لها الحماية مع بقية «الحضاريين السياديين» من «برابرة وهمجيي» حزب الله، لو أرادوا بهم شراً! بل ربما لا يعلم البعض أنك لو جلت لبنان من شماله إلى جنوبه، ومن بقاعه إلى ساحله، لرأيت أن الكثير من الناس يحملون ويقتنون السلاح بل ويستعلمونه في الأفراح والأتراح مع استثناء واحد: وهو مناطق نفوذ حزب الله الخالية تماماً من أية مظاهر مسلحة مهما تضاءلت وفي أي ظرف! فحتى خلال موجة التفجيرات إبان الحرب السورية وإرسال إرهابيي «داعش» و«النصرة» للسيارات المفخخة إلى الضاحية، وما استلزمه هذا الوضع من إقامة بعض الحواجز الأمنية، كان القائمين على تلك الحواجر عزّلاً تماماً ولا سلاحاً ظاهراً لديهم باستثناء راديو اللاسلكي!
هناك المئات من أشباه لقمان الذين يعيشون في الضاحية والجنوب وهم يجاهرون بعدائهم للمقاومة ليلاً نهاراً دون أن يتعرض لهم أحد بأذى. والحقيقة أن لقمان لم يكن كثير الظهور على وسائل الإعلام فهو بالتالي يعتبر أقل عداءً للمقاومة من غيره. ولكن إن صح ما ذكر يأنه كان متورطاً في عمليات أمنية كانت تستهدف انشقاقات داخل منظومة الحزب، فهذا بلا شك يعتبر تهديداً أمنياً للمقاومة مما يجعل من اغتياله سياقاً مألوفاً لعمل الأجهزة العديدة العاملة في لبنان.
ولقد جاء تصريح السفيرة في المرتين اللتين ذكرت فيهما مقتل لقمان «معتدلاً»، ذلك أنه وعلى عكس خطاب «السياديين» اللبنانيين لم يشر إلى أية جهة بعينها بل طالب الدولة اللبنانية بكشف القاتل ومحاسبته. بل ذهب البعض إلى اعتبار «وسطية» السفيرة، بل وحتى حضورها شخصياً إلى الضاحية خطوة إيجابية باتجاه إيران وحزب الله كمقدمة لتسوية لبنانية متوقعة، ذلك أن انزلاق لبنان أكثر نحو المجهول سيشكل تهديداً للمصالح الأميركية والأوروبية في المنطقة. وحسب جهات مطلعة، فلقد أعطى الرئيس الأميركي جو بايدن، نظيره الفرنسي فترة 100 يوم لتسوية الملف اللبناني، ولذلك سيقوم إيمانويل ماكرون بزيارة السعودية قريباً لدفعها إلى رفع «الفيتو» عن سعد الحريري قبل زيارته المرتقبة إلى لبنان لتذليل ملف تشكيل الحكومة.
فلسطين: الانتخابات على الأبواب
بعد خلافات دامت 14 سنة بين السلطة والفصائل صدر مرسوم رئاسي بالدعوة إلى الانتخابات الفلسطينية حيث ستجري الإنتخابات التشريعية في 22 من أيار (مايو) المقبل، والرئاسية في ٣١ تموز (يوليو) المقبل.
وسيتوجه ممثلون عن الفصائل إلى القاهرة هذا الشهر من أجل إجراء حوار حول آلية الإنتخابات.
وبحسب الفلسطينيين، تأتي هذه الدعوة كرسالة إلى الإدارة الأميركية الجديدة فحواها أن دعوى إسرائيل الدائمة عن عدم وجود شريك فلسطيني لم يعد لها مبرر. فانتخاب برلمان وحكومة جديدين يمثلان السلطة و«حماس» سيسد الذرائع لدى إسرائيل وسيجبرها نتيجة الضغط الأميركي المتوقع على البدء بالمفاوضات حول «حلّ الدولتين» الذي دعا إليه مؤخراً وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكين.
وحسب مصادر فلسطينية، فإن «الانتخابات ستشجع الأوروبيين على الاعتراف بالدولة الفلسطينية وهو ما سيفتح الطريق أمام قبول فلسطين كدولة كاملة العضوية في الأمم المتحدة ثم سيخلق معادلة سياسية جديدة تقوم على أساس أن هناك دولة تحتل دولة أخرى، وهو ما سيفرض قواعد جديدة للمفاوضات مع إسرائيل». وكانت الجمعية العامة للأمم المتحدة قد قبلت في عام 2012 فلسطين كدولة مراقبة وليس كدائمة العضوية. فهل ستسهل إسرائيل إجراء الإنتخابات سيما في القدس الشرقية؟ وهل ستسمح للسلطة بتنفيذ رغبتها باستقدام مراقبين أوروبيين لمراقبة الإنتخابات؟
الإمارات إلى المريخ
طنطنت وسائل الإعلام خلال الأسبوع الماضي بخبر وصول «مسبار الأمل» الذي أطلقته دولة الإمارات إلى كوكب المريخ، ليكون بذلك أول مهمة عربية تحقق هذا الإنجاز، بعد رحلة استمرت سبعة أشهر. لتصبح الإمارات خامس دولة تصل إلى الكوكب الأحمر.
وسيتيح المسبار، البدء في إرسال بيانات عن الغلاف الجوي والمناخ على المريخ، يدرس من خلالها كل ما له علاقة بطقس وجو الكوكب الأحمر. وسيستعين المسبار بثلاثة أجهزة علمية متطورة، هي المقياس الطيفي بالأشعة تحت الحمراء، والمقياس الطيفي بالأشعة فوق البنفسجية، وكاميرا استكشاف رقمية عالية الدقة!
وهذه ليست مزحة بل أن الخبر يكاد يكون حقيقياً… ولكنه مجزوء… والحقيقة المجزوءة قرينة الكذب!
وقد يتساءل سائل: كيف للإمارات أن تستكشف مناخ المريخ وهي التي تعتمد على قناة الطقس الأميركية لمعرفة طقس دبي؟ وكيف للإمارات أن تنجز هذا العمل الذي عجزت عنه أعظم الدول فيما هي عاجزة عن تصنيع إبرة خياطة وتكاد تستورد 100 بالمئة من جميع استهلاكاتها؟
فالمشروع خططت له ونفذته «ناسا» بالتعاون مع جامعات أميركية كـ«كولورادو» و«أريزونا» و«كاليفورنيا–بيركلي»، وقد تم التجميع في «جامعة كولورادو–بولدر». أما إطلاق المسبار فتم من قاعدة «تانيغاشيما» اليابانية عبر صاروخ من تصنيع شركة «ميتسوبيشي». وكل ذلك بتمويل إماراتي.
نعم، هناك شيء وحيد إماراتي المنشأ في المشروع الفضائي هذا… وهو اسمه، «مسبار الأمل»، فهنيئأ للإمارات!
اليمن: الحرب مستمرة
منذ أيام قامت القوة الجوية في «أنصار الله» بشن هجوم على مطار أبها السعودي استهدف الركن الحربي من المطار للرد على الطائرات السعودية التي تنطلق من هناك لقصف اليمن، وقد تم تدمير عدة طائرات حربية.
وتقوم حكومة صنعاء الشرعية حالياً بشن هجوم شاسع للسيطرة على مدينة مأرب، المعقل الأخير لحكومة هادي حيث تتواجد حقولُ النفط اليمنية الرئيسية.
وقالت مصادر يمنية إن «تكثيف إرسال الطائرات المسيرة الملغومة في الأيام الأخيرة هو وسيلة ضغط لرفع الحصار وإعادة فتح المطارات اليمنية ومطار صنعاء على وجه الخصوص ووقف احتجاز سفن وقود وبضائع أخرى في ميناء الحديدة». ويأتي هذا التصعيد بالتزامن مع زيارة المبعوث الدولي مارتن غريفيث لطهران للمرة الأولى منذ سنوات وبعد أسبوع من رفع الرئيس بايدن لجماعة «أنصار الله» الحوثية عن قائمة الإرهاب.
أما ألمانيا وفرنسا وبريطانيا فسارعت إلى إصدار بيان مشترك يدين الهجوم بوصفه «انتهاكاً للقانون الدولي» لحماية المناطق المدنية.
هذه الصفاقة الأوروبية في دعم العدوان السعودي على اليمن، والتنكر لحق الشعب اليمني بالدفاع عن نفسه، خير دليل على أن تلك العواصم شريكة في الجريمة! وغني عن القول أن الدول التي تغطي العدوان وتسانده عسكرياً ولوجيسيتاً هي شريكة معه في التسبب بـ«أسوا كارثة إنسانية في القرن الحادي والعشرين»، على ذمة الأمم المتحدة!
وفيما أصبح حتميا ًأن لا حل عسكرياً في اليمن وأنه لا بديل من الحل السياسي، تصر مملكة آل سعود على التعنت وتضييع الوقت أملاً بتحقيق مكاسب ميدانية تستعملها كأوراق رابحة على طاولة المفاوضات المقبلة. لكن رياح الحرب اليمنية لا تجري بما تشتهي سفن السعودية، حتى أصبح واضحاً أن استمرار الحرب هو استمرار للمزيد من المكاسب والانتصارات الحوثية.
السعودية سجن كبير
أفرجت سلطات النظام السعودي يوم الخميس الماضي عن الناشطة لجين الهذلول بعد سنتين من الاعتقال. ولقد قامت الهذلول برفع دعوى لإثبات تعرضها للاعتداء والتعذيب كما ورفضت عرضاً بالإفراج عنها مقابل إقرارها بعدم تعرضها للتعذيب. ولا يُعلم إن كان سيُسمح للهذلول بالتعبير عن رأيها صراحة والمطالبة بحقوقها الأساسية أو إذا ما كان سيُسمح لها بمغادرة السعودية.
من جانبه ورحب الرئيس الأميركي، جو بايدن بالإفراج عن الناشطة الحقوقية، وقال «كانت مدافعة قوية عن حرية المرأة، وإطلاق سراحها من السجن هو الأمر الصائب الذي ينبغي القيام به».
ولكن الهذلول ليست سجينة الرأي الوحيدة في السجون السعودية حيث يقبع العشرات خلف القضبان في سجون المملكة منذ سنوات طويلة بسبب تغريدة أو تعليق أو رأي!
فمثلاً اعتقلت السلطات السعودية اللاعب السابق فهد الهريفي بسبب تدوينة انتقد فيها الإجراءات التي اتخذتها السلطات السعودية حول فيروس كورونا. كما تم اعتقال الشاعر المسن عايد رغيان الوردة العام الماضي بسبب تدوينة شعرية انتقد فيها الهيئة العامة للترفيه. وفي عام 2017، اعتقلت السلطات السعودية الداعية المعروف سلمان العودة بسبب تغريدة حول الأزمة الخليجية. ثم قامت السلطات عام 2018 باعتقال الداعية عبد العزيز الفوزان بسبب تغريدة. كما يُعتقل الباحث الدكتور حسن المالكي من سنوات بسبب آرائه الدينية! كما وتم اعتقال وسجن معظم الشيوخ الذين يُشك بولائهم لـ«الإخوان المسلمين» إضافة لاعتقال كل من تسول له نفسه انتقاد موقف السعودية من قطر أو من استمرارها بالعدوان على اليمن! فهل نسي بايدن أو تناسى ذكر هذا الكم الهائل من معتقلي الرأي السعوديين أم إنه لا يريد إزعاج حليف قديم؟
Leave a Reply